محمد السوسي انشغل الرأي العام الوطني هذه الأيام بموضوع العلاقات المغربية الإيرانية والتطورات التي حصلت بين الدولتين وأدت إلى قطع العلاقات بينهما، والرأي العام المغربي حساس في موضوع السيادة الوطنية وهيبة الدولة المغربية واحترامها ولذلك كان متعطشا إلى الاطلاع على خلفيات التطورات التي حصلت، وقد كان بالإمكان أن يمر الموضوع دون هذه الضجة ويترك الأمر للمسؤولين لمباشرته وهم أدرى بالأساليب والطرق التي تتم بها معالجة مثل هذه القضايا التي تحدث بين الدول والحكومات، ولكن الذي زاد من تتبيع الرأي العام وتشوقه للمزيد من الأخبار والمعلومات في الموضوع هو ربط هذه التطورات بجانب يحظى بحساسية أكثر لدى الرأي العام المغربي وهو مدى محاولة إيران أو الأجهزة التابعة لسفارتها التشويش على المذهبية المغربية ووحدة المذهب التي يتمتع بها المغرب منذ قرون، ولذلك فإن حديث الجمعة باعتباره يعنى من بين ما يعنى به قضايا الإسلام والمسلمين في العالم، كما يعنى بدعم وتقوية الوحدة المذهبية للمغرب، ويجب التذكير في هذا الصدد بحوالي عشرين مقالة كتبتها في العلم حول الوحدة المذهبية، لأن كل ما كانت الوحدة المذهبية قوية وسليمة ومتماسكة كان المغرب أقدر على دعم وحدة الأمة الإسلامية المنشودة، والدفاع عن القضايا الإسلامية من مركز القوة والوحدة. وموضوع الدفاع عن الوحدة المذهبية موضوع شائك ويتطلب الحذر ودراسة الموضوع من جوانب متعددة وعدم الانزلاق مع الواقع السياسي الذي يتغير باستمرار فالعلاقات بين الدول والحكومات تخضع للمصالح أكثر مما تخضع للمذاهب والإيديولوجيات والأفكار. والدليل ان كان الأمر يحتاج إلى دليل هو البيان الصادر عن وزير الخارجية البحريني ووزير خارجية إيران عقب محادثات بينهما في طهران إثر التصريح الإيراني الذي كان سبب منشأ الأزمة فالدولتان تجاوزتا الحدث واعتبرتاه من الماضي ولذلك فإن الذي يتتبع ما يقدم في الندوات واللقاءات التي يعقدها صحافيون في وسائل الإعلام مع بعض السادة العلماء يلاحظ ان هؤلاء ذهبوا في الموضوع ربما أكثر مما كان ينبغي، فالعلماء وهم يتسابقون للدفاع عن الوحدة المذهبية اندفعوا إلى الطرف الآخر الذي كان وإلى حد الآن في نظر العلماء أيضا أخطر نظرا لما يواكبه من تصرفات وأعمال ألا وهو الاتجاه إلى الاستدلال بآراء الشيخ ابن تيمية رحمه الله، ولعل السادة العلماء لا يزالون على موقفهم من الشيخ المغراوي وفتواه التي كان من وراء الموقف حولها ما كتبه ويكتبه حول العقيدة الاشعرية وهي مذهب أهل المغرب كما يشيد بذلك السادة العلماء، في حين نجد الشيخ المغراوي له موقف من الاشعرية في كتبه وخاصة ما كتبه في كتابه المعنون »المفسرون بين التأويل والإثبات في آيات الصفات« حيث انتصر بشكل قوي لأقوال الشيخ ابن تيمية وتوجه بالنقد المبالغ فيه لشيوخ الأشاعرة وما ورد في تفاسيرهم واتخذ لذلك المفسر القرطبي المالكي نموذجا لنقده الشديد وتبديعه لهؤلاء وجعلهم اقرب ما يكونون إلى النفاة في موضوع الصفات. والذي يؤكد هذا هو ان الشيخ سيد طنطاوي شيخ الأزهر اتخذ نفس الموقف في تزويج الصغيرة في تصريح لصحيفة مغربية وكذلك مفتي المملكة العربية السعودية الذي أجاز تزويج بنت التاسعة أو العشر سنوات بشروط مما يدفع إلى الظن ان أساس المشكل كما جاء في البلاغ الصادر حينها من طرف المجلس العلمي الأعلى هو التشويش على ثوابت الأمة من طرف الشيخ المغراوي والراجح ان الأمر كما قلت يتعلق بالعقيدة الاشعرية. والغريب فيما تبثه القنوات المغربية هذه الأيام هو التركيز على الاستدلال برأي ابن تيمية في تحديد أهل السنة والجماعة فيما كتبه في كتابه (منهاج السنة) وغيره مع العلم انه إذا احترم ابن تيمية الإمام مالك وعده من أعلام السنة والجماعة فليس له نفس الرأي بالنسبة للاشاعرة إذ له منهم موقف آخر ولذلك حبذا لو أن السادة العلماء الذين يتصدون لتوجيه الرأي العام اخذوا من الحيطة ما ينبغي حتى لا يكون موقفهم متناقضا ومتأرجحا تارة هكذا وتارة هكذا ما داموا يسايرون المواقف السياسية المتغيرة والمتأرجحة بين رأي وموقف ونقيضهما. ولاسيما وموقف المسؤولين السياسيين في كل البلاد الإسلامية من المذهبية شيعة وغيرها موقف يخضع لتأرجح للمواقف السياسية أكثر مما يخضع للموقف المبدأي الشرعي الذي يرى في بعض ما ينسب إلى هذا المذهب أو ذاك بدعا ومنكرا لا ينبغي السكوت عنهما، وهناك شواهد على هذا بل ان بعض العلماء أنفسهم تتأرجح مواقفهم في هذا الباب وليس بعيدا عنا الموقف الذي اتخذه الدكتور يوسف القرضاوي من الشيعة وهو الذي ما فتئ يدعو إلى الوسطية والى التقريب بين المذاهب الإسلامية، بل التقريب والتفاهم بين أرباب الأديان السماوية مما عرضه لانتقاد لاذغ من طرف بعض الناس وصل إلى حد التفكير، والتبديع مثل ما كتب احدهم في كتاب أصدره بعنوان (رفع اللثام عما خالف القرضاوي فيه شريعة الإسلام) وهكذا نلاحظ أن تغيير المواقف لأسباب ظرفية وطارئة ينال من هيبة العلماء ومكانتهم وأهليتهم للتوجيه والإرشاد إذ لاشك ان تبرير موقف الشيخ القرضاوي بانتقال ابنه واختياره للمذهب الجعفري كان وراء موقفه ذاك كما روج بعض الناس لذلك. وإذا تركنا موقف الشيخ القرضاوي ورجعنا إلى بلدنا فإننا نجد أنه لم يمض وقت طويل عندما قامت. الجهات المسؤولة بتنظيم ندوة علمية فكرية في التقريب بين المذاهب الإسلامية وحضرته طائفة مهمة من علماء الإسلام من مختلف المذاهب وهو موضوع مهم وينبغي ان يركن العلماء إليه باستمرار لأنه هو الذي يمثل التوجه السليم في ضمان الوحدة الإسلامية وتقريب الشقة بين المسلمين، وليس بعيدا عنا تلك الأيام التي كان يسهم فيها في الدروس الحسنية احد أعلام الشيعة ووجه من وجوه الحوار بين أعيان تلك الطائفة في القرن العشرين والشخصية التي أشير إليها والبارزة في المذهب الجعفري هو رئيس (المجلس الإسلامي الشيعي) في لبنان والمؤسس له »موسى الصدر« الذي كان يحضر هذه الدروس وساهم فيها بما عرف عنه من تفتح وقوة الحجة ونصاعة الأسلوب وكان الشبه من حيث ملامح الصورة بينه وبين الدكتور صبحي الصالح يشكل ثنائية لبنانية عربية إسلامية في الدروس الحسنية في وقت من الأوقات وهذا كله يعني أن المواقف السياسية الظرفية ينبغي أن لا تكون هي المحركة لمواقف السادة العلماء لأن وجهة نظرهم ينبغي أن تنصب على السياسة العامة أكثر من السياسية العملية التي سرعان ما تتقلب حسب تقلب مصالح الدول.تنقلب. وليست البرهنة على الوفاء للمذهب والإخلاص له هو التبني لمواقف الرسمية من الوجهة الدينية من غير روية والتزام النصيحة حتى نحفظ لقدسية الرأي الشرعي مكانها إزاء المواقف السياسية الرسمية وليس من الوجهة السياسية وسنأخذ هنا مثالين اثنين من لدن عالمين فاضلين مجاهدين يعترف لهما الجميع بالفضل والعلم والوطنية واتخذ كلاهما موقفا رغم ان المسؤولين كان لهم موقف آخر ولما بدأ بمثال العلامة المرحوم سيدي الجواد الصقلي رحمه الله وهو كما يعرف الجميع او ينبغي أن يعرف من لا يعرف كان أحد العلماء الإجلاء الأوفياء والمخلصين للمذهب ووحدته وللفقه المالكي إخلاصا عز نظيره، كما كان مخلصا لوطنه وللعرش إخلاصا يضرب به المثل، إذ كان وفيا مع قلة وغرابة الوفاء وكان رئيس المجلس العلمي وعميد كلية الشريعة وإستناذا بدار الحديث الحسنية، لقد كان رحمه الله عندما يقتنع بشيء لا يقبل التنازل أو المساومة حوله وباعتباره رئيس للمجلس العلمي وعميد كلية الشريعة بفاس فقد طلب منه أن يستقبل احد علماء إيران أثناء زيارته للمغرب وهو عميد كلية (المعقول والمنقول) بالجامعة الإيرانيةبطهران في الستينيات من القرن الماضي وذلك بواسطة وزارة الثقافة المكلفة آنذاك بالتعليم الأصيل فاعتذر، ولكن الإدارة أصرت على لسان عامل إقليمفاس آنذاك وأصر سيدي الجواد على عدم استقباله ولو لكأس شاي وعندما ذهب العامل صحبة الضيف ومرافقيه وجدوا منزل الفقيه مغلقا. فاتخذت الإدارة موقفا جزريا من العالم ومن صلابة موقفه فتم عزله من عمادة كلية الشريعة ولم يعبأ لذلك بل أكد إصراره ووضع السيارة رهن من يشتريها لأنه استغنى عنها فهو سيبقى ملازما لبيته وليس في حاجة للسيارة وقد قاد الزعيم علال الفاسي رحمه الله حملة ضد قرار العزل لأن الرجل من حقه أن يستقبل من يريد في بيته ولا يحب إلزامه باستقبال من لا يريد. وكما قلنا فإنه من نافلة القول التأكيد على دور المرحوم الأستاذ علال الفاسي في الدفاع عن الوحدة المذهبية للمغرب وقد خاض من أجل هذه الوحدة معارك فكرية وسياسية يعرفها كل من خبر تطور الحياة الفكرية والفقهية للمغرب خلال القرن الماضي، واذكر هنا المعركة التي قادها في مواجهة البهائية في سنة 1962 والتي كان يدافع عنها احد المتنفذين في الدولة المغربية آنذاك (احمد رضا كديرة). وواصل دفاعه عن المذهب المالكي والإمام مالك بالذات وكتب كتابا حول نضالية الإمام مالك وأكد فيه أنه ما قرأ ترجمة الإمام مالك إلا اغرورقت عيناه بالدموع وبكى إلى هذا الحد كان الرجل يجب مالكا ويدافع عن مذهبه ولكنه لم يمنعه هذا من المساهمة في الندوات العلمية والقاء الدروس في الجامعات والكليات الشيعية فهو قد تولى رآسة المؤتمر الذي انعقد بإيران حول شيخ الشيعة الاثني عشرية الطوسي وألقى محاضرة حول آرائه الكلامية مما جاء في مقدمة هذه المحاضرة. »ان في حضورنا نحن ممثلي الجامعات الإسلامية السنية لدليلا قاطعا على تقديرنا لرجالكم واعتبارنا لهم... ودليلا كذلك على توافي رغبتنا في بعث روح الأخوة الإسلامية التي نادى بها النبي صلى الله عليه وسلم وضحى في سبيلها علي كرم الله وجهه وذريته الصادقون عليهم السلام وإذا كان في الظروف التاريخية ما يبرر مع الأسف الاختلافات التي وقعت بين المسلمين فإن العصر الذي نعيش فيه يدعونا إلى الوحدة وتناسبي كل ما من شأنه أن يسيء لقضية الإسلام ويعوق العمل المشترك في سبيل النهوض ورفع اسم الإسلام عاليا بين الأنام«. ان هذه الدعوة التي وجهها الأستاذ علال الفاسي منذ ما زيد على ثلاثة عقود لا تزال قائمة ولعل أول ما يجب على الحكومات الإسلامية هو التعاون على الخير والإقلاع عن التدخل في أمور الشؤون الداخلية أو المذهبية لأي دولة من الدول حرصا على الوحدة والتعاون المطلوبين بين المسلمين. وبعد فإني اعتقد ان السادة العلماء لديهم رسالة ويتحملون أمانة وهذه الرسالة وتلك الأمانة هي الدفاع عن الإسلام وشريعته وتوضيح ما أشكل على الناس أو عز عليهم فهمه، وهذا أمر عظيم ومنفعته أعظم وأكبر لحماية المذهب وحماية الوحدة المطلوبة ويبدأ هذا في توجيه الناس في المساجد والمدارس والجامعات، والقيام بالكتابة والنشر فإن الكلمة والفكرة اليوم لا تتم الحيلولة بينها وبين الناس بمصادرة الكتاب أو منع الصحيفة أو الدورية أو المجلة لأن الناس اليوم يتيسر لهم الاطلاع على ما يريدون من خلال الوسائل التقنية الحديثة. ونحن أمام مقالات وكتب يروم أصحابها النيل من القرءان وقدسيته، ومع ذلك فإن العلماء ومجالسهم ولا أتحدث على الأفراد لم يسمع لهم الناس ردا في الموضوع ولا توضيحا يقرأ و يطلع عليه الناس وحماية القرآن وشريعته يبدأ من حماية اللغة العربية فاللغة العربية في بلادنا لم تعد لغة رسمية ولا حتى وطنية واعني اللغة الفصحى، فهي مطاردة في الإدارة مطاردة في الحياة العامة مقصية من التعليم العالي والبرامج التلفزية جلها بالفرنسية وتصريحات المسؤولين والشروح التي تقدم للمشاريع من لدن المسؤولين مكتوبة بحرف لا تيني ويتم توضيحها بلغة غير عربية، وكان الدستور عندنا دستوران احدهما يجب احترامه وإلا تعرض من يخرقه للمحاكمة والآخر مباح ومستباح وفي مقدمة ما هو مباح ومستباح ولا يجب احترام البند المتعلق بكون اللغة العربية لغة رسمية للبلاد. وإذا كانت اللغة العربية مما يجب العناية به فإن ما يتعرض له العالم الإسلامي ومن بينه المغرب من غارات تبشيرية تستوجب الاهتمام الأكبر بما يهدد ليس الوحدة المذهبية لبلادنا فقط ولكن الوحدة الدينية، حيث نحن مهددون بوجود أقلية غير إسلامية وغير يهودية وهو أمر بالغ الخطورة على مستقبل المغرب الموحد دينيا ومذهبيا ولعلنا نتناول الموضوع في حديث لاحق.