«المجاهد الكبير سيدي بوبكر القادري وقادة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير الأخ الفاضل الأمين العام لحزب الاستقلال الأخ الفاضل الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية ممثلو الاحزاب الوطنية الأخوات والإخوة قادة ومناضلي احزاب الكتلة الديمقراطية نجتمع اليوم للاحتفال بذكرى من الذكريات المجيدة في التاريخ النضالي للشعب المغربي، ذكرى عريضة المطالبة بالاستقلال يوم 11 يناير 1944 من طرف ثلة من المجاهدين والوطنيين الذين قرروا بعزيمة وايمان صادقين، وثقة في تحقيق النصر، تقديم عريضة المطالبة بالاستقلال، والتي شكلت منطلقا لعمل وطني نضالي انخرطت فيه كافة مكونات الأمة بقيادة رموز الحركة الوطنية، وفي تلاحم تام مع جلالة المغفور له بطل التحرير الملك محمد الخامس طيب الله ثراه، حيث توج هذا الكفاح بعودة ملك البلاد الى وطنه وحصول المغرب على استقلاله. لم يكن هذا الانتصار سهل المنال,و لا كان له ان يتحقق إلا بفضل تضحيات جسام، تحمل خلالها الشعب المغربي الصامد والمقاوم، كل انواع التعسف والتنكيل، كما تحملت الاسرة الملكية معه أهوال النفي بنفس العزة والصمود والكفاح والتضحية. وإن الكتلة الديمقراطية وهي تخلد ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال وتكريم قادة ومناضلي الحركة الوطنية، لتتوخى استحضار الصفحات المشرقة لهذه الملحمة الخالدة، وما تنطوي عيله من قيم و دروس لتنوير اجيال الوطن الصاعدة بغنى تاريخنا المجيد قصد التشبع بمعانيه ودلالاته. إن الاحتفال اليوم بهذه الذكرى المجيدة يشكل أيضا مناسبة لاستحضار القيم والمبادئ التي و جهت جيلا من الوطنيين الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل استقلال وتحرر المغرب، متحدين ضد كل اشكال القمع والبطش والتضييق بإيمان قوي بعدالة قضيتهم، متفانين في خدمة وطنهم، حافزهم الوحيد هو العمل من أجل تحرر المغرب وكرامة المغاربة حضرات السيدات والسادة إن التشبث بتلك القيم والمبادئ التي شكلت مرجع الوطنيين في معركة المطالبة بالاستقلال، اي قيم التفاني والاخلاص في خدمة الوطن، واعتبار منطلق و غاية العمل السياسي هي خدمة مصلحة البلاد، والعمل من أجل تقدمها وضمان كرامة المغاربة وحقوقهم الاساسية، ان تلك القيم التي مكنت من ربح معركة الجهاد الأصغر كما سماها المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه، هي التي ظلت حاضرة ايضا فيما بعد في معركة الجهاد الاكبر من أجل بناء دولة الاستقلال، وتشييد دولة الحق والقانون، والنضال من أجل ترسيخ الديمقراطية وضمان حقوق الانسان، والعدالة الاجتماعية، وتحقيق نهضة شاملة في كافة الميادين والمجالات. واذا كانت بلادنا قد حققت انجازات ومكتسبات ملحوظة منذ استرجاعها لسيادتها واستقلالها، في ميدان الديمقراطية وبناء دولة المؤسسات وتوسيع الحريات الفردية والجماعية، وتطوير البنيات التحتية، وبناء اقتصاد عصري منتج للثروات، فإن تحديات وانتظارات مغرب اليوم تقتضي منا الآن استحضار روح 11 يناير 1944، ومبادىء وقيم تلك القفزة النوعية النضالية الشجاعة في التحام مع جلالة الملك محمد السادس نصره الله من أجل تثبيت وصيانة وحدتنا الترابية ومجابهة مختلف المؤامرات التي تحاك ضدها، دفاعا عن الكيان الوطني وسيادة المغرب واستقلاله، بموازاة مع استمرار الجهاد الاكبر من أجل مواصلة التأهيل السياسي والاقتصادي والاجتماعي وترسيخ مبادىء المواطنة الملتزمة تجاوبا مع طموحات شعبنا وانتظارات مواطنينا ومواطناتنا وتطلعاتهم، وتسريع وتيرة الانتقال الديمقراطي، وتعزيز مكانة المغرب كقطب جهوي وفاعل دولي وتقوية إشعاعه الحضاري كبلد متشبث للسلام والقيم الانسانية المثلى. حضرات السيدات والسادة، إننا في الوقت الذي نعبر فيه عن قلقنا الشديد مما جرى ويجري في البلدين الشقيقين، الجزائر وتونس، على إثر ما شهدناه من تحركات اجتماعية احتجاجية نلح من جانبنا على ضرورة التعجيل بإحياء ديناميكية الاتحاد المغاربي بإرادة جماعية وحدوية صادقة ولا لبس فيها. كما نلح على أن التمسك بالمشروع المغاربي وفي ارتباط دائم وعضوي مع إنماء البناء الديمقراطي الوطني، سيظلان هما الإطار الامثل، والطريق الاصوب، لكسب رهانات العولمة، وتحاشي مفاعيلها السلبية على أقطارنا المنفردة، والانخراط الناجع في التحولات التي تعرفها الحكامة الاقتصادية بالعالم. كما سيظلان هما الاطار الانسب اللذان يلبيان طموحات جماهيرنا الشعبية المغاربية في الرقي الاجتماعي والحضاري وفي انجاز الاستقرار المنشود. حضرات السيدات والسادة، لقد تضمنت وثيقة المطالبة بالاستقلال، كما تعلمون إشارة دالة لما كانت تراه القوى الحية الوطنية، في وقتها، للمغرب المستقبل، في أن يكون بلدا ديمقراطيا، يتمتع نظامه السياسي بكافة الحريات والمؤسسات الضامنة لذلك. لم يكن إذن كفاح مناضلات ومناضلي الحركة الوطنية ضد الاستعمار معزولا أو مفصولا عن نضالها من أجل الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف تشكلت الكتلة الوطنية، ثم الكتلة الديمقراطية، كامتداد طبيعي للحركة الوطنية ورافد من روافدها التاريخية. ويجمع كل الذين شاركوا أو عاشوا هذه التطورات، أن كل ما عرفه المغرب من مكاسب ديمقراطية فاصلة، ولاسيما في العقدين الأخيرين، يعود الفضل فيه بوجه خاص إلى الدور النضالي الكبير الذي اضطلعت به الكتلة الديمقراطية, سواء في ميدان الحريات العامة أو في الميادين السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى. وإذا كانت جملة من المكاسب قد تم إنجازها وفقا للرؤية التي خطتها الكتلة الديمقراطية في نشأتها، فإن التطورات الحاصلة التي عرفتها التجربة المغربية، وكذا التحولات العميقة التي شهدها العالم خلال هذه المرحلة، ستفرض علينا بالضرورة تحديد آفاق جديدة للدور الذي ينبغي للكتلة الديمقراطية أن تقوم به للرقي بما تحقق، ولتقويم ما أظهرته التجربة نفسها من اختلالات أو أخطاء، ولمطابقة تصورات الكتلة مع المطامح المستجدة للشعب المغربي ولأجياله الصاعدة، وبما يواكب وينسجم مع هموم الشعب المغربي وانشغالاته اليومية والملحة، ومما يطرح علينا مسؤوليات وتحديات كبرى، نرى أنه آن الأوان لمجابهتها بعمق وبكل جرأة ومسؤولية. إننا، أيها السادة والسيدات، أمام هول وخطورة تبدد الثقة في العمل السياسي لدى جماهير واسعة، ولأسباب عديدة ومختلفة لا مجال هنا لتفصيلها، لا مناص في أن يكون لنا، الدور الأكبر في استنهاض هذه الثقة بما يتطلبه ذلك من توضيح للرؤية وللآفاق بما من شأنه رفع مستوى التفاؤل وتعزيز الثقة في المستقبل. إنه نداء اليوم الذي تطرحه علينا هذه الذكرى من جديد. حضرات السيدات والسادة، إن ثراء الرصيد النضالي للشعب المغربي عبر تاريخه العريق في مجابهة مختلف المؤامرات، والمحافظة على استقلاله، إذا كان يجعلنا اليوم نعتز ونفتخر بعطاءات المناضلين والمناضلات الذين قدموا أروع أشكال الدروس في التضحية والإخلاص لوطنهم، فإن الوفاء لهذا التاريخ، وربط الماضي المشرق بالمستقبل الواعد، يتطلب منا اليوم المزيد من التعبئة لنشر وترسيخ قيم الوطنية الصادقة، ونبذ ومحاربة مختلف مظاهر تمييع السياسة والعمل السياسي، وذلك حتى نكون في مستوى المسؤولية التاريخية المنوطة بنا اليوم من أجل مواصلة حمل مشعل العمل الوطني لخدمة مصلحة المغرب والمغاربة، ومن أجل تشييد مغرب الديمقراطية والحداثة والعدالة الاجتماعية وضمان كرامة الإنسان المغربي.»