جاء في البلاغ الصادر عن المجلس العلمي حسبما ذكره الشيخ المغراوي في بيانه وصف الشيخ (بالتشويش والشغب على ثوابت الأمة ومذهبها)، وهذا ما نفاه الشيخ في بيانه، ولكنه انصرف في نفيه إلى مذهب الإمام مالك في الفروع واورد ما قام به في مجال التأليف في المذهب، ولكن بالاطلاع على كتب الشيخ نجد مؤلفا مهما من أربعة أجزاء بعنوان (المفسرون بين التأويل والإثبات في آيات الصفات) بجانب مؤلفات اخرى في مجال العقيدة او ما يعبر عنه باصول الدين وقد لاحظت ان الشيخ لم يذكر من بين الكتب التي أشار إليها في بيانه الكتب التي الفها حول العقائد، وبالنسبة لكتابه حول المفسرين فهو كتاب ضخم في ألف وثمانمائة صفحة نشر مؤسسة الرسالة تناول فيه كتب التفسير وبصفة خاصة ما يقوله هؤلاء المفسرون في آيات الصفات، وانتقدهم وفقا لنظرية ابن تيمية في تحديد السلف ومن هم سلفيون ومن هم خلفيون. والكتاب في أغلبه نقول نقلها من كتب الشيخ ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ومن على نهجهما قديما وحديثا مع الاعتماد على بعض النصوص في كتب أخرى منسوبة إلى بعض شيوخ المذاهب الأربعة أو لواضعي هذه المذاهب أي الأئمة الأربعة. وقد تناول الشيخ هذا كله بنفس وأسلوب ابن تيمية في تخطئة الناس ان لم يكن بالتعيين فبالجملة باعتبار ان من يقول المقولة الفلانية فهو مجسم أو حشوي أو جهمي إلى غير ذلك من المقالات والمقولات المعروفة في كتب الفرق والمذاهب. مع استثناء أهل السنة والجماعة الذين هم ابن تيمية ومن نهج نهجه وطريقته حسب فهم الشيخ وفهم بعض الناس الذين تراموا على السلفية واحتكروها لأنفسهم كما احتكروا الانتساب إلى السنة والجماعة. وأود قبل الاسترسال في الكلام ان أؤكد ان المغرب امتاز بسلفية معتدلة والأخذ بالاشعرية هو في سياق التمسك بعقيدة السلف، وهو ما ما سار عليه ملوك المغرب رحمهم وما بنى عليه قادة الحركة الوطنية المغربية حديثا منهجهم في العمل من أجل تحرير البلاد من ربقة الاستعمار إذ كان إصلاح العقيدة على منهج السلفية الأشعرية المتجددة هو نقطة الانطلاق والاعتماد في العمل الذي أفضى إلى تحرير البلاد واستقلالها ومعنى ذلك ان السلفية منهجا فكريا حياتيا كانت حاضرة في وعي المغاربة وهم يناضلون ويجاهدون، ولكن قد يضع المخالف سؤالا حول هذه السلفية ما هي؟ ان الجواب على هذا السؤال هو الذي يحسم في الفرق بين سلفية وسلفية . لقد كانت الحركة السلفية المغربية تضع ابن تيمية في المكان المناسب وتضع محمد بن عبد الوهاب النجدي في مكانه المناسب كذلك كما تضع من قبلهما ومن بعدهما ممن يصنف نفسه في السلف حيث ينبغي أن يكون، ومعنى ذلك ان السلفية المغربية ليست سلفية جامدة ولكنها سلفية فاعلة منفعلة فكريا واجتماعيا وأخلاقيا وعقديا من أجل مجتمع أفضل يمتاز بالإيمان والحركية والتسامح والعدل واستعمال العقل الذي أنعم الله به على الإنسان في المجال الذي امر الله باستعمال العقل فيه ولم يتردد الاستاذ علال الفاسي رحمه الله في كتابة مقال حول كتاب (الدستور الإسلامي) للشيخ أبي بكر الجزائري. تذكرت هذا وأنا أتصفح كتاب الشيخ المغراوي الذي قسم نخبة الأمة الإسلامية وأعلام مذاهبها ومن تصدوا لتفسير كتاب الله وقضوا في سبيل ذلك اعمارا وكانوا هداة في أقوامهم الذين اهتدوا بما يبينوه ووضحوا من الأحكام في كتاب الله وسنة رسوله . يقول الزعيم علال وهو يتحدث عن الشيخ الجزائري وكتابه مقارنا اياه باحد الجاحدين. وهذا رجل من نوع آخر انه واعظ بالمسجد النبوي الشريف ومدرس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ومعنى ذلك أنه سنى متمسك بمبادئ الدين الحنيف والدين الحنيف معروف بتسامحه، وباتساع صدره لما يقع من اختلاف في الأحكام أو في تأويل آيات القرآن الكريم حتى قال النبي ص: اختلاف أمتي رحمه _وحتى بعض التأويلات التي وقعت في أسس العقيدة الإسلامية نظر إليها الصحابة والسلف الصالح بنظرة تحملها على أحسن المحامل ولا تتعجل الحكم على أصحابها بحكم أو فسوق. وبعد ان استعرض الزعيم علال ما يعتبره الشيخ الجزائري عقيدة سلفية لا يقبل غيرها في دولة الخلافة التي ينشدها وما يترتبه عليها من جزاء يقول الزعيم علال الفاسي :"انني من الذين يعتبرون عقيدة السلف الصالح افضل ما يعتقده المسلم.ولكن هل في عقائد المسلمين ما يخالف عقيدة السلف في اصولها العامة من توحيد الله والايمان بنبوة الرسول والبعث والنشور الخ.ان كل ما هنالك اختلافات ادى اليها البحث في الطرق الموصلة لاثبات الوحدانية في الذات والصفات والافعال،وان احدا من السلف الصالح لم يسمح لنفسه قط ان يكفر صاحب نظرية من نظريات المسلمين الذين يسميهم بالخلف والذين نشأ من اجلهم علم الكلام،فلا الطوائف السنية ولا الاعتزالية ولا الشيعية بممكن اعتبارهم غير مسلمين. ان ما ذكره الزعيم علال في شأن العقيدة السلفية وكون عقائد المسلمين لاتخرج عنها هو ما سار عليه اعلام العقيدة والفكر في العالم الاسلامي ولا مصلحة للمسلمين في اثارة هذه الخلافات التي لا تنبني عليها ثمرة عملية فالمسلمون في حاجة الى عمل جاد لصد هجمات الاعداء وخصومهم وحبذا لو ان السادة اعضاء المجلس العلمي الاعلى سلكوا مسلك الحوار والنقاش الجاد والمثمر في القضايا الخلافية حتى تتوحد الكلمة ويصلح كل واحد ما يرى ضرورة اصلاحه من الاخطاء اذا كانت.فالحوار في علاج القضايا الكبرى كان هو المنهج الذي سلكه اولوا الامر والعلماء في تاريخ الفكر الاسلامي.