ما هي أهم الفوارق أو الخلافات بين التحليل النفسي والطب النفسي الاجتماعي والطب النفسي البيولوجي. (حميد النجاشي / أكادير) تختلف هذه المدارس الثلاث فيما بينها اختلافا بعيدا، فيما يتصل بأسباب الأمراض النفسية. - فالمحللون النفسانيون - أتباع المدرسة الفرويدية - يعتقدون أن الصراعات الدفينة، على مستوى اللاشعور، هي «نواة «الاضطرابات النفسية كلها .و هم يَرون بالتالي أن الطريقة المثلى لعلاج هذه الاضطرابات هي مساعدة المريض على إدراك طبيعة الصراعات التي تعتمل في لاشعوره. وذلك بواسطة حصص تحليلية منتظمة، تَخضع لتقنين صارم. كما أنها باهظة التكاليف. وهو ما جعل المناهضين لهذه المدرسة يسخرون من أولئك «المحللين النفسانيين التقليديين الذين لا يفرقون بين جَيب المريض و لاشُعوره!» أما المناهضون الأقل قسوة فهم يعترفون لمدرسة التحليل النفسي بدور الريادة في فهم أغوار النفس، لكنهم ينفون عنها أية صبغة علاجية. وإذا كان التحليل النفسي - في نظر هؤلاء المناهضين - قد جاء بمفاهيم أساسية فيما يتعلق بالحياة النفسية، فإن ذلك لا يعني بتاتا أنه قادر على شفاء المرضى! - وبخصوص الطب النفسي الاجتماعي، فإنه يرتكز على ما يمكن أن نسميه بالتفسير الاجتماعي للمرض العقلي. و بالنسبة إلى أتباع هذه المدرسة، فإن المجتمع هو الذي يتسبب في حدوث الأمراض النفسية و العقلية على اختلافها. والأشخاص الذين ننعتهم بأنهم مرضى عقليون ليسوا في الحقيقة سوى ضحايا للمجتمع الذي يعيشون فيه. مما يعني أن التصدي لظاهرة المرض العقلي يقتضي إصلاحا جذريا لهذا المجتمع. و من هذا المنطلق نشأ ما يُعرف بالطب النفسي المضاد، الذي كان له صدى واسع في إيطاليا على الخصوص. - أما الطب النفسي البيولوجي فيأخذ عليه مناهضوه أنه يسعى إلى اختزال المرض العقلي في بعض الاضطرابات البيولوجية أو الفزيولوجية الدماغية. والحق أن التطور الكبير الذي شهده مجال علوم الدماغ قد جعل هؤلاء «البيولوجيين» يحصلون على صور رائعة ودقيقة لأنسجة المخ وينفذون إلى أسراره الكيميائية كذلك.مما جعلهم يحلمون بإيجاد التفسير العضوي الحاسم للمرض العقلي. فبما أن الدماغ هو الذي ينتج الفكر، فإن المرض العقلي- الذي هو اضطراب في الفكر- يَكمن حتما في الدماغ. وهذا ما يثير حفيظة المحللين النفسانيين، ومنهم الفرنسية مونيت ڤاكان، التي ترى «أن المختص الذي يقضي وقته في تأمل صور الدماغ هو شبيه بذلك الطفل، الذي يتلصص من ثقب المفتاح كي يفهم أسرار الحب الجسدي!»