مقتربا من الثمانين، يقول ماريو فارغاس لوسا للناقد تيم مارتن، ان الروايات التي يقرأها الان مجرد تسلية، وانه في شوق الى تغيير العالم عبر الرواية. في 78 من عمره، وخلفه جائزة نوبل للأدب، بدأ حاليا مهنة جديدة وهي التمثيل . ويضحك الكاتب سعيدا وهو يهز الاريكة في الشقة التي استأجرها في (نايتس بريدج) ويقول، «ان عملي في التمثيل قد انقضى ولكنها تجربة ثرية، لم احس قط بالخوف في حياتي كما حدث» ثم يضحك بصوت عالٍ. وفي حوارنا معه حول روايته الاخيرة، «البطل الكتوم» قال انها في مرحلة التوزيع، وبدأنا النقاش عن المسرح، وهو يمثل دورا في مسرحية بمدريد اوائل هذا العام هي من اعماله مقتبسة من ديكامرون لبوكاشبو. وقال فارغاس بعدئذ وهو يضحك: «اعتقد ان كل واحد منا او غالبية الناس يودون ان يكونوا اشخاصا اخرين، وان يعيشوا بهوية اخرى لوقت ما.» اما بالنسبة له، وهو الذي امضى معظم حياته في كتابة الروايات الخيالية، فان تمثيل شخصية اخرى خيالية، كانت تجربة غريبة الاطوار. ويبدو رزينا ، وعند ذلك افكر في شخصية الانسان الذي كتب تلك الروايات المختلفة. وفي روايته الاخيرة، البطل الكتوم، والتي كتب قبلها اكثر من 40 كتابا ما بين رواية، قصص، مقالات ومسرحيات ، هي جهد اعوامه الماضية. ومعظم اعماله تتناول الطبقة الوسطى الحديثة التي ظهرت في دول اميركا اللاتينية في العقدين السابقين، وفي تلك الاعمال نجد احداثا دراماتيكية : زيجات غير متجانسة ،شهوات يائسة ،خيانة العائلة، مآس شخصية والتي تمتد عبر المجتمع المعاصر في بيرو حيث يعيش الكاتب. ويقول الكاتب ان ما يكتبه رؤى شيطانية او اشباح يتخيلها، ويضيف : مرة اوقفني شخص في بريطانيا وتساءل عن احدى تلك الشخصيات وهل هو انسان ام شبح، وكان جواب الكاتب وهو يضحك «لا اعرف الامر يعتمد عليك.» واهتمامه بالكتابة جاء عبر قصة قرأها فارغاس في صحيفة يومية تصدر في مدينة في الشمال من البلاد، وكان بطل القصة يهدد المافيا المحلية، وسألته عن مصير الشخص، يهز فارغاس كتفيه قائلا: كانت نهاية الشخص هي الحقيقة الوحيدة للشخصية التي تخيلتها، وفي روايتي الاخيرة، يقف البطل متحديا رجال العصابات. وهذه الرواية تتحدث عن الحياة الاعتيادية في مدينة صغيرة، مبتعدا عن السياسة كما وجدنا في اعماله السابقة. ويقول فارغاس : «عندما كنت شابا، تأثرت جدا بسارتر وكامو ، قال سارتر ان الحروب كانت مفبركة ومن خلال الادب بامكان المرء احداث تغييرات في التاريخ»، وانا لا اعتقد حاليا ان الادب لا يقدم بعض التغييرات ولكنني اعتقد ان التأثيرات السياسية والاجتماعية هل الاقل في السيطرة عليها، مما كنت اعتقد، واعتقدت انه بالامكان توجيه تأثير الكتابة بطريقة معينة حول موضوعات معينة، والان اجد ذلك الاتجاه خاطئ تماما. ويمضي في كلامه: ولكنني لا اعتقد بعدم وجود تأثير للادب، ويبدو لي انه من المهم جدا بالنسبة لي تطوير وجهة نظر نقدية لدى القارئ ومن خلال ادب جيد وثقافة جيدة، فانه من الصعب جدا معالجة الامر ببراعة. وانك اكثر وعيا بمخاطر ما تمثله القوى. وهذه الرواية تبدو متفائلة وهي تتحدث عن غرابة الحياة وعن التقدم في السن، وجعلت فارغاس يعود الى عدد من الشخصيات لتتواصل حياتها وانا اجدها امامي وتسحرني. وفارغاس لوسا، مسحور بريغوبيرتو، وآرائه حول المنزلة المعاصرة للثقافة والتي تعكس آراءه في بعض الاحيان. ويتذكر لوسا، انه في شبابه، كان من الصعب التوجه نحو الادب او الفن، لان المرء كان آنذاك منعزلا عن العالم المألوف. وان تجرأت لتنظيم حياتك، لانك معزول عن العالم. وهذا الامر قد تغير اليوم وخاصة في المدن الكبيرة- وحتى في مدينة ليما، بامكانك ان تكون رساما او موسيقيا او شاعرا وقد يكن الامر صعبا ولكنه غير مستحيل. وعلى الرغم من كون رواية «البطل الكتوم» معاصرة وهي تدور في اماكن بعيدة عن التكنولوجيا او عالم المعلومات وفارغاس لوسا يتابع التطورات فهناك متحف مكرّس له في بلدته، يبدو فيه حيا ونابضا. ويقول لوسا ان عمل الناقد كان مهما جدا ولكننا اليوم لا نجد النقاد والروايات في هذه الايام تقرأ للاستمتاع بها مكتوبة بشكل جيد مصقولة، وملمعة. ويضيف قائلا: ان هناك مظهر مهم وهو ان الرقابة اليوم اصبحت متعذرة ومن جهة اخرى فانك تمتلك كمية هائلة من المعلومات حول كل شيء وتختفي المؤهلات تماما، ويتم وزن كل شيء بشكل متساوي، وكانت مهمة الناقد مهمّة واليوم لا يوجد نقاد وكان وجوده سابقا امرا مهما للرواية ايضا، والروايات التي تقرأ اليوم مسلية فقط، ملمّعة بشكل مؤثر ولكنها ليست ادبا بل تسلية. ويضيف ايضا: ان تلك الرواية مصنوعة بشكل جيد ولكنها لا تبقى في الذاكرة ولا تؤثر في الاوضاع السياسية وان الثورة الرقمية تنتج ايضا نوعا من الفوضى. وهو ايضا يتواصل مع الحياة والعالم ويقرأ الصحف، ويكتب عمودا في صحيغة ابيز، وفي ذهنه افكار كثيرة، ولكنه لا يمتلك وقتا انه يقترب من الثمانين ولكنه يبدو محتفظا بنشاطه ولا يريد التوقف او التباطؤ ويقول «ان ذلك امر جيد ان يبقى فعالا حتى النهاية انه امر محزن وجارح احساس المرء بالهزيمة امام الزمن ، ويمضي حياته بدون اي عمل وبدون تفكير ذلك الامر يخيفني.» ثم يقول: «لا اتحدث عن الموت، فالموت حقيقة وهي النهاية الطبيعية لكل شيء ولكنني اعتقد انه امر مهم ان يظل المرء حيا حتى اللحظة الاخيرة، ومن المهم ايضا ان يبدو الموت مثل حادثة ما.» ويواصل حديثه «ولذلك السبب ما زلت افكر في مشاريعي، اخطط عددا من الامور، وهذه الامور تبقيني حيا، وتمنحني فرصة للاحتمالات الخيالية والتوقعات المدهشة لما تقدمه الحياة.» عن: الغارديان