يمكن أن يوصف الأديب الروائي البيرواني ماريو بارجاس يوسا، الفائز اليوم بجائزة نوبل للآداب لعام 2010 بأنه "حالم الكلمات ومجدد السرد المكتوب بالإسبانية لغة ثربانتس"، والذي استطاعت رواياته المتنوعة والمترجمة لمختلف دول العالم أن تسحر الملايين، وذلل لا لشيء سوى حرصه الطموح على أن يقدم "حكاية مكتوبة بعناية". وظل بارجاس يوسا لسنوات مرشحا شبه مستديم على جوائز نوبل، ولكنه لم يحلم بالفوز بها، بل أعرب عن خشيته في أن يكون النبأ مجرد مزحة، متذكرا الموقف الذي تعرض لع الأديب الإيطالي الكبير ألبرتو مورافيا، الذي وقع في فخ هذا الخداع، مؤكدا أنه لا يزال تحت تأثير المفاجأة. وبدأ بارجاس يوسا (ليما 1936) تألقه في مجال الآداب، بروايته الشهيرة "المدينة والكلاب" والتي توجه نقدا ذاتيا بالغ العنف للمؤسسة العسكرية من منشئها في بلاده، والتي ظهرت في الستينيات ووصفها النقاد بأنها "عمل صادم". بعدها ظهرت روايته التي اتسمت بإيحاءات جنسية فاحشة "المنزل الأخضر". توالت بعد ذلك أعماله التي مزج فيها بين النقد الذاتي، والواقع المرير في أمريكا اللاتينية الذي تتحكم فيه مؤسسات عسكرية فاسدة، وتخضع شعوبه عوامل الفقر المدقع، والجهل والمرض، دون أن يؤثر ذلك على طبيعته الثورية المقاومة للسلطة الغشمة، والمحبة للحياة بمتعها وهزليتها برغم قسوتها. ومن أبرز أعماله "حوارات الكاتدرائية" و"الثرثار" و"حرب نهاية العالم" ثم "من قتل موليرو" و"الشاويش ليتوما في جبال الأنديز" و"مغامرات الطفلة الشقية" و"الفردوس على الناصية الأخرى" و"حفلة التيس"، والتي استرجع فيها حقبة الديكتاتورية في الدومينيكان، والتي تعد من أسوأ نماذج الأنظمة السلطوية الشمولية التي سادت في أمريكا اللاتينية منذ منتصف القرن الماضي وحتى أواخر الثمانينات. ويعتبر بارجاس يوسا من أبرز كتاب أمريكا اللاتينية والعالم الناطق بالإسبانية على الإطلاق، وقد تنوعت أعماله بين الرواية والمقال الصحفي والأدبي، والمسرح، كما تحولت بعض أعماله للسينما وترجمت معظمها لمختلف لغات العالم. كما شارك في السياسة وله تجربة قوية مع الترشيح عن أحزاب اليمين للرئاسة ضد الرئيس الحالي، آلان جارسيا عام 1990 ولكنه فشل أمام برنامج منافسه المهندس الزراعي والأكاديمي ألبرتو فوخيموري، الذي حولته السلطة لديكتاتور آخر، وانتهى به الأمر في السجن بتهم فساد واستغلال نفوذ وغيرها. حصل بارجاس يوسا على عدة جوائز رفيعة مثل الجائزة الوطنية في الآداب من بيرو، وجائزة أمير أستورياس للآداب، والتي تعد نوبل الإسبانية، وجائزة ثربانتس للرواية أرفع جوائز الآداب الناطقة بالإسبانية على الإطلاق كما حصل على جائزة منندث بيلايو الدولية من إقليم كتالونيا. ويعترف يوسا بولعه الشديد بالأديب الفرنسي فيكتور هوجو وجوستاف فلوبير، مؤكدا أن اعتقاده كان دائما أن الأدب "هو أروع تعبير عن الحرية الإنسانية" كا أنه أداة "تساعدنا على مواصلة الحياة"، ومن هنا يأتي شعوره بالمسئولية الأخلاقية والاجتماعية والسياسية الذي يدفعه على الاستمرار في الكتابة. وتمثل هذه المسئولية مفهوم الأدب عند بارجاس يوسا، حيث يرى أن الأعمال الأدبية الجيدة هي "تلك التي تساعدنا على اكتشاف كل ما كنا نريد أن نكونه ونحاول التحايل على أنفسنا كما لو أننا عشناه"، ومن هذا المنطلق يعتبر أن الأدب أيضا هو "اتهام عظيم والبرهان الدائم على هذا الموقف النقدي الذي كان الدافع وراء تقدم الحضارة". يعترف الأديب البيرواني ان أعمال الأديب الأمريكي العظيم ويليام فوكنر مؤلف رواية "الصخب والعنف" كان له تأثير السحر على تملك هاجس الأدب منه في الخمسينيات، فيما يؤكد أن قراءته لرواية مدام بوفاري غيرت حياته تماما كأديب. تميز أسلوب حياة يوسا بخلاف الطموح والإبداع بالجدية والعناد والمثابرة من أجل تحقيق أهدافه، فيما أكد خلال زيارته للقاهرة عام 2000 أنه "ضد التحولات الحديثة التي حولت الأدب إلى سلعة تيك أواي" مصرا على مواصلة كتابة أعمال كلاسيكية تناقش قضايا مصيرية، دون أن ينكر الجوانب الترفيهية، التي تعكس ملمحا إنسانيا ضروريا. واعترف يوسا خلال هذا اللقاء الذي نظمته السفارة البيروانية بالقاهرة ومعهد ثربانتس، بولعه الشديد برواية ألف ليلة وليلة والعوالم الفنتازية التي تعكسها، دون التخلي عن النقاش السياسي للواقع المأساوي الذي تعيشه أمريكا اللاتينية. ومع ذلك على صعيد المواقف الإنسانية، لم يتعاطف بارجاس يوسا مع هزيمة العرب في حرب الأيام الست في خمسة يونيو/حزيران عام 1967 ، معلنا تأييده لموقف إسرائيل، ومدافعا عن حقها في الوجود، وبالنسبة لقضايا قارته التي نصب نفسه مدافعا عنها، لم ينصف هنود تشاياباس الذين تعرضوا للمذابح في الثمانينيات على يد عناصر الشرطة. كما اعتبره الرئيس الفنزويلي من ألد أعداء الثورة البوليفارية، وكان يوسا نفسه يقول عن كوبا أنه طالما بقى فيدل كاسترو فلن يكون من الممكن أن يحدث تغيير في هذا البلد الكاريبي. وبصرف النظر عن مواقفه السياسية، وأعماله التي لا تتسم بالبساطة، حيث لا تقل صفحاتها عن 300 في أقل تقدير، يعتبر برغم أعوامه ال74 كاتبا دءوبا ومخلصا لفنه، اعتاد أن يحضر لها بشكل جيد، لفترات طويلة قد تستمر لسنوات مثلما هو الحال في روايته الأخيرة "حلم الكلتي" كما اعتاد أن يسافر ليعاين على أرض الواقع أماكن الأحداث التي تدور بها أعماله. وصف رئيس الحكومة الإسبانية خوسيه لويس ثاباتيرو اليوم فوز يوسا بجائزة نوبل بأنه "هناك نوع من الإلزام بأن تذهب جائزة نوبل للآداب إلى الروائي البيرواني ماريو بارجاس يوسا، لأنه كاتب عظيم" تحول إلى نموذج مشرف ومرجعية هامة للغة الإسبانية كما أن أعماله تتسم ب"العالمية". أما يوسا نفسه فقال في تصريحات صحفية من مقر المركز الثقافي الإسباني (معهد ثربانتس) في مانهاتن "هذه الجائزة ليست اعترافا بقيمتي ككاتب فقط، بل بقيمة اللغة الإسبانية التي أكتب بها ومكانة أدب أمريكا اللاتينية، الذي يتميز بالحيوية والإبداع"، معربا في الوقت نفسه عن امتنانه لإسبانيا لدعمها له في مسيرته كأديب، وعلى نشر أعماله. وأضاف خلال وقائع المؤتمر الصحفي، أبرز أهمية لغة "ثربانتس" التي توحد بين أكثر من نصف مليار نسمة ويتشاركون في العديد من العادات والتقاليد"، مؤكدا أن هذا التقدير العالمي الرفيع يعد اعترافا بالمكانة التي وصلها أدب أمريكا اللاتينية الذي تحددت ملامح هويته وترسخت عبر السنين. وفي النهاية قال "رفض الرئيس البيرواني السابق ألبرتو فوخيموري، الاعتراف بحقي في المواطنة وأراد حرماني من الجنسية، بينما احتضنتني إسبانيا واعترفت بي ومنحتني الثقة لأصبح كاتبا مشهورا ومقروءا، بالرغم من أنها لم تكن بلدي ولم أكن قد حصلت على جنسيتها بعد". (إفي)