ناقشت، مؤخرا، نائبة وكيل الملك بابتدائية وجدة، رئيسة الخلية المحلية للتكفل بالنساء والأطفال فتيحة غميظ، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص بمخبر البحث في تشريعات الأسرة والهجرة تخصص قوانين الأسرة والهجرة بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة محمد الأول بوجدة. وقد تناولت الطالبة الباحثة في أطروحتها موضوع "تطبيق مدونة الأسرة أمام القضاء الفرنسي -الطلاق الانفرادي نموذجا-"، تحت إشراف الدكتور إدريس الفاخوري أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بوجدة. وقد تكونت لجنة المناقشة من الدكتور إدريس الفاخوري رئيسا ومشرفا، وعبد الرزاق مولاي رشيد أستاذ التعليم العالي وعميد كلية الحقوق بالسويسي سابقا وعضو بالمجلس الدستوري عضوا، والحسين بلحساني أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بوجدة عضوا، ثم سفيان ادريوش رئيس المحكمة الابتدائية بالناظور أستاذ زائر بالكلية المتعددة التخصصات بالناظور عضوا. وبعد المداولة، قررت لجنة المناقشة قبول الأطروحة بميزة مشرف جدا، مع التوصية بالنشر. استندت نائبة وكيل الملك بابتدائية وجدة فتيحة غميظ، في أطروحتها التي تناولت موضوع "تطبيق مدونة الأسرة أمام القضاء الفرنسي -الطلاق الانفرادي نموذجا-"، على الاهتمام البالغ الذي حظيت به الروابط الدولية الخاصة من لدن تشريعات البلدان المستقبلة للهجرة، وكذلك المصدرة لها، بهدف تحقيق الأمن القانوني والقضائي عن طريق خلق قواعد قانونية لتنظيم تنازع القوانين. وذكرت في هذا الإطار بأن "القاضي لا يمكنه الوصول إلى الحلول الوضعية المقررة لمعالجة النزاعات الأسرية العابرة للحدود، إلا إذا كان يتوفر على قاعدة إسناد تعين بالنسبة لكل مجموعة من الروابط القانونية المتضمنة لعنصر أجنبي، القانون الواجب تطبيقه"، وهو الأمر الذي قالت إنه ليس بسيطا لأن "الأنظمة القانونية غير موحدة في جميع الدول ولاسيما عندما يكون البلدين لا ينتميان إلى نفس المرجعية، وخصوصا في ميدان العلاقات الأسرية الذي يعكس بامتياز خصوصية كل شعب". وتطرقت الباحثة في أطروحتها إلى الأحوال الشخصية للجالية المغربية في المهجر، مبرزة أنها تعتبر "ميدانا خصبا للتنازع بين أنظمة قانونية علمانية وأنظمة قانونية إسلامية"، مشيرة في هذا الصدد إلى أنه "قد يرفض القاضي الأجنبي الكثير من المؤسسات الإسلامية لاعتبارها مخالفة لنظامه العام، كما أن القاضي المغربي لا يتردد بدوره في رفض مفاهيم ومؤسسات القانون الأجنبي لاعتبارها مخالفة للنظام العام المغربي، الأمر الذي يترجم الرهان الدائر بين دولة الإقامة التي تسعى إلى استيعاب المهاجرين المغاربة وبين البلد الأصلي الذي يرغب في الحفاظ على الهوية والثقافة الأصلية لمواطنيه". اختلاف اعتبرت فتيحة غميظ بأنه أثر بشكل واضح على الحلول المقررة للمنازعات الدولية الخاصة؛ وذلك لشدة التباين بين قانون البلد الأصلي المحافظ الذي يستمد معظم مقتضياته الخاصة بالأسرة من الشريعة والفقه الإسلامي، وبين قانون بلد الإقامة ذي الطابع العلماني الذي تغلب عليه مبادئ الحرية والمساواة التامة بين الجنسين. وأبرزت أن التعارض بين هذه الأنظمة كان موضع اهتمام الفقه الذي حاول أن يبين أن العلاقات بين البلدان الإسلامية والأوربية من خلال نموذج فرنسا-المغرب، "تتميز بانتفاء المعاملة بالمثل، فالفرنسيون يتمتعون في المغرب بامتياز يحفظ لهم حالتهم العائلية، في حين أن المغاربة المقيمين في فرنسا، يصطدمون بعدم احترام أحوالهم الشخصية ومؤسساتهم العائلية، حيث يجدون أنفسهم في غالب الأحيان محكومين بمقتضى القانون الفرنسي...". ويعتبر الطلاق، حسب ما جاء في الأطروحة، إحدى أهم المواضيع التي تبرز الهوة القائمة بين النظام القانوني الأسري المغربي ونظيره الفرنسي، "فالطلاق الإسلامي هو حق للزوج وحده يوقعه بإرادته المنفردة ولا يملك القضاء سلطة رفض طلب الزوج الرامي إلى إنهاء العلاقة الزوجية، الأمر الذي يعتبره القانون والقضاء الفرنسيين مؤسسة تمييزية تتعارض مع مبدأ المساواة الواجب احترامه وضمانه للجنسين عند انحلال العلاقة الزوجية..." تقول غميض، مضيفة أن هذا الموقف أدى إلى خلق وضعية عدم الاستقرار لأفراد الجالية المغربية في المهجر. وذكرت بالظروف التي صدرت فيها مدونة الأحوال الشخصية لسنة 1957، والتي جعلتها لا تتعمق في تناول المشاكل الاجتماعية في مجال الأحوال الشخصية، كما اعتبرت التعديلات التي أدخلت سنة 1993 على هذه المدونة غير كافية، لأنها لم تستطع الإجابة عن جل الإشكالات القانونية التي تعاني منها الأسرة المغربية التي تعيش بالخارج، "إذ أن القضاء الفرنسي ظل يتعامل مع قانون الأحوال الشخصية للجالية المغربية بتجاهل كبير، مبررا ذلك بمخالفته للنظام العام تارة وباعتماده إحدى ضوابط الإسناد تارة أخرى". وأشارت أيضا إلى إصدار مدونة الأسرة والالتفاتة النوعية التي سجلتها نحو أوضاع الأسر المغربية القاطنة بالخارج، والتي تجسدت في عدة مواطن وبصيغ متنوعة هدفها هو إعادة هيكلة الحلول القانونية. وللتخفيف من حدة مشاكل ومعاناة الجالية المغربية بفرنسا التي كانت تتفاقم يوما بعد يوم بين مطرقة القانون المغربي وسندان القانون الفرنسي، ذكرت فتيحة غميض بأن المشرع المغربي، ولإيجاد منافذ لتطبيق قانونه وتحسين الوضعية القانونية للجالية المغربية المقيمة بديار المهجر، عمد إلى إبرام مجموعة من الاتفاقيات أهمها الاتفاقية المغربية الفرنسية بشأن حالة الأشخاص والأسرة والتعاون القضائي ل10غشت 1981.