أو أن نجد من يفرغ السياسة والديموقراطية والعدالة من كل ما اكتسبه الانسان عبر قرون وقرون ليملأه بمغالطات وترهات هي أقرب الى الاستعباد والتضليل الى أي شيء آخر ... إن الإشكال أصبح هو : كيف يمكن لنا جميعا أن نميز بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون ؟ بين من يتكلم بصدق وبين من ينتحل الصفات للإيقاع بالناس وجرهم الى مستنقعات كلما أرادوا الخروج منها زادوهم إغراقا و... إن نظرة تأمل متأنية رصينة إلى بيوتنا وذواتنا ومؤسساتنا وعلاقاتنا العامة وخطبنا وممارساتنا، ستُظهر لنا ضعف وهزالة ما ينتج ويعلم للناس والخطورة اللامحدودة العواقب الناجمة عن ذلك في علاقة بأمور الدنيا المادية والروحية والفكرية والانسانية ... فماهي حقيقة معرفتنا وتعلمنا ؟ وما الغاية من تربية وتعليم الشعب كل ما يتعارض أو يتناقض مع الاخلاق السياسية الرشيدة ، حيث تتقوى مدارس الانتهازية والريع السياسي وشراء الذمم والانحراف الفكري ....بتوظيف لئيم للمعتقدات النيرة بهدف التغطية على الاختيارات السياسوية التي تسعى لتأسيس ديكتاتوريات جديدة برداء يصبغ ظاهره بالديموقراطية من أجل تطويع الإنسان، والتحكم في العقول والتوجهات والأنفس ..بهدف تدجين وإخضاع الناس للحكومات بوسائل يحذر منها الشرع والعقل ...؟ ...وما هي حقيقة الأولوية عند من يحكمون اليوم ...هل محاربة الجهل والأمية ونشر العلم والمعرفة وتشجيع البحث العلمي التنويري ؟ أم اعتماد حلول وإجراءات شكلية ترقيعية ذات نفس انتخابوي محدود المنفعة والأفق ..؟ وكيف ستتحقق النهضة لشعب نسبة الأمية -المتنوعة الاشكال والمضامين - فيه مرتفعة ..؟ وكيف سننافس من سبقنا اليوم بالعلوم والديموقراطية والتحكم في مفاصل وتفاصيل النظام العالمي ..؟ هل بتنفير الناس من المشاركة في الشؤون العامة وتعمد الإبقاء على قدراتهم المعرفية والثقافية محدودة وضعيفة ..؟ والى أين تسير أمور "المعرفة " التي تعلم ويروج لها في العوالم العامة والخاصة ؟ وهل نجحت الدولة في إخراج التعليم ومنظومته من الحلقة المفرغة التي مست بدوره الجوهري في التنمية وبناء أمة العلم والمعرفة ...؟ إن المتتبع للأمور العامة ومسارات تدبير مصالح الناس يطرح أسئلة مدخلها هو أي شعب نبني ؟ ووفق أية منظومة وأي مستوى معرفي ..؟ وللتحديد أكثر هل نريد شعبا يساق ويقاد ويخدم أجندات تتناوب على إدارة أموره نيابة عنه دون الأخذ برأيه ؟ أم نريده شعبا يمتلك زمام العقل والمعرفة والارادة والكرامة وحرية الاختيار المرتكز على روح المسؤولية ؟ ... إن المشهد السياسي متناقض واقعه مع النصوص القانونية والشرعية .. متضارب مع العديد من مصالح الشعب وقواه الحية سيؤدي إن عاجلا أو آجلا الى التردي والانحطاط والتجهيل، والميوعة وتنفير الشعب من كل عمليات البناء الصادقة ...وسيؤدي الى الشك في كل شيء وزعزعة النيات الصافية والفطرية ...إنه يجعل كل ذوي الضمائر الحية يتساءلون : لماذا تسير وتدفع أمور العلم والمعرفة بشكل ممنهج نحو زرع عدم الاهتمام بالسياسة والشؤون العامة وجعل ذلك من الذكاء والفطنة ..؟..ومن المستفيد من تخلفنا وجهلنا ونفورنا من المسؤوليات، تدبيرا ومراقبة وتقويما ...؟ قال ابن حزم :"لو لم يكن من فضل العلم إلا أن الجهَّال يهابونك ويجلُّونك، وأن العلماء يحبونك ويُكرِمونك، لكان ذلك سببًا إلى وجوب طلبه، فكيف بسائر فضائله في الدنيا والآخرة؟! ولو لم يكن من نقص الجهل إلا أن صاحبه يحسد العلماء، ويغبط نظراءه من الجهال، لكان ذلك سببًا إلى وجوب الفرار عنه، فكيف بسائر رذائله في الدنيا والآخرة؟!" وقال لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (يا بني، جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك، فإن الله سبحانه يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض بوابل السماء). ونختم بأن عين العقل الشرع في هذا الباب قوله تعالى : "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب" سورة الزمر . ونحن نريد أن تكون أمتنا أمة علم ومعرفة ومنطق وإرادة حرة ، لأن ديننا بهذا أمر وليس ما يقول البعض ويأمر.