قاربت ندوة علمية، ينظمها المجلس العلمي الأعلى، اليوم الخميس بالرباط، موضوع السلفية، من زوايا تحليلية مختلفة، همت نموذج السلفية كأمر جامع وانتماء مشترك بين جميع أهل السنة والجماعة، وبين مذاهبه ومقاصده واتجاهاته العقائدية، وكذا صلته بالتصوف السني. وهكذا، اعتبر الأستاذ مصطفى بن حمزة رئيس المجلس العلمي بوجدة، عضو المجلس العلمي الأعلى، في عرض قدمه خلال الجلسة العلمية الأولى لهذه الندوة، التي تمحورت حول موضوع " "السلفية.. تحقيق المفهوم وبيان المضمون" أن الانتساب إلى السلفية "أمر جامع وانتماء مشترك بين جميع أهل السنة والجماعة على قدر التساوي والتواطؤ لا على قدر التشكيك والتفاوت كما يقول المناطقة، حيث لا يتفاضل أهل السنة في الانتساب إلى السلفية مثلما لا يتفاضلون في الانتساب إلى جامعة أهل السنة والجماعة". وأضاف في عرض حول موضوع، "سلفية الأمة وسلفية الفئة والنموذج المغربي" أن النموذج المغربي للسلفية هو "أنموذج لم ينقطع منذ أن حسم المغرب الموقف مع كثير من المذاهب العقدية التي أوجدت لها موطئ قدم في البلاد ومنها : مذهب الخوارج والشيعة والمعتزلة، حيث تم ذلك بعد جهد علمي قوي ليصبح مذهب المغاربة مذهبا سنيا أشعريا مالكيا، بعيدا عن الابتداع العقدي". وأشار إلى أن السلفية انبعثت في المغرب "قاصدة، إلى مواجهة كل مظاهر الابتداع والشذوذ وعاملة على رد المجتمع إلى الكتاب والسنة في نصاعتها وعاملة من جهة أخرى، على تحرير الانسان والأرض من سلطة الاستعمار، فكانت سلفية المغرب سلفية علمية عملية نضالية جامعة حريصة على التجميع والتأليف". وفي هذا الصدد، شدد الأستاذ بنحمزة، على "وجوب المحافظة على وحدة الأمة الاسلامية، وعلى نبذ التماس الفروق للحكم بتبديع الناس، بناء على قضايا ضلت موجودة في تاريخ المسلمين، وأحسنت الأمة إدارة الخلاف حولها، بعدما تبدى حاليا مقدار التشرذم والتوزع الذي وقعت فيه الأمة". من جانبه، أكد الاستاذ ادريس خليفة رئيس المجلس العلمي بتطوان، عضو المجلس العلمي الأعلى، في عرض حول موضوع "مذهبية السلف وسلفية بعض من خلف" أن مذهب السلف بالرغم من كون شيخ الاسلام ابن تيمية اعتمده واخذ منه ورد إليه كلامه في العقيدة والسلوك، "ليس هو السلفية أو المذهب السلفي كما أسسه هو نفسه"، معتبرا أن المقصود بمذهب السلف هم صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام ومن اقتدى بهم من تابعيهم وتابعي من لم ينقذ لعلم الكلام البدعي ولم يغامر بالقول في معضلاته". وأشار إلى أن المغرب، "اهتم على مر التاريخ بشأنه الديني، الذي شكل مناط اهتمام ملوكه، لتوجيهه الوجهة الصالحة والمحافظة على مذهبيته الأصيلة التي تخدم امور الوطن وتضمن الأمن الروحي للأمة"، مبرزا أن المغرب، اتخذا لهذا إجراءات تمثلت في إنشاء مجالس علمية ومجلس علمي اعلى بإشراف أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، يروم إشراك العلماء في بحث أمور الشأن الديني وجمع العلماء في مجالس الدروس الحسنية للاستماع إليهم ومناقشة دروسهم وفتح باب الحوار مع التيارات والاتجاهات الدينية لتقريب وجهات النظر في شؤون الدين والدنيا. أما الأستاذ محمد العمراوي رئيس المجلس العلمي بإقليم سيدي سليمان سابقا، فتناول موضوع "المذهب الأشعري..مذهب السلف تأسيسا وتفريعا"، معتبرا أن المذهب الأشعري تاريخيا هو "امتداد لمنهج السلف وطريقتهم في تناول أمور الشرائع ومناهج الدين". وذكر أن ابا الحسن الأشعري، "لم يبدع طريقة جديدة، ولم ينشئ مذهبا خاص به وإنما سار على طريق السلف، لأنه واحد منهم وعلى أيديهم تخرج، بعدما تمرس بفنون الجدل وطرائق النظر، على الجبائي شيخ المعتزلة"، مشيرا إلى أن "نسبة المذهب الأشعري إلى أبي الحسن، "نسبة مجازية، أساسها مناضلته على المذهب ودفاعه عنه، ومحاجته لخصوم السلف، وإفحامه لهم بحجج المنقول والمعقول". من جهته، أكد توفيق الغلبزوري رئيس المجلس العلمي بعمالة المضيق، في عرض حول موضوع "السلفية والتصوف السني" أن "التسمي باسم الصوفية ليس منكرا في ذاته، إذ هو مصطلح حادث كبقية الاصطلاحات الحادثة في الملة، لكن ما ينكر على المتسمين بهذا الاسم ما يقع فيه بعضهم من المخالفات الشرعية من البدع والشركيات". فالمتصوفة، في نظره، "فئة مجتهدة في طاعة الله، كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله، ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده، وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين"، مبرزا أن كلا الصنفين "يجتهدون ويخطئون وفيهم من يذنب فيتوب أو لا يتوب". وذكر أن شيخ الاسلام ابن تيمية "يفصل في القول في الصوفية ولا يحكم عليهم جميعا بحكم واحد، عكس بعض المعاصرين المنتسبين للسلفية، الذين لا تقسيم ولا أثر في كلامهم، إذ ينبذون الصوفية بإطلاق وهذا من عدم العدل والانصاف وغمط القوم حقهم، خلافا لمنهج أهل السنة والجماعة الواجب مع المؤالف والمخالف". وتبحث هذه الندوة العلمية التي ينظمها المجلس العلمي الأعلى، بإذن من أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، رئيس المجلس، محاور أخرى في جلسة علمية ثانية عدة مواضيع من قبيل "السلفية والمذهبية"، والسلفية بين النصية والمقاصدية" و"الاتجاهات السلفية المعاصرة أصولا وممارسة " و"المدرسة السلفية المغربية.. خصوصية الماضي والحاضر" و"السلفية المعاصرة وإشكالات التصوف" و"السلفية وقضايا الأمن والاستقرار". ويشارك في هذا اللقاء العلمي، علماء وعالمات من مختلف اقاليم المملكة وجهاتها، ورؤساء وأعضاء المجالس العلمية المحلية وباحثون متخصصون في الشأن الديني.