أغلب مشاريع بناء المساجد في فرنسا تمول من موارد أجنبية، والغموض هو السائد بخصوص حجم هذا التمويل والمنافع المقابلة... وبمناسبة النقاش المفتوح في فرنسا حول هذا الموضوع، أشار تحقيق نشرته جريدة »ليبراسيون« الفرنسية إلى أن تمويل بناء المساجد يشكل العلبة السوداء الكبرى للإسلام في فرنسا، وطرحت السؤال: من يمول هذا وما هو المقابل؟ الحكومة الفرنسية تؤكد أن التمويلات الأجنبية لا تمثل أكثر من 10% من مجموع المشاريع. ولكن كل الفاعلين المعنيين يؤكدون أن هذا الرقم ربما أقل كثيراً من الحقيقة. ما هو حجم هذا الغموض؟ لا أحد يعرف بالضبط، ولكن الأكيد أن جميع المساجد الفرنسية الكبرى تقريباً بنيت بمساعدة بلد أو عدة بلدان أجنبية مانحة، بمستويات تتجاوز في الغالب نصف الميزانية الإجمالية. في مدينة بلوا (Blois)، لا يحس عمدة المدينة بأي حرج من كون مشروع مسجد بلال الذي يجري بناؤه في المنطقة، يحظى بدعم مالي مهم من طرف المغرب. فقد أعطى الملك محمد السادس لفائدة المشروع شيكاً بمبلغ 780 ألف أورو يوم 27 ماي 2012 (تناقلت شبكة التواصل صورته)، ثم قدمت وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية المغربية مبالغ مالية مهمة للمشروع، مما يعني أن المغرب فرض نفسه كشريك رئيسي في المشروع... يقول العمدة »هذا الأمر لا يزعجني، ما يهمني هو أن تتمكن الجمعية الاسلامية من إنهاء هذا المشروع، والمسلمون المعنيون أخذوا مصيرهم بأيديهم. فلو طلبوا مساعدة من البلدية، كنا سنرفض. أنا متشبث بقانون 1905 (القانون المتعلق بفصل الدين عن الدولة ومنع أي تمويل عمومي لأي ديانة...) والجواب على هذا النوع من الطلبات صعب ومعقد..«، لكن هذا الحضور المغربي يثير بعض ردود الفعل، خاصة من طرف غير المغاربة. فالمغرب الحريص على نسج علاقات وثيقة ومتميزة مع أبناء جاليته المقيمين في أوربا، طور منذ حوالي 10 سنوات سياسة متكاملة تجاه أبنائه في المهجر، ولذلك أسباب اقتصادية واضحة، لأن التحويلات المالية للمغاربة في الخارج مهمة... كما أن المغرب من خلال دبلوماسيته الدينية يقدم نفسه كقطب لمقاومة تمدد الاسلام السلفي المتشدد القادم من السعودية. ونموذج مشروع مسجد بلال ليس حالة استثنائية. فالمغرب، بمبادرة من الملك محمد السادس موَّل أيضا ثلثي تكلفة بناء المسجد الكبير بمدينة سانتيتيان (في حدود 5 مليون أورو) والذي تم تدشينه سنة 2012، وبالمناسبة تم توقيع اتفاقية أصبح بموجبها المسجد في ملكية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ويخصص المغرب كذلك ميزانية سنوية (600 ألف أورو) لتسيير وأداء أجور الأئمة والقيميين على المسجد... هذه المشاريع أثارت إعجاب الكثير من الجمعيات الإسلامية في العديد من المدن الفرنسية الأخرى والتي طلبت مساعدة المغرب... وإذا كان المغرب ليس الوحيد الذي يمول الإسلام في فرنسا، فإنه من البلدان القليلة، إن لم يكن الوحيد الذي يقدم سياسة واضحة بالإمكان »قراءتها«، فإن هذه السياسة والإقبال الواضح التي تثيره في أوساط الجاليات الإسلامية الأخرى، أثارت قلقا واضحا لاسيما من الجزائر التي لا تملك على الأقل حتى الآن سياسة واضحة في هذا المجال. أما بالنسبة لدول الخليج, من الصعب تحديد درجة تدخلها، فالسعودية المنخرطة بقوة منذ 20 سنة تقريبا في عدة مشاريع مهمة مثل مسجد »إيفري« أو في مسجد »ستراسبورغ« مؤخرا تبدو بعيدة بعض الشيء, ولو أن الرابطة الإسلامية العالمية الموالية للرياض لا تتردد في مساعدة أماكن العبادة ماديا. مشكل الشفافية في هذا الموضوع ليس جديدا, ففي سنة 2005 قام وزير الداخلية وقتها، بتدشين مؤسسة أعمال الإسلام بهدف توحيد ودمج المساعدات الأجنبية وعزل التأثيرات المحتملة، لكن هذه المؤسسة عانت من نفس التجاذبات التي يعيشها المجلس الفرنسي للديانة الفرنسية وتم حلها، وبعد 10 سنوات يبقى تمويل أماكن العبادة سواء عموميا أو أجنبيا، يبقى ثقبا أسود لم يتمكن حتى الآن من تحقيق استقلاليته.