في البدايات الأولى لحكومة بنكيران، عاش المغرب وضعية غريبة، تتعلق بتصرفات وزراء العدالة والتنمية، حيث حاولوا الظهور بمظهر الأشخاص المتواضعين، الذين لا تغيرهم السلطة. هكذا حرصوا على ترويج صور وزراء من هذا الحزب، وهم يقتعدون الرصيف، وآخرون يتناولون البيصارة، بينما استبدل بعضهم السيارات الفارهة للوزارة، بركوب القطار، ومنهم من فرض على أعضاء ديوانه وعلى الأطر العليا في وزارته استعمال نفس وسيلة النقل، كما قالوا إنهم متشبثون بمساكنهم الأصلية، وإن كانوا لم يحددوا هل استغنوا عن التعويضات المخصصة لسكن الوزراء . واعتبرنا المسألة مجرد تعبير عن إرادة في التميز عن الحكومات السابقة، بينما قرأ فيها البعض الآخر شعبوية رخيصة وديماغوجية، سرعان ما ستنهار مع الزمن. ولم يتأخر حدس هذا الطرف المتشكك في سلوكات وزراء حزب العدالة والتنمية. فقد تخلوا بسرعة عن القطار وعن الجلوس على الرصيف أو أكل البيصارة. واستبدلوا ذلك بالسيارات الفارهة، وبالدرجة الأولى في الطائرات، وببناء وشراء فيلات محترمة. الأمور عادية لحد الآن، «فلكل داخل دهشة»، و من الطبيعي أن تتحول صورة وزير يأكل البيصارة، في مطعم شعبي، إلى مجرد «كارت بوستال». إكراهات الوزارة تفرض على من يتولى هذه المسؤولية فهم أن ما وفرته له الدولة ضروري لشروط الأمن والقدرة على القيام بالمهمات، إذ لابد من سيارة بسائق لتوفير الحد الأدنى من الأمان وحتى لا يتأخر الوزير عن المواعيد، ويلتقي مخاطبيه وهو أنيق، ويواصل دراسة الملفات وهو راكب سيارة الوزارة، ويحظى بظروف جيدة للعمل، وأيضا بواجب التحفظ. يحصل هذا في جميع البلدان، ولا يتعلق الأمر بتواضع أو شعبوية، بل بالنجاعة والقدرة على العمل الجدي وتحقيق الأهداف والبرامج المرسومة. ويبدو أن وزراء العدالة والتنمية فهموا الدرس، بل بالغوا في فهمه، إذ منهم من أصبح باذخا. ما ينتظره الشعب ليس هو التخفي وراء مظاهر الدروشة من طرف هؤلاء الوزراء، والتي أخذت تتقلص تدريجيا، إلى أن تبخرت، بل معالجة المشاكل الحقيقية بكفاءة، والسهر على تنفيذ البرامج والمشاريع، وهي المهمات التي حصل فيها ارتباك وضعف وعجز، والتي لن تنفع فيها الشعبوية.