تصرفات الوزير دلالة على انشغالاته الحقيقية. يقول المغاربة فيما ورثوه من أمثال شعبية حكيمة "النهار المزيان من صباحو كيبان". فمنذ اليوم الأول لتنصيب حكومة بنكيران ظهر وزراء العدالة والتنمية بمظهر مخالف يحيل على طبيعة انشغالاتهم الحقيقية. فالوزير لما يتولى منصب الوزارة يفصح عن العناوين الكبرى لبرنامجه والحدود الزمنية للتنفيذ، بينما وزراء العدالة والتنمية ومنذ اليوم الأول شرعوا في تشخيص مسرحيات من قبيل الوزير الذي يمشي في الأسواق ويختار بنفسه نوع الجزر واللفت، والوزير الذي يركب أرخص سيارة في الرباط، ولكن يركب السيارة الرفيعة في مدينته، والوزير الذي يأكل البيصارة، والوزير الذي يركب القطار ويستعمل المصعد بالاشتراك مع الموظفين. وعند حدود الأدوار التمثيلية وقف تفكير وزراء الحكومة الملتحية أو الجزء الملتحي منها، ووقفت حركة التدبير الاستراتيجي. وبعد أكثر من سنة من الاشتغال بدت واضحة انشغالات وزراء العدالة والتنمية. فوزير التعليم العالي مهتم بجلب جامعات أجنبية للمغرب لأن ذلك سيكون له مردودية كبيرة وسيفتح الاستثمارات، ولا نعرف العلاقة بينهما، ومهتم بمحاربة الأشباح بإفريقيا خوفا من انتشار مذاهب أخرى. عجيب أمر هذا الوزير الذي ترك كل انشغالات التعليم العالي التي لا تنتهي وذهب يحل مشاكل الخارج. ما هي رؤية الوزير لحل مشاكل التعليم العالي؟ ما هي خطته لإخراج الجامعة من مأزقها؟ أين خطابهم عن الإصلاح الجامعي يوم كانوا في المعارضة؟ هل لديه تصور لعلاقة التعليم بسوق الشغل؟ أي خريج يريده لمغرب الألفية الثالثة؟ وزير آخر مكلف بصورة المغرب أي الإعلام، كل همه هو تكوين اللجنة تلو اللجنة، كل يوم يكون لجنة وينصبها ويأخذ صورا مع أعضائها، وينتهي الموضوع هنا، ويغلق الباب، وكم لجنة أحصاها في منجزاته السنوية لم تجتمع ليتعارف أعضاؤها. بينما القطاع يعرف تطورا كبيرا ومع هذا التطور ظهرت المشاكل بشكل كثيف، لكن سيادة الوزير ليس مهموما بانشغالات القطاع، ويتحرك خارج دائرة اهتمامات الوزارة التي يرأسها. وكمثال على ذلك، جمع عشرات المشتغلين بالمواقع الإلكترونية والمدونين في يوم دراسي كلف الوزارة العديد من السندوتشات، وانتهى بتوصيات "أهل القبور"، حيث يقول المغاربة "يرجع أبوك من القبر وهذا الأمر لن يتم"، ولحد الآن ليس في تفكير الوزارة شيء اسمه الطفرة الإعلامية الإلكترونية وهذا التوسع المرعب، نقول مرعب لأنه يتم في غياب القوانين الناظمة للحرفة. والوزير منشغل بتعيين مدير لمؤسسة ما زالت في علم الغيب. وزير آخر لم يردم الحفر في المدينة التي يترأس بلديتها، كل مشروعه في الوزارة هو نشر اللوائح التي يعرفها حتى الكورتية، ومنشغل بالدعاية لحزبه رغبة في البقاء وزيرا طوال مدة ترؤس حزبه للحكومة. هذه انشغالات وزراء العدالة والتنمية، التي لا يربطها بانشغالات المواطنين أي رابط. فالحكومة في واد والشعب في واد. والثقة التي يتحدث عنها بنكيران مجرد وهم.