بتاريخ 02/04/2015 نظم المجلس العلمي الأعلى الذي يترأسه جلالة الملك ندوة علمية تحت عنوان « السلفية تحقيق المفهوم و بيان المضمون « و على ضوء هذه الندوة نشرت حلقتين في جريدة الاتحاد تتعلق الأولى بضرورة إعداد مشروع متكامل يشمل جميع مناحي الحياة من المسألة الدينية و الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية كإطار شمولي لبناء الدولة الحداثية و الديمقراطية المتفتحة . و جاءت الحلقة الثانية لتضع العلم الشرعي في صدارة لتصحيح الفهم الخاطئ للسلفية و مضمونه لتحقيق المشروع العام لتأهيل البلاد و مسايراتها تطورات عصرنا الحاضر في مختلف المجالات من اجل تقدمها و رقيها . و بخصوص موضوع الندوة فان الأمر يتطلب توضيح المفهوم الصحيح للسلفية و مضمونه لازالت اللبس الذي انتابه اعتمادا على الكتاب و السنة و الجماعة و هي المصادر الواجب الاستدلال بها في هذا المضمار. و مما تجدر الإشارة إليه أن مسألة السلفية كانت مدار نقاش طويل مند نهاية عهد الخلفاء الراشدين و بالضبط بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان رحمه الله و رضي عنه إلى يومنا هذا . هذا و قد وقع في شأن فهم السلفية اختلاف بين العلماء و الأئمة فمنهم من تمذهب باحد المذاهب الأربعة من الحنفية , الشافعية , المالكية و الحنبلية و كذلك الشأن بالنسبة لمن لم يتمذهب بها و يتمسك بالكتاب و السنة دون الاستغناء بما جاءت به جميع المذاهب فيما ليس فيه مخالفة هما .لكن الملاحظ انه كلما حلت أزمة بالأمة الإسلامية إلا و يعوزها بها كثير من الناس و الجماعات الإسلامية و كثير من العلماء و على رأسها جماعة أهل السنة و الجماعة التي تتبنى الحنبلية المنتشرة في الشرق العربي بواسطة الحركة الوهابية التي كان رأس مؤسسها محمد بن الوهاب في القرن التالت عشر الهجري و هي الجناح الدعوي لإقامة دولة آل سعود بالعربية السعودية . و قد شارك في الندوة و جوه بارزة من العلماء الإجلاء مشهود لهم بكفاءاتهم العلمية و برهنوا عليها و أصبحوا مرجعا يقتدي به و على رأسهم أستاذنا المحترم العلامة احمد الخمليشي الذي يشغل الآن منصب مدير دار الحديث الحسني بعدما مارس القضاء و المحاماة و أستاذ كرسي في كليات الحقوق بالمغرب و مازالت مؤلفاته في الأحوال الشخصية و القانون الجنائي و المسطرة الجنائية و غيرها معتمدة لدى الأساتذة الجامعيون و طلبتهم و محامون و قضاة و غيرهم , و مازلت احتفظ بمداخلته في الندوة التي نظمها الاتحاد الاشتراكي في بداية الصيف من القرن العشرين المنصرم تحت عنوان « الدين و المجتمع « و أتذكر الإشكالية المتعلقة بفصل الدين عن السياسة . و ما يمكن استخلاصه من الندوة العلمية هو إقرار المتناظرين بالإجماع بوجود فهم خاطئ للسلفية و أن ما يدعون إليه هو ما كان يدعوا إليه أغلبية العلماء و الحركات ذات الاتجاه الإسلامي و السلفي و غيرهم أما عن علم أو جهل و سواء المنضوون تحت لواء جماعة أهل السنة و الجماعة و من غيرهم و حتى بعض الاتجاهات الصوفية و كثير من الناس . أما العلامة نصر الدين الألباني فقد سلك نفس المنهج حيت يرى أن العلاج المشكلة التي تعاني منها الأمة تكمن في الحديث النبوي الذي جاء به الإمام مالك أمام دار الهجرة و التي تفيد بان التخلي عن الدين من طرف أهله هو السبب فيما وصلت إليه الأمة و أن العودة إليه هو الذي سيزيل عنها الذل الذي سلط عليها و لا يتأتى ذلك إلا بالتصفية و التربية و جاء في نص الحديث ( إذا تبا يعتم بالعينة و اخدتم بأذناب البقر و رضيتم بالزرع و تركتم الجهاد سلط عليكم ذلا لا ينزعه منكم حتى ترجعوا إلى لدينكم ). ويرجح كل من الجماعات و الحركات و العلماء إلى أن سبب أزمات الأمة الإسلامية هو ابتعاد المسلمين عن دينهم و تخليهم عن أصول هذا الدين الإسلامي الحنيف و تعاليمه الواردة في الكتاب و السنة و ما كان عليه السلف الصالح و هم الخلفاء الراشدين انطلاقا من قول الرسول (ص) حو أفضل القرون الزاهرة التي كانت عليها الأمة في أوجه عزتها و كرامتها و اتساع رقعتها في اكبر بقع العالم و يتعلق الأمر بقوله (ص) ( أن أفضل قرن هو ما كنت عليه أنا و أصحابي و الذين يلونهم و الذين يلونهم ) و اتفق جميع علماء و أئمة الجماعات و الحركات من مختلف المذاهب و الفرق و من غيرها أن الخروج من الأزمة المستمرة التي تعاني منها الأمة هو الرجوع إلى الينابيع الأصيلة للكتاب و السنة و ما كان عليه السلف الصالح رغم الاختلاف الحاصل بين الجميع في الرؤيا و المنهج للسلفية التي كانت موضوع ندوة أعلى هيئة علمية في البلاد مع ضرورة الانفتاح بالنسبة لبعض العلماء السلفيين الجدد أو المجددون دون الخروج عن الينابيع الأصيلة , كما اشر ت إليها و يرفض هؤلاء التزمت و الجمود الذي ساد الأمة في عصر الانحطاط و انتهاء الخلافة العثمانية . لهذا ارتأيت تخصيص هذه الحلقة للموضوع الأساسي الذي وقع فيه الخلاف و الاختلاف و ما ترتب عنه من التفرقة و التعصب و يعد من الأسباب الرئيسية التي كانت السبب في ما آلت إليه الأمور في بلدان الأمة و زاد في تعميق الأزمة استمرار الاقتتال بين الإخوة الأعداء كل يدعي إلى الانتساب إلى الإسلام و الانتماء السلفي و فتح المجال للتدخل الأجنبي باسم الشرعية الدولية . و كنت انتظر أن يجمع علماؤنا على تحديد مفهوم دقيق للسلفية للحد من الفوضى في الإفتاء لا سيما أنها طالت العقيدة بما فيها تنامي ظاهرة التكفير من طرف شيوخ جهال و إضفاء الطابع الشرعي للاقتتال باسم الجهاد و الحال أن السلف الصالح يدعون إلى الاجتماع على الدين و نبد التفرقة و الاختلاف و هو موضوع سبق لي أن ناولته مند مدة . و مع ذلك أرى من الواجب والأجدر إدراجه ضمن حلقات هذه الندوة. ويبدو أن المراد من مختلف الآراء المشار إليها تنصب فيما ذكره من سبقهم و ذلك بقولهم (إن أمر هذه الأمة لا يصلح إلا بما صلح عليه أمر أولها ) و هنا يكمن الإشكال الجوهري الذي يجب الحسم فيه و يكون عليه الإجماع أكثر مما كان عليه الاختلاف و يتعلق الأمر بتوضيح النهج الذي كان عليه أصحاب النبي (ص)الذين هم خير الخلق بعد الأنبياء و المرسلين و هم خير قوم و امة وجدت على الأرض لان معرفة أحوالهم و أخلاقهم و سيرهم سيضيء الطريق أمام المومن الذي يريد أن يعيش أسوة بالرسول محمد (ص) و الصحابة هم حملة الإسلام و حفظته بعد الرسول (ص) اختارهم الله و اصطفا هم لصحبة نبيه و نشر رسالته من بعده عدلهم و زكاهم و وصفهم بأوصاف الكمال في آيات قرآنية كثيرة منها قوله تعالى في الآية 23 من سورة الأحزاب : (( من المومنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلو تبديلا .)) .و قوله في سورة النور الآية 38 : (( رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر الله و أقام الصلاة و إيتاء الزكاة, يخافون يوما تنقلب فيه القلوب و الأبصار )). لأنهم قوم فريد من الرجال لم تعرف البشرية لهم نظير في تاريخها الطويل الممتد عبر الزمن يتسمون بالتقوى و الورع و أية في التجرد . هذا و بناء على ما سبق ذكره فان موضوع الندوة جاء في ظرفية تاريخية دقيقة بالنسبة للأمة الإسلامية و هي التي و صفت في كتاب الله بخير امة أخرجت للناس , إلا أنها أصبحت تعيش في الظرف الراهن وضعا أخر يتسم بالذل و المهانة و أصبحت في حاجة ماسة إلى الفهم الصحيح للسلفية و مضمونه و ذلك لعلاج الاختلاف الحاصل في شأنه . و يتعلق الأمر بمسألتين أساسيتين في نظرنا و إن كان المتناظرون أكثر منا علما و معرفة , فالأولى تتعلق بماذا نعني بالسلفية و الثانية ما هو النهج الذي كان علية السلف الصالح الذي يدعوا إليه كثير من العلماء و الحركات التي تنسب إلى الإسلام و تسمي نفسها بالسلفية و أهل السنة و الجماعة , و يبدو انه قبل الشروع في تبيان صفات السلف الصالح وبعده النهج الذي كانوا عليه أشير إلى أن الرسول (ص) قد اخبر بأنه مازال في الأمة طائفة تدعو إلى إتباع كتاب الله و سنته و سلوك النهج السلفي الصحيح رغم المعاناة التي تعاني منها الأمة حاليا و كثرة أهل الأهواء و البدع و تبقى الطائفة التي أقامها الله للأمة يحفظ عليها أصول دينها بقوله (ص) ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ) متفق عليه رواه البخاري و مسلم و الترمذي و ابن ماجه واحمد. أما الوضع الذي آلت إليه الأمور في بلدان الأمة فقد اخبر بها النبي (ص) و بين علاجها بقوله ( فان من يعيش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها و عضو عليها بالنواجذ و إياكم و محدثات الأمور فان كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار ) . فهذه الوصية تأمرنا بإتباع سنته و سنة خلفائه و نهانا عن البدع و هي ما أحدت في الدين مما ليس منه بقوله أيضا ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد). و من هنا يتضح إن السلف الصالح حسب الحديث هم الخلفاء في المرتبة الأولى و يأتي في المرتبة الثانية أصحابه من التابعين و تابع التابعين و ذلك بقوله (ص) ( ما كنت عليه أنا و أصحابي ) و يعني الصحابة الذين عاشوا في عصره منهم المهاجرين و الأنصار. أما قوله بان أفضل القرن فقد أشار إليه في نفس الحديث بالذين عاصروه و الذين يلونهم و الذين يلونهم إلا أن بعض العلماء اختلفوا حول عصر الذين يلونهم و الذين يلونهم و يتعلق الأمر بما إذا كان الأمر ينحصر في قرن أو أكثر لكن الراجح أن اغلب العلماء يرون أن المراد من ذلك هو ثلاثة قرون بدءا بالقرن الذي عاش فيه النبي و أصحابه و القرنين المواليين من بعده أو أكثر حسب ما يستفاد من قولهم التابعون و تابع التابعون ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أي يوم الجزاء ) . و هؤلاء هم السلف الصالح الواجب علينا إتباع نهجهم في العبادات و المعاملات أما دونهم فليسوا بالسلف الصالح , و كل من سلك مناهج أخرى غير نهجهم فقد ضل السبيل و الصراط المستقيم و ليس في العقيدة الإسلامية سلفيات متعددة , ذلك أن أصول الدين مبنية على الكتاب و السنة و الجماعة و تسمى هذه الأخيرة الفرقة المنصورة أو الناجية من النار و التي تفيد ما جاء عن الرسول (ص) أن الأمة الإسلامية ستفترق على ثلاثة و سبعين فرقة لا ينجو منها إلا واحدة و هي أهل السنة و الجماعة و هي المنصورة كما جاء عن أغلبية علماء الآثار و قد وردت أسماء الصحابة في كتاب أصحاب الرسول (ص)للعلامة محمد المصري أبو عمار. و قد أشير إلى بعقص الآيات القرآنية التي جاءت في حقهم و لا بأس أن أورد آيات أخرى باختصار منها جاء في الآية 18 من سورة الفتح (( لقد رضي الله عن المومنين الذين يبايعونك تحت الشجرة ...الخ )) و في نفس السورة الآية 29 (( محمد رسول الله و الذين معه أشداء على الكفار رحماء...الخ )) أما بالنسبة للمهاجرين فقد جاء في الآيتين 8-9 من سورة الحشر (( للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم و أموالهم إلى و من يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون )) أما الآيتين 88-89 من سورة التوبة فجاء فيهما (( لكن الرسول و الذين معه جاهدوا بأموالهم و أنفسهم )) و في نفس السورة أشارت إليهم الآية 100 (( و السابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار ...الخ )) دائما في نفس السورة (( لقد من الله على النبي و المهاجرين و الأنصار و الذين اتبعوهم بإحسان ...الخ )) و أخيرا و ليس أخير فقد أشار إليهم سبحانه بقوله في الآية 172 إلى الآية 174 من سورة أل عمران (( الذين استجابوا الله و الرسول بعدما أصابهم القرح ...الخ )) و هناك آيات أخرى تشير إلى صفات الصحابة و الثناء عليهم . هذه ادن صفات الصحابة في الكتاب و السنة و لا يمكن لأحد أن يصفهم إلا بما وصفهم الله و رسوله .و من صفاتهم أيضا أنهم فتحوا القلوب بعدلهم بالقران بالإيمان نصروا الدين مند نشأته و بدلوا المنهج يوم كان أهل الدار خائفون و كذلك فهم رجال المخارج يوم يندس المغمورون في ثيابهم لم يجعلوا همهم ملأ البطون و لباس الحرير و لا الاغراق في النعم .حفظوا الشرع من أهواء الزائغين و حموا الملة من زحف المناوئين شهدوا التنزيل و عملوا بما فيه طائعين فلعنة الله على الذين يسبون الصحابة من الشيعة و غيرهم من أصحاب التحريف و الانحراف الذين هم على مراتب منهم قد يكون كفرا و قد يكون فسقا و قد يكون معصية و قد يكون خطأ لان النبي (ص) قد نهى عن سب الصحابة بقوله ( لا تسبوا صحابي ) فمنهم و وزراءه و منهم أصهاره ...الخ و كل من يسب الصحابة و الخلفاء الراشدين كقناة إيرانية مخصصة للسب و القذف فيهم و هم يخالفون ما جاء في الحديث النبوي في هذا الإطار و يخالف أيضا من أن ( خير القرون و هو ما كان عليه (ص) و الصحابة والتابعون و التابعون لهم بإحسان يوصي به الأول الأخر و يتقدى به اللاحق السابق و هم في ذلك كله بنبيهم محمد (ص) مقتدون و على منهاجه سالكون كما قال تعالى في كتابه العزيز في سورة يوسف (( قل هذا سبيلي أدعو الله على بصيرة أنا و من اتبعني و سبحان الله و ما أنا من المشركين )). أما بالنسبة لنهج السلف الصالح يتمحور بالأساس على العقيدة و هي أساس الدين و هي مضمون شهادة أن لا اله إلا الله و أن محمدا رسول الله و هو الركن الأول من أركان الإسلام فيجب الاهتمام به و العناية به و أن معرفته هو معرفة ما يخل به حتى يكون الإنسان على بصيرة و على عقيدة صحيحة لأنه إذا قام الدين على أساس صحيح صار دينا قيما و مقبولا عند الله و إذا كانت العقيدة فاسدة و مضطربة صار الدين غير صحيح و على غير أساس و كان مرجعهم الكتاب و السنة أما إذا دخل في الدين من لم ترسخ العقيدة في قلبه أو دخل في الإسلام و هو يحمل بعض الأفكار المنحرفة و أفتى في الإسلام من لم يرجع فيه إلى الكتاب ولا إلى السنة في العقيدة إنما يرجع إلى قواعد و منهج أصلها أهل الضلال عن أنفسهم , لهذا احتاج أئمة الإسلام إلى تصحيح , كما ا ن أهل السنة و الجماعة يدعون إلى طاعة أولى الأمر ما لم يدع إلى معصية كما يومنون بكرامات أولياء الرحمان الذين جاء في حقهم قوله تعالى (( إلا أن أولياء الله لا خوف عليهم و لا هم يحزنون الذين امنوا و كانوا يتقون )) يدعون إلى مكارم الأخلاق و الفضائل و القيم النبيلة و بصفة عامة إتباع جميع الأحكام المأمور بها في كتاب الله و اجتناب نواهيه و إتباع آثار الرسول (ص) من أمر و عمل و تقرير و إتباع نهج السلف الصالح الموصوف أعلاه على ضوء القران و السنة . و في هذا الصدد يبدو إنما يجري في البلدان الإسلامية في الشرق العربي و ليبيا فلا علاقة له لا بالسلفية و بالأحرى أحكام الشريعة الإسلامية التي تتسم بالوسطية و الاعتدال و تدعو إلى الاجتماع على الدين و نبذ التعصب و التفرقة و من تم فان ما تعيشه تلك البلدان يسرى عليها و على بلدان إسلامية أخرى قوله تعالى (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغير ما بأنفسهم)) .