في المجتمعات العربية والاسلامية تعيش المرأة ضحية مخلفات وتداعيات المنطق المتحكم والسائد منذ قرون والذي يرسخ دنيوية المرأة و... تفوق الرجل وأن هذا الكائن البشري الناقص عقلا ودينا لا يحق له أن يتمتع بحرياته وحقوقه، فالمرأة في المجتمع الذكوري هي المسؤولية عن شقاء البشرية ومن خروجها من الجنة، حيث السعادة والملذات وإشباع جميع الرغبات، لذا فهذا المخلوق البشري يجب أن يخضع لتحكم الرجل ويرضخ لطلباته ويتبع رغباته في المنزل وفي الشارع وفي أماكن ومعامل ومكاتب العمل، وفي ظل هذه الوضعية والتي تؤطرها معتقدات وعادات تحمل كل معاني الجهل والحيف والتطرف والأنانية يحتفل المغرب يوم الثامن من شهر مارس بذكرى عيد المرأة فكانت مسيرات الاحتجاج والمطالبة بالحقوق والإنصاف والمساواة، وتصدى المحافظون أشخاصا وشيوخا وأحزابا وجمعيات لصرخة المرأة وأصيبوا بالغيرة والحيرة والغضب من مبادرات وصيحات التضامن مع المرأة والتي أصبحت تزداد وتتنوع يوما بعد يوم بعد المسيرة الوطنية ليوم الأحد من مارس وبعد أن رمى الدكتور الشرايبي حجرة صغيرة في بركة آسنة يعاني المجتمع من مضاعفات واختلالات وتلوث يهدد تماسك وسلامة واستقرار الأسرة المغربية, من جراء التماطل والبطء في معالجتها وهي وضعية الإجهاض السري والقانوني، لقد صرح الشيخ الفيزازي بتحد لكل المنادين والمطالبين بالمساواة بين الرجل والمرأة، بأن القرآن لا يتضمن نصوصا قطعية واضحة تدعو إلى المساواة بين الجنسين، ووصف مصطفى بنحمزة رئيس المجلس العلمي بوجدة أحد المتدخلين في موضوع الإجهاض ويتعلق الأمر بالاعلامي عبد الصمد الديالمي، وصفه هذا العالم بالجهل ووصف الديالمي وهو إعلامي وعالم اجتماع كذك بكونه ينطق عن عدم دراية وكلامه مجرد »تخربيق«. وكل هذا التعنت والانفعال والافتقاد إلى رباطة الجأس وأدبيات الحوار لأن الإعلامي عبد الصمد الديالمي دعا إلى مقاربة شمولية في موضوع الإجهاض تأخذ بعين الاعتبار حقوق المرأة وإنصافها مما تعانيه من الاحتقار والاهانة والدنيوية والمعاناة من مضاعفات المعتقدات الخاطئة، فالحوار حول موضوع الإجهاض في المغرب وضرورة تعديل الفصول القانونية المرتبطة بهذه الظاهرة ينبغي أن يستحضر حقائق مُرة ومؤلمة وبشكل خاص موقع المرأة ومكانتها الدنيوية في المجتمع وعدم تكافؤ الفرص بين الجنسين، كما أن حوالي 300 حالة إجهاض غير قانوني أو سري تقع يوميا في بلادنا، رغم أننا لا يمكن أن نقدر هذا العدد لكون الإجهاض يمارس في كل أنحاء المغرب بشكل سري ودون توفر الشروط الصحية السليمة للضحايا مايعرض حياة الأمهات للخطر ويهدد تماسك وسلامة المجتمع، لذا فلمعالجة هذه الظاهرة ولمواجهة هذا الموضوع الشائك يجب اللجوء إلى تعديل القوانين واكسابها اجراءات عملية كفيلة بضمان تطور المجتمع وظروف تماسكه واستقراره وتوفير الحقوق للأفراد والجماعات، وكل ذلك وفق مقاربة شمولية تنموية وحداثية تستوجب الاستماع والإنصات إلى نداء الضمير والالتزام بمقتضيات حسن المسؤولية والمواطنة الصادقة، عوض أن نرتهن سلوكات ومبادرات تحت ضغط واقع الانتماء إلى أحزاب تشتري في تسييرها وإدارة الشأن الوطني أو الاحتكام إلى اجتهادات فقهية لا تساير الواقع ولا تستجيب لمقتضيات المساواة والإنصاف والحقوق. وتعقيبا على الشيخ السلفي الفيزازي، فإنني أؤكد أنه ليس في القرآن الكريم ما يدعو إلى التمايز والتمييز بين الرجل والمرأة حينما نأخذ بروح النصوص ومقاصدها ومراميها ونلتزم في التحليل بتماسك بنية الفكر القرآني وعمقه الانساني، بل ان الشيخ السلفي المعروف بأبي حفص نفسه يؤكد هذا المنحى المخالف للشيخ الفيزازي حينما رفض الأحكام القطعية المؤسسة على نصوص اجتهادية بشرية خاطئة كالقول بأن »المرأة تقطع الصلاة كالكلب والحمار« أو الادعاء بأن »شهادة المرأة نصف شهادة الرجل« أو الإقرار بأن »دية المرأة نصف دية الرجل« أو أن »عقيقة الأنثى شاة واحدة فيما عقيقة الذكر شاتان« وكذلك الاجتهادات التي تعطي الحق للزوج بضرب زوجته أو تأديبها بعد الوعظ والهجران في الفراش«، لهذا فالتذرع بانعدام أحكام قطعية هو كلام مردود على أصحابه ويجتر التباسا في ذهن الكثير من أشباه المجتهدين, و دليلنا على هذه الوضعية أن القانون الأسمى في البلاد والذي يؤطر الحياة السياسية والحقوقية والمدنية والدينية والذي هو الدستور, يعتبر المرجع الأساسي في ضبط الإطار العام لحياة المواطنين ومنه انبتقت كل القوانين الجاري بها العمل في المحاكم والمؤسسات القضائية,كالقانون الجنائي والقانون الدستوري والقانون المدني والقوانين المنظمة للعمل والعلاقات في جميع القطاعات العمومية وشبه العمومية والخصوصية. وهذا القانون الأسمى في البلاد يستمد روحه وفلسفته الاجتماعية والإنسانية من مرجعيات تعود في أصلها إلى قيم كونية وإنسانية تعتبر إرثا حضاريا مشتركا للإنسانية جمعاء. وأضيف تعقيبا على موقف المحافظين والمتشبثين بالقشور والشكليات بدعوى الإلتزام بمقتضيات النصوص القطعية، أضيف بأن النموذج التونسي في سن قوانين الإجهاض يعتمد ويستند على موقف المذهب الحنفي في هذه الظاهرة، حيث اقتنع المشرع التونسي بأن اجتهادات الإمام أبي حنيفة أقرب الى الصواب والسداد وأن القاعدة الأساسية والمنطلق الحتمي لحل هذه الاختلالات الاجتماعية هو إصلاح أوضاع المجتمع بتوفير ظروف الشغل والعيش الكريم ومحاربة ظاهرة الإفلات من العقاب وإنصاف المرأة بمنحها حقوقها الطبيعية في التربية والتعليم والمساواة وتكافؤ الفرص وانتشالها من مضاعفات وتبعات مجتمع ذكوري ظالم لا يفهم أحيانا ولا يريد أن يفهم أحيانا أخرى ولا يرحم، فنظرة المجتمع إلى المرأة الحامل بطريقة غير شرعية والتي تحمل مضامين الاحتقار والاتهام وهي التي تعرضت للإغراء والوعود الكاذبة والاغتصاب واستغلال ضعفها وفقرها, فهذه النظرة تقتضي أن ينتصب القانون والمشرع والفعاليات الحقوقية والمدنية في الدفاع عن المرأة في مواجهة هذا الحيف من المعتقدات الشعبية الخاطئة وذلك باعتبار ضحايا الإجهاض، ضحايا المجتمع ولسن مجرمات أو فاجرات, وذلك بضمان ولوجهن المستشفيات والاستفادة من ظروف صحية سليمة للوضع، وضمان الحماية القانونية لهن عوض معاقبتهن وفتح أبواب البراءة والافلات من العقاب من طرف المجتمع والقضاء أمام الطرف الآخر والمشارك في الحمل وما ترتب عنه. فحسب الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري فهذه الظاهرة تؤدي إلى مضاعفات واثار اجتماعية وخيمة تهم صحة الأم الجسدية والنفسية وتسبب مآسي واختلالات اجتماعية جسيمة خاصة وأن عدد النساء اللواتي يلجأن الى الإجهاض بشكل سري يستقر ما بين 800 و1000 حالة يوميا، وبسبب الحواجز التي وضعها القانون الجنائي المغربي على الإجهاض، فإن جل النساء المعنيات بالإجهاض و اللواتي يعانين من الأمية والهشاشة في أوضاعهن الاقتصادية والاجتماعية غالبا ما يلجأن إلى طرق ووسائل شعبية من أجل التخلص من الحمل أو الجنين تفاديا للعار والإهانة والتخلي والإدانة، كحالات الاغتصاب أو زنا المحارم أو الأمهات العازبات، ومعلوم أن المادة 453 من القانون الجنائي لا تبيح الإجهاض إلا في حالة المعاناة الخطيرة والتي تهدد حياة المرأة أو السلامة الخلقية والصحية للجنين، ورغم أن هذه الظاهرة الاجتماعية أصبحت متداولة ومعنية بالنقاشات المفتوحة بموازاة مع الأواش التي فتحتها وزارة العدل والحريات في إطار مراجعة القانون الجنائى في مواضيع ذات الصلة بحياة المواطنين، كما صرحت بذلك مديرية الشؤون الإدارية والعفو بالوزارة، فإن الأمريكتسي صبغة الاستعجال بحيث يقتضي ضرورة إعداد ترسانة قانونية مع إعادة النظر في الفصول الجنائية من 449 الى 458 والتي تتناول هذا الموضوع، كما يجب إعادة الاعتبار وإنصاف المرأة التي تقع ضحية الاغتصاب أو الإغراء والكيد أو الوعود الكاذبة أو ضحية أوضاع اجتماعية وثقافية واقتصادية ولتخليصها من النظرة السيئة للمجتمع والدين والقانون وذلك لن يتأتى إلا بإصلاح أوضاع المجتمع بتوفير الشغل وظروف العيش الكريم وتحقيق فضاء اجتماعي يضمن حقوق التربية والتعليم والتنشئة السليمة للمرأة. كما تدعو الضرورة إلى محاربة ظاهرة الإفلات من العقاب من مستغلي ضعف والنظرة الدنيوية للمرة ,لأن ذلك كفيل بتخليصها وانتشالها من تبعات مجتمع ذكوري ظالم لا يفهم بل لا يريد أن يفهم ولا يرحم. ولا يمكن أن تربح القطاعات والجهات والوزارات رهان هذه المعركة الا بالتوافق والحوار وجعل مصلحة المواطن والوطن فوق كل اعتبار كما يجب الانفتاح والاستفادة من تجارب المجتمعات في آسيا وفي أوروبا وانتقاء من يفيد المجتمع المغربي ويساعد على القضاء أو الحد من هذه المأساة الاجتماعية. والحديث في هذا المجال عن قوانين مستوردة او حلول ذخيلة هو نزوع الى الانغلاق والجهل ,لأن نسائم الفكر الغربي الدخيل والافكار المتسمة بالروح العلمية تصلنا يوميا عبر النوافذ والابواب عبر تجليات مادية وفكرية واضحة وتمظهرات بارزة للعيان وتتمثل في الوسائل التي نستعملها يوميا ونستفيد منها لتسهيل الحياة ومواجهة الاكراهات التي تفرضها الحياة الحضرية الحديثة كوسائل الاتصال ووسائل المواصلات ومستلزمات السرعة والجودة في العمل والمستثنيات والادارات العمومية، والغريب في منطق الرافضين للافكار الدخيلة أنهم يقبلون ويتهافتون على منتوجات الحضارة الغربية في كل مناحي الحياة من جهة ويتعنتون في محاربة الافكار العلمية والمفاهيم الحقوقية التي انتهت اليها الانسانية في مسارها الغني بالاجتهادات والاكتشافات والاختراعات. والغريب اننا لا نرفض السيارة والهاتف النقال المتطورة وأجهزة الكمبيوتر والانترنيت ونركب الطائرات ولا نعتبرها منتوجات ذخيلة وليس لها ما يبررها في النص الديني الصريح. والغريب أيضا في منطق هؤلاء الجاحدين انهم يقبلون ويحتكمون الى القضاء المغربي والذي يصدر الأحكام لا تدعو الى الرجم أو قطع اليد أو الجلد ورغم أنها مقابل ذلك تستمد مشروعيتها من القانون الاسمى في البلاد وهو الدستور. وهذا الأخير يستند في مرجعيته العميقة الى روح وفلسفة القوانين الوضعية والقيم الانسانية النبيلة والكونية والتي ترتكز عليها الحضارة الغربية في كل مناحيها. ولم تتمكن الحضارة الاسلامية في العصر الوسيط أن ترقى الى ما وصلت اليه من درجات التحضر والتمدن والتفوق في العلوم والفلسفة والطب وقوانين تنظيم الادارة والجيش والاقتصاد، لم نتمكن من ذلك الا عندما انفتحت على الحضارات والتراث المادي والفكري للأمم المجاورة كاليونان وبلاد فارس. وحكماء الشرق ومدينة الرومان، ونقلت الثروات المخزونة والمحفوظة في المكتبات المعروفة تاريخيا بكونها تختزن وتزخر بنفس كتب العلم والمنطق والطب والفلسفة والمخطوطات ومختلق أوجه ومظاهر التراث المادي والمعنوي للحضارات الانسانية القديمة. ووظفت في ذلك مترجمين من اليهود والمسلمين كحنين بن إسحاق وغيره من ذوي الخبرة في الترجمة وذلك في عهد التراجم الكبرى التي شهدتها خلافة المامون والمعتصم. لذا فالدعوة الى صد الابواب على الافكار المستوردة و»الدخيلة« هو نزوع نحو التصدي لقيم الحداثة والحقوق وممارسة مفضوحة للانتقاء الانتهازي وترسيخ لواقع الظلم والحيف والإهانة. وكل مارس والمرأة المغربية بخير