نظم المجلس العلمي الأعلى بالمغرب ندوة علمية تحت عنوان « السلفية تحقيق المفهوم و بيان المضمون « ، و يبدو أن هذه الندوة و إن جاءت متأخرة نظرا لما شاب السلفية من سوء للفهم ليس فقط لدى كثير من الناس في المغرب، بل طالت أغلبية البلدان العربية الإسلامية و أضفت عليها جماعات متعددة تنسب نفسها سلفية و أهل السنة و الجماعة ، الطابع الشرعي لأعمالها و أفعالها من اقتتال و تناحر و زعزعة العقيدة وما ترتب عنها من فقدان الأمن و الاستقرار في مجتمعات تلك البلدان . إلا أن ما يستفاد من تدخلات العلماء و المفكرين المشاركين في الندوة أنها أجمعت على وجود فهم خاطئ للسلفية ، و على رأسهم وزير الأوقاف و الشؤون الإسلامية أحمد التوفيق و رئيس المجلس الأستاذ يسف و اتفق المتناظرون بالإجماع على أن السلفية هي النهج الذي كان عليه السلف الصالح باعتبارهم أهل السنة و الجماعة . و التي تأتي في المرتبة الثالثة في أصول الدين بدءا من الكتاب و هو القرآن المنزل على الرسول (ص)و هو كلام الله و بعده السنة و تعني آثار النبي في أقواله و أعماله و تقريرا ته. هذا و من المؤكد أن مسألة السلفية ليست ظاهرة وليدة اليوم، بل شكلت ظاهرة تاريخية تكررت باستمرار و ارتبط تكرار ظهورها بظهور نفس الأسباب الكبرى التي شكلت الأزمات سواء في وجهها الفكري أو وجهها السياسي ،و من صفة « ظاهرة « و صفة الظهور المتكرر عبر مراحل و فترات تاريخية معينة اكتسبت السلفية صفة « سلفيات « فاختلاف طبيعة الأزمات و اختلاف القضايا الجزئية المطلوب حلها يفرض اختلافا في درجة الدعوة المركزية، أي الإحياء .بمعنى أن الدعوات تتفق إجمالا في الرؤية للتاريخ ، لكنها تختلف في المواقف و في العلاقة مع الجوانب التي تفرض الاصلاح و أقصد به الاصلاح الشمولي في الدين و في القضايا السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية . و لعل هذا الاختلاف هو الذي يشكل احد أسباب الغموض و الالتباس المحيط بمصطلح السلفية و أحد أسباب استعماله استعمالا متداخل الأبعاد تمتد من الرؤيا للتاريخ ألى المواقف للاصلاح الديني ،مرورا متقاطعا بما هو إنساني و اجتماعي و ثقافي . و بناء على ذلك فقد دعت كل السلفيات الى أحياء السنة و سيرة السلف الصالح إلا أن اختلافها في تحديد البدعة جعلها فرقا لا تتفرق بعضها البعض بالانتماء السلفي ، و لا يقف الاختلاف في المفهوم و المضمون عند السلفيين فيما بينهم ، و هو المراد من موضوع الندوة بل يشمل كذلك الباحثين في موضوع السلفية و الفكر السلفي، لذلك نقرأ عند الكثير من هؤلاء تعريف السلفية مذهبا إسلاميا او تيارا فكريا و نقرأ عند آخرين تقليصها لمجرد مرحلة زمنية . ويبدو حسب العلماء أن الخلاف انحصر في المفهوم الصحيح للسلفية و هو ما يسعى إليه المجلس العلمي الأعلى في إطار الندوة، الى إزالة اللبس عنه و توضيح مضمونه، أما الكتاب و السنة فلا يحتاجان إلى الاختلاف و ليسا ايضا في حاجة الى أزالة اللبس عليهما و من مضمونها . أما تسمية الفئة التي تسير على النهج الصحيح للسلف الصالح بأنها أهل السنة و الجماعة لإيثارهم كلام الله و هدى رسول الله مصداقا لقوله تعالى : ((هذا صراطي مستقيما فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله .))اية 153 من سورة الانعام و قوله : (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله )) اية 21 من سورة ال عمران ، و يعني بالقول الرسول حسب التفاسير . و جاء عن شيخ الاسلام ابن تيمية ( سمو أهل الكتاب و السنة لتصديقهما و التزامهما و إيثارهما كلام الله و هدى رسوله على غيرها و من خالف الكتاب و السنة و ادعى انه من أهل الكتاب و السنة فهو كاذب لأن من كان من أهل شيء لا بد ان يلتزم به . أما قوله كذلك ( ان كان لفظ الجماعة فقد صار اسما لنفس القوم المجتمعين و قال أيضا إن أهل الجماعة هم أهل الاجتماع لأنهم مجتمعون على السنة متآلفون فيها لا يضلل بعضهم بعض و لا يبتدع بعضهم بعضا ، بخلاف أهل البدع و الابتداع . و بخصوص الندوة فقد انحصر موضوعها في مسألة السلفية حيث تكتسي طابعا دينيا صرفا لأن هذه المؤسسة نظمت الندوة في اطار اختصاصاتها الدستورية دون الدخول في مناقشة المسائل الأخرى ، سواء ذات طابع سياسي او اقتصادي او اجتماعي، و هي ليست من صلاحيته . لكن الملاحظ أنها جاءت في ظرفية تاريخية صعبة تعيشها الأمة العربية الاسلامية بصفة عامة و إن كان المغرب مازال يعرف وضعية مغايرة تتسم بالامن و الاستقرار رغم اكتشاف خلايا إرهابية مرة تلو الاخرى تابعة لتنظيمات تدعي انتماءها لجماعات إسلامية في المشرق العربي بالاساس، و الحال ان ما تقوم به لا يمت إلى ما تدعو إليه الشريعة بصلة من التآخي و فضائل الأخلاق ..الخ . كما لا تؤمن بحرية الرأي و التعبير و سنت في نهجها أسلوب القتال و الدمار . و هذا ما يجعل الشك ينتاب عقيدتها و الجهات التي كانت وراء عملياتها الارهابية . و يكمن هذا الشك في جهات مناوئة للإسلام و تسعى إلى خلخلة عقيدة المسلمين و انهيار أنظمته السياسية . . و يبدو أيضا ان الندوة جاءت في عهد حكومة يرأسها حزب العدالة و التنمية ذو المرجعية الدينية، و ذلك في خضم الحراك الشعبي العربي الذي يسمى بالربيع العربي او الديمقراطي ، وهو الذي افرز تولية أحزاب ذات مرجعية دينية مقاليد الحكم في عدة بلدان عربية إسلامية ، مع العلم أنها كانت منضوية تحت لواء الحركات السلفية المطلوب تصحيح فهمها و مضمونها من طرف المجلس العلمي الأعلى الذي يترأسه جلالة الملك . لكن الملاحظ أن الوضعية التي يعرفها المغرب من تعميق الأزمة في جميع المجالات لم يسبق لها مثيل ، كما استفادت هذه الحكومة من المنهجية الديمقراطية في اطار دستور 2011 ، حيت عجزت عن تنزيل مقتضياته التنظيمية و أكثر من ذلك برزت خلايا إرهابية تستهدف شخصيات فكرية و علمية و على رأسها الكاتب الاول للاتحاد الاشتراكي ، الامر الذي يتعين على الاجهزة الأمنية و منظمات المجتمع المدني التصدي لهذا التيار الداعشي الخطير. و في نظري فإن ما أسفرت عنه الندوة يستدعي التوافق على مشروع مجتمعي متكامل لإخراج البلاد من هذا الوضع، يشمل جميع الميادين الدينية و الاقتصادية و الاجتماعية ..الخ ، لان البناء و الإصلاح كل لا يتجزأ حفاظا على أمن البلاد و استقرارها و سيادتها اولا ، و إن كانت قد تخلفت عن عدة مواعيد مع التاريخ ، فيجب تداركها قبل اي وقت مضى بعد استحضار ما يجري في بلداننا العربية الاسلامية في المشرق . و هكذا فإن شعور المجلس العلمي و إقراره بأن هناك فهما خاطئا للسلفية و سوء تطبيقها يبدو انه مما لا شك فيه أنها اصبحت متبناة من كثير من المسلمين و إن كان بعضهم يكن لها عداء و لو لم تكن لهم أية صلة بالدعوة السلفية الصحيحة فإنهم يدعون اليها ، و من هنا يدخل في المنهج العلمي السلفي من ليست له صلة مطلقا بهذا المنهج . الأمر الذي يستوجب تأهيل الحقل الديني بالكفاءات العلمية الموثوق في علمها بالقرآن و الأثار و آراء العلماء .. الخ ، و يتطلب أيضا انفتاح المجالس العلمية على الطاقات الفكرية من مختلف التخصصات .