مثّل وصف لجنة جائزة نوبل للكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا الفائز بجائزة نوبل لعام 2010 نوعاً من المفارقة ، فقد اثنت عليه لجنة نوبل حين مُنح الجائزة كونه «يتمتع بقدرة الوصف الواسع والشامل لمنظومة السلطة وهيكليتها وتصويره البارع واللاذع للمقاومة الفردية للسلطة، وكيف يصف الثورة والانهزام». وبعيدا عن أن نفس الكلمات هي التي تصف على نطاق واسع كل حلقة من حلقات المسلسل التلفزيوني (أبراج فولتي)، فإن ما يرد الى الذهن حينها هو وجهة النظر المتعلقة بفائدة الأدب: الكتب هي شيء جيد بالنسبة لك، وهناك علاقة أكيدة بين قيمتها وصعوبة فهمها. في الواقع، فان الرواية السادسة عشرة لفارغاس يوسا رواية جذابة وتلقائية كما هو حال بطلها، فيليستو يانكي، الرجل الذي يستيقظ ذات صباح ليجد نفسه هدفا للمبتزين. فقد علقت ورقة تهديد على باب مكتبه تطالبه بالمال نظير حماية اعماله. وبدلا من التوقيع كانت هناك صورة لعنكبوت مرسومة باليد. كانت المبالغ المطلوبة صغيرة نسبيا، وبينما كان الأهل والعائلة يبحثون عن تسوية ، فان فيليستو يرفض الاستسلام. فقد شق طريقه في الحياة بصعوبة، طفولته كانت مريرة ، وشبابه لم يكن اقل من ذلك ،ولكنه على الدوام كان يسترشد بوصية واحده لوالده المتوفي: «لا تركع ولا تنهزم أمام أحد.» تحديه أثار أعداءه وجعلهم يجربون أكثر الوسائل وحشية لأجل إركاعه. وفي الرواية نشهد المواجهة بين رجل ذي مبدأ راسخ وعدو عنيد. من يقف وراء رسالة التهديد؟وهل يمكن أن تُحبط نوايا المبتزين؟ ومع ازدياد المخاطر، هل سينتصر فيليستو ام يستسلم وتكسر شوكته ؟ هذه الأسئلة هي التي تكوّن حبكة الرواية والتي تجعلها تبدو كأنها واحدة من روايات الرعب الكلاسيكية، ولكن الحيوية التي فيها وطابعها الكوميدي والأخلاقي يجعلانها شيئا أقرب إلى ملحمة ادبية. فيليستو يعيش في بيورا، وهي بلدة ريفية في شمال غربي بيرو حيث قضى فارغاس يوسا جزءا من طفولته. وقد قام بوصفها بشكل أخّاذ ، من مناخها الحار و طنين الذباب المنتشر الى ظلال أشجار التمر هندي. الشوارع المزدحمة والشخصيات التي صاغها بكل مودة - المعدمون، مثل الشرطي النزيه ويدعى الرقيب ليتوما . العرافة أديلايده، في متجرها في منطقة المجزرة . السيد لاو، البقال الصيني. كانت اللهجة العامية هي حجر العثرة الوحيد في ترجمة إديث غروسمان و خلاف ذلك فقد كانت ترجمة لطيفة. يا للمترجمين البائسين ! انهم مثل شرطة المرور، لا احد يلتفت اليهم قط الا عندما تسوء الأمور. والآن، ومرة أخرى فان كل شخصية بيروفية في الرواية تنطق عبارة «مهلا ماذا تعتقد؟ «. انه ترجمة التعبير باللهجة المحلية «غوا تشي»، والتي لا يوجد لها أي مرادف مضبوط في الإنجليزية. تركها كما هي في الأصل هو على الأرجح ضد قواعد نقابة المترجمين، اليس كذلك؟ ولكن الا يمكن للترجمة ان تجعل القارئ مشتتاً اكثر مع غياب اثر اللهجة المحلية؟» لقصة فيليستو تشابه مع قصة بطل خفي اخر تتقاطع معه ، انه دون روغيبرتو ، وهو محاسب ناجح يعمل في العاصمة ليما وقد ظهر سابقا في احدى روايات فارغاس الوسا السابقة ، فقد خلق له عددا من الاعداء الاقوياء ، بعد ان وافق على ان يكون شاهدا لزواج رئيسه العجوز من شابة حسناء تصغره كثيرا فتم تهديده من قبل ابناء العجوز الاشقياء. ولم يتوقف الامر عند هذا الحد ، فان رجلا غريبا غامضا يدعى إيدلبرتو توريس قد بدأ بملاحقة ابنه المراهق فونشيتو،. وكان الوصف الذي ينطبق على إيدلبرتو أنه الشيطان بعينه. في رواية «البطل الخفي» نجد ان شخصياتها تتمتع بثمار الازدهار الاقتصادي الذي تعيشه بيرو. والزوار القادمون من ليما الى مدينة بيورا النائية يندهشون من ان هذه المدينة اصبحت فيها دور للسينما ومحالّ راقية ، ولكن بحبوحة العيش تخلق اشكالا جديدة من الطمع عند بعض الناس. فيليستو ودون ريغوبيرتو كلاهما كانا يشعران بخيبة أمل تجاه جيل الشباب الذي لم يعد يرغب بالاعمال الشاقة، وأغوته المظاهر المادية واصبح يرطن بمفردات غريبة عن لغته الام. «هذه هي ضريبة التطور» ، يتنهد الشرطي وهو ينظر في ورقة التهديد التي تلقاها فيليستو . ثم يقول «عندما كانت بيورا مدينة الفقيرة، لم تكن تحدث مثل هذه الأمور.» الرواية تنبهنا الى ان لا ننخدع ببريق الحضارة والرخاء. لقد أمضى فارغاس يوسا حياته وهو يبحث في حياة اولئك الذين عششوا في الأنظمة الفاسدة، سواء أكان ذلك في تناوله الأكاديمية العسكرية في روايته الأولى، (زمن البطل) أو في روايته (حفلة التيس) التي صدرت عام 2001و التي تتحدث عن جمهورية الدومينيكان ايام الدكتاتور تروخيو. وفي عام 1990، قادته قناعاته السياسية الى ان يتخذ موقفا غريبا ومثاليا من موضوع حملة الرئاسة البيروفية، فقد اصبح مرشحا للتحالف المحافظ، والأحزاب المؤيدة لرجال الاعمال. وقد وصف بنفسه رحلته «الطويلة والصعبة» من الاشتراكية الفتية إلى الليبرالية التجريبية . ونجد ما يشير الى ذلك همساً في روايته «البطل الخفي» ، حيث تنتهي معركة فيليستو ضد الابتزاز نهاية غير مشكوك بها، للمشاعر الإنسانية. وشخصية إيدلبرتو توريس الشريرة تكشف لنا أيضا بأن مصدر الشر يكمن في فهمنا للاشياء : في إدراك ان لا البشر ولا النظام الاجتماعي الذي يعيشون فيه قد وصلا إلى مرتبة الكمال. فدون ريغوبيرتو، الذي حاول ان يبني له واقعا يواسيه من الكتب والموسيقى التي يحبها، يقر بأن الوقائع من حوله «تبرهن اكثر فاكثر على أن المزيد من المساحات الصغيرة من الحضارة لن تقوى على التغلب على مساحات الهمجية التي لا حدود لها». يسود اعتقاد لدى شخصيات الرواية أن الحضارة - الحضارة الحقيقية - مهددة دائما بالشر والمكر، ولكن ما يبدد هذه السوداوية هو الدفء والحيوية اللذين يشعان من الرواية، وبصمات مؤلفها الرائع.