تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    المغرب التطواني يكشف حقائق مغيبة عن الجمهور    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    الحصيلة السنوية للأمن الوطني: أرقام حول الرعاية الاجتماعية والصحية لأسرة الأمن الوطني    مصرع رضيع إثر سقوطه من شرفة المنزل ببرشيد            بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    التوحيد والإصلاح: نثمن تعديل المدونة    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    بعد تتويجه بطلا للشتاء.. نهضة بركان بالمحمدية لإنهاء الشطر الأول بطريقة مثالية    الوداد يطرح تذاكر مباراته أمام المغرب الفاسي        الرباط: المنظمة العربية للطيران المدني تعقد اجتماعات مكتبها التنفيذي        28 ناجيا من تحطم طائرة بكازاخستان    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    مسؤول روسي: المغرب ضمن الدول ال20 المهتمة بالانضمام إلى مجموعة "بريكس"    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    ترامب عازم على تطبيق الإعدام ضد المغتصبين    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ونجح الاتحاد في جمع كل الاشتراكيين! .. اِشهدْ يا وطن، اِشهدْ يا عالم    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    الخيانة الزوجية تسفر عن إعتقال زوج وخليلته متلبسين داخل منزل بوسط الجديدة    إمزورن..لقاء تشاركي مع جمعيات المجتمع المدني نحو إعداد برنامج عمل جماعة    ‬برادة يدافع عن نتائج "مدارس الريادة"    "ما قدهم الفيل زيدهوم الفيلة".. هارون الرشيد والسلطان الحسن الأول    الاعلان عن الدورة الثانية لمهرجان AZEMM'ART للفنون التشكيلية والموسيقى    العلوم الاجتماعية والفن المعاصر في ندوة بمعهد الفنون الجميلة بتطوان    الدورة العاشرة لمهرجان "بويا" النسائي الدولي للموسيقى في الحسيمة    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    اليوم في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية : البحاثة محمد الفاسي : مؤرخ الأدب والفنون ومحقق التراث        ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    الإصابة بالسرطان في أنسجة الكلى .. الأسباب والأعراض    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد الفيزازي ل"أحداث.أنفو" : نحن كفقهاء مع الإجهاض الإرادي المؤطر بالمبيحات الشرعية والذي تحميه الدولة

* الإجهاض في بلدنا تحول إلى تجارة مربحة للكثير من السماسرة
*خاطئ من يعتقد أنه باللجوء إلى "الداودية" وحدها سيواجه تأثير تنظيم داعش
*جزء من الشباب المغربي يحب أن يسمع آيات من قبيل الآية 39من سورة الأنفال : «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله»، ويتأثر بكل ما له علاقة بالإرهاب والتطرف
* من الخطأ التعميم والقول إن العلماء يخرسون ويتجنبون الخوض في الإشكاليات المجتمعية
* حزب «النهضة والفضيلة» طالب بكوطا مخصصة للعلماء لدخول البرلمان..لكن مطلبه حاربته الأحزاب الأخرى بشراسة
احتدم الجدل مؤخرا حول تقنين الإجهاض الإرادي، وتعالت مجددا الأصوات المطالبة بتفعيل الفصل 453 من القانون الجنائي، وتوسيع مجالات إجازة الإجهاض وتقنين إجرائه في المستشفيات العمومية. الجدل، أثارته واقعة إقالة الدكتور شفيق الشرايبي، رئيس الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السري من منصبه رئيسا لمصلحة التوليد بمستشفى الولادة الليمون بالرباط تحت ذريعة مشاركته في برنامج تلفزي فرنسي بثته قبل أشهر قناة «فرانس2» تمحور حول الإجهاض بالمغرب. وفي سياق هذا الجدل، يندرج حوار موقع "أحداث.أنفو" وجريدة "الأحداث المغربية» مع الشيخ محمد الفيزازي، أحد وجوه التيار السلفي الجهادي المغربي سابقا المعتقل على ذمة أحداث الدارالبيضاء الإرهابية في ماي 2003، وإمام مسجد طارق بن زياد بطنجة حاليا. محمد الفيزازي، كشف عن اهتمام كبير في الانخراط في النقاش حول الإشكالية وغيرها من الإشكاليات المجتمعية الأخرى، ودعم مطالب النساء والحقوقيين في تقنين الإجهاض بالمستشفيات العمومية، وطالب بفتح الإعلام العمومي أمام العلماء والفقهاء لمواجهة الفكر المتطرف وتهديد داعش وتأثيره على عقول الشباب المغاربة.
نبدأ هذا الحوار بتصريح لمدير مؤسسة دار الحديث الحسنية، أحمد الخمليشي، قال فيه إنه لا وجود لنص قرآني صريح يحرم الإجهاض الإرادي. فما يرأيكم ؟
بالنسبة للقول بعدم وجود نص قرآني صريح يحرم الإجهاض الإرادي، فكما هو معلوم التحريم والتحليل لا يرتكز أو ينبني فقط على القرآن. فمصادر الأحكام الشرعية أربع مجمع عليها وهي القرآن والسنة والإجماع والقياس، وبعد ذلك تأتي الأخرى المختلف عليها وهي الاستحسان، والاستصحاب، و المصلحة المرسلة، وقول الصحابي، وشرع من قبلنا، والعرف، وسد الذرائع. ومن ثمة، وإذا كان القرآن لا يتضمن تحريما صريحا للإجهاض، المفروض أن نلجأ إلى السنة، وهذا أمر مفروغ منه وأساسي لأنها تأتي بعده .. وهي التي تفسر وتوضح كافة العقائد والعبادات والقوانين الشرعية المستنبطة من القرآن. فالأحكام الشرعية لا تأخذ من القرآن فقط وإنما تأخذ من السنة كذلك. فالمسلم عليه الاستناد إلى القرآن والسنة معا في استخلاص الأحكام الشرعية..ولا يمكنه الاقتصار على القرآن وحده فهذا غير ممكن.
أما في ما يهم الأستاذ الخمليشي، فلا أحد يجادل في تمكنه الفقهي وحنكته وحصافته ورصانته العلمية.. ولعل كلامه اجتزئ من سياقه أو تم تحريفه أو فهمه أو تأويله خطأ ..أنا أكيد اليقين أن مثل هذا الكلام لا يمكنه الصدور عن الأستاذ أحمد الخمليشي.
تصريح أحمد الخمليشي هذا جاء في سياق ربورطاج تلفزي حول الإجهاض السري وكان واضحا.. وقال بضرورة الاجتهاد لما فيه صالح الناس ويستجيب لضرورات العصر ويرفع الحرج..
الأمور واضحة.. وعلينا أن نمحص في ما يمكننا الاجتهاد فيه وفي ما هو واضحة الأحكام الشرعية التي تهمه وتقيده أو تحظره ولا يحتاج إلى اجتهاد حوله .. وحديث الإمام مالك في كتابه "الموطأ" : «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة رسوله» المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم جد واضح في هذا الصدد. ومن ثمة، لابد من الاتفاق هنا على نقطتين أساسيتين، الأولى أن مصادر الأحكام الشرعية، التي لا يُختلف فيها هي الكتاب والسنة . والثانية، تتعلق بالقاعدة العامة الأصولية :«لا جتهاد مع وجود النص». إذا كان هناك نص في الكتاب والسنة يبطل الاجتهاد ويحرم. نعم نجتهد لفهم النص، ولا نجتهد في وجود النص.
يُفهم من كلامكم هذا أنكم أنتم أيضا تقرون بعدم وجود أية قرآنية تحرم تحريما صريحا الإجهاض..
أبدا.. بل على العكس هناك الآية 33 من سورة الإسراء، التي تقول :«ولا تقتلوا النفس الذي حرم الله إلا بالحق»، والتي يُمكن الأخذ بها لتحريم الإجهاض. إذ ما معنى الإجهاض ؟ الإجهاض هو إنزال الجنين من بطن أمه. هذا الجنين ينقسم إلى قسمين، مرحلة ما قبل نفخ الروح فيه ومرحلة ما بعد نفخ الروح فيه. وقد يحدث الإجهاض في هاتين المرحلتين. وهنا يأتي السؤال متى تُنفخ الروح في الجنين. فخلال الأسبوع الأول، يقينا، الروح لم تُنفخ بعد في الجنين، وأيضا وإلى حدود الشهر الأول من الحمل، يقينا الروح لم تُنفخ بعد في الجنين ويستمر ذلك إلى حدود مدة 42 يوما من الحمل. وفي صحيح البخاري ما يفيد أن الروح تُنفخ في الجنين إذا بلغ الحمل مدة 6 أسابيع مما يعادل 42 إلى 46 يوما. وهناك حديث آخر يحدد مدة 120 يوما لتُنفخ الروح في الجنين. وقد وقع العلماء في إشكال فقهي بشأن أي هاتين المدتين يجب اعتمادهما. فاعتمد شق منهم مدة 42 يوما فيما اعتمد الشق الآخر مدة 120 يوما. بل هناك فئة ثالثة جمعت بين الحديثين وقالت إن "ثم" لا تعني التراخي في النص وإنما 40 يوما الأولى هي الثانية والثالثة، وبالتالي لا يجوز الإجهاض بعد مرور ال40 يوما الأولى من الحمل. وهنا يتعين الاجتهاد في فهم النص وليس في معنى النص.
إذن الإجهاض الإرادي قبل نفخ الروح في الجنين جائز؟
بل هو أيضا مُختلف فيه. والإجهاض بعد نفخ الروح في الجنين أي بعد مرور 5 أشهر من الحمل يُحرَّم بالإجماع. ولا يمكن بالإجماع القيام بالإجهاض في هذه الحال إلا في حالات معينة. وهنا تتحدد الاستثناءات : إذا كان الحمل سيلحق الضرر والخطر الأكيد بالأم، أي أن تكون الأم معرضة فعلا للخطر بسبب الحمل، وإذا استمرت في حملها يقينا ستموت أويرجح أنها ستموت. في هذه الحال فقط، يتوجب إجهاضها إعمالا بالقاعدة التالية : إذا تعارضت الحياتان، حياة الأصل وحياة الفرع، يتعين الإبقاء على حياة الأصل فيما يُسقط الجنين حفاظا على حياة أمه. وحالة التعارض هذه تستوجب الإجهاض، الذي يصبح واجبا وليس جائزا حماية للأم. هذه ضرورة تفرض الإجهاض.
وقد اختلف العلماء في إجازة الإجهاض قبل مرحلة نفخ الروح في الجنين. فمنهم من أجازه على اعتبار أن الجنين ليس نفسا بعد. ومنهم من حرمه على اعتبار أن الهدف من الزواج هو الإنجاب والتكاثر والتوالد وتكثير سواد أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إعمالا لقوله : «تناكحوا، تناسلوا ، تكاثروا، فإني مباه بكم الأمم». ومن بين هذه الفئة الثانية، من حدد بعض الاستثناءات المجيزة للإجهاض من قبيل أن تكون المرأة ولودا حيث تُنجب مرة كل سنة على سبيل المثال مما يعرضها من الناحية الصحية للخطر ويصعب عليها عملية الرضاعة ورعاية أطفالها كما ينبغي..
ما الذي يحول دون الفقهاء وعلماء الدين المغاربة و المبادرة بفتح باب نقاش عمومي حول هذه القضية، التي تثير حاليا الجدل الحاد حولها، للحسم فيها بشكل نهائي.. علما أن دولا إسلامية عديدة حسمت فيها وأجازت الإجهاض الإرادي..
لا يهمنا ما فعلته أو تفعله غيرنا من الدول الإسلامية. ولسنا مجبرين على اقتفاء أثر الآخرين ..هذا من جهة. ومن جهة أخرى، الإجهاض في بلدنا تحول إلى تجارة مربحة للكثير من السماسرة. وهو يُمارس بالمئات يوميا وفي ظروف غير طبية وغير آمنة صحيا على المرأة بالنظر إلى الملابسات الكثيرة والمختلفة التي تحيط به وبحالات اللاجئات إليه سيما حينما يتعلق الأمر بحمل غير مرغوب فيه ناجم عن علاقات جنسية خارج إطار الزواج. كما نجد في الكفة الأخرى حالات كثيرة من الإجهاض المُمارس داخل مصحات مجهزة تضمن السلامة الصحية للمُجهضات.. لكن بأي ثمن، المقابل المادي يكون باهضا.. لهذا تحدثت عن سماسرة الإجهاض، الذين لا يراعون شرع الله ولا يحكمون ضميرهم المهني وهمهم الوحيد جني المال الكثير. فيقبلون بإجهاض فتيات لا تزيد أعمارهم عن 14 و15 و16 سنة دون أن يرف لهم جفن من خشية الله أو إحساسا بوخز الضمير.
بالنظر إلى هذا الوضع الكارثي والذي يحبل بالكثير من المتناقضات، ألا تعتبرون أنه يتعين تقنين الإجهاض الإرادي في المستشفيات العمومية ليصبح متاحا أمام جميع النساء بشكل متكافئ وعادل.. علما أن ضحايا الإجهاض السري هن الفتيات والنساء اللواتي يعانين الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية..
هل تعنين أنه ينبغي علينا إقرار قانون يُبيح قتل النفس؟
على الإطلاق، ما أعنيه، هو تفعيل الفصل 453 من القانون الجنائي المتصل بالإجهاض وتوسيع مجالات إجازة الإجهاض الإرادي داخل المستشفيات العمومية في توافق والشرع، الذي يجيز الإجهاض قبل نفخ الروح في الجنين كما بينتم، وأيضا بما يضمن للنساء المراقبة والمصاحبة الطبية اللازمتين وقطع الطريق على المسترزقين من وراء الإشكالية..
أنا أوافق هذا الطرح. فالإجهاض السري واقع لا يمكننا نكرانه أوتجاهله. هو واقع علينا التسليم به أحببنا أم كرهنا. فكل ثانية ودقيقة، ودون مبالغة، تشهد عددا من حالات الإجهاض السري. نسمع ونقرأ عن حالات رضع متخلى عنهم، وعن حالات أخرى لرضع حديثي الولادة تم العثور عليهم جثتا هامدة بعد خنقهم.. عديدة هي الحالات اللاإنسانية التي تتناهى إلى أسماعنا أو نقرأ عنها. وهو أمر يحز في النفس بالنسبة لنا كبلد مسلم. ويسائلنا كلنا كأفراد مجتمع لأنه يضعنا أمام إخفاقاتنا الكثيرة وفي مجالات متداخلة بين الاجتماعي والاقتصادي والإنساني. لماذا حقا بلغنا هذا المبلغ من الاندحار والتقهقر القيمي. لكن هذا الطرح يسلتزم ويوجب فتوى شرعية وإحداث لجنة شرعية. ونتوفر على أئمة وعلماء وفقهاء أكفاء يتمتعون بدراية كبيرة بالنصوص الشرعية. هذا من جهة، كذلك، لا نطعن في التزام وانخراط الإدارة المغربية والمصالح المعنية من قبيل وزارة الداخلية للحد من آفة الإجهاض السري.. ثم، يتعين تحديد الفضاءات، التي سيتم فيها الإجهاض الإرادي في واضحة النهار بكل شفافية أي في إطار القانون والشرع. مع وضع عقوبة صارمة لكل من يخرق هذين الإطارين الشرعي والقانوني. ومع الحرص على ألا يصبح الإجهاض مُتاحا أمام كل من يرغب في التستر عن فضيحة زنا وخروج عن الشرع فهذا ما نرفضه كعلماء.. لكن، نحن مع الإجهاض الإرادي المؤطر بالمبيحات الشرعية والذي تحميه الدولة .
بالنظر إلى كل الجدل الحاصل الآن حول إشكالية الإجهاض الإرادي، وبالنظر إلى الأخطار الصحية المترتبة عن الإجهاض السري، ألا ترون أن المرأة المغربية هي بحاجة إلى سند ودعم الفقهاء وعلماء الدين للخروج بها من هذا المأزق من خلال الحسم شرعيا في الإجهاض الإرادي، الذي أضحى قضية سياسية أكثر منه اجتماعية وفقهية ..
بما أن الإجهاض حالات وكل حالة تختلف عن الأخرى.. فإن المفتي أوعالم الدين لا يمكنه الإفتاء بالإجماع، وإنما يفتي في كل حالة على حدة. وبالتالي، فالمرأة الحامل المعنية بالإجهاض الإرادي عليها أولا أن تسأل أصحاب الرأي الشرعي من فقهاء وتسأل أكثر من واحد عن حالتها هي تحديدا، وفي حال كان الرد بجواز خضوعها للإجهاض فإنها ترفع طلبها إلى اللجنة الشرعية بكل اطمئنان وسكينة من أنها لا تخالف شرع الله. ليأتي في هذه المرحلة دور الدولة في ضمان الحماية والمراقبة الصحية لها في إجهاضها وفق القانون . هذه هي المسطرة المفترضة أو المحتملة. فالقانون يتيح لها، بعد الحصول على موافقة أهل الفقه الشرعي، الولوج إلى هذه الخدمة في مستشفى عمومي لتحظى بالتأطير الطبي اللازم حماية لحياتها.
ما هي الاقتراحات الدينية أو الحلول الدينية، التي من شأنها الحيلولة دون حدوث انزياحات أو تجاوزات للمقاصد الأساسية للإجهاض الإرادي؟
الفوضى والتسيب أمر مرفوض شرعا في كل شيء. والدين هو دين يُسر وليس دين عسر، ومُنفتح ويساير العصر إلى أن تقوم الساعة. نحن مُتخلفون عن الشريعة الإسلامية. وما يتعين علينا فعله هو إخراج فقهنا المييسر وهو موجود ولا بد من أن يخرج إلى العموم ولا يظل حبيس المساجد، والكليات ومدارس الشريعة وحكرا على طلبة علوم الفقه والشريعة، الذين يقفون على يسر الدين وسماحته. وهنا يتمثل دور العلماء أنفسهم، والأئمة، والفقهاء، والوعاظ وأيضا الإعلام لنشر الوعي الديني في كافة القضايا مهما كانت طبيعتها.. لأن الدين لا يقتصر على الشعائر فقط من صلاة وحج وصوم .. وإنما يتعداها إلى القضايا الإشكالية الحياتية واليومية. الآن نناقش الإجهاض الإرادي، وغدا نناقش قضية شائكة أخرى بلا حرج أو مواربة أو تهرب لكن بكل تجرد ومسؤولية دينية. فمثلا، ومن القضايا الإشكالية المطروحة على مجتمعنا هناك مشكل "ابن الزنا". فهذه الإشكالية تحمل الحيف الكبير والتجني الأخلاقي والقانوني على المرأة، التي يُحملها المجتمع وحدها وزر خطأ لم تكن الوحيدة المسؤولة عن اقترافه. إذ وفيما يُخلى سبيل الرجل من أي مسؤولية ، يُثقل كاهل المرأة بالمسؤولية القانونية كما الاجتماعية والأخلاقية، فقط لأنها هي من يحمل بين أحشائها نتاج الخطأ. ويتوجب فعلا فتح نقاش جدي ومسؤول وجريئ حول هذه الإشكالية وغيرها من القضايا المجتمعية الشائكة، التي مازلنا نرفض الخوض فيها. فمثلا، قبل أيام، تناقلت وسائل الإعلام محاولة انتحار امرأة مغربية متزوجة بالديار السعودية. لقد بلغ بها اليأس والصبر على العذاب مبلغه ودفع بها إلى السعي إلى الانتحار بالرغم من الحياة الرغدة، التي من المفترض أنها تعيشها بالنظر إلى ثراء الزوج. لكن، سوء المعاملة والإهانة وإكراهها على ما لا تحبه جعلوها تقدم على محاولة وضع حد لحياتها. مثل هذه الحالة تُسائل المجتمع، تُسائل السياسات العمومية في المجال الاجتماعي، وتُسائل الدولة في مقدار حمايتها للمواطنين وتحصينهم ضد الإغراءات الزائفة. فلو أن هذه الفتاة كانت محصنة اقتصاديا وفكريا لما تزوجت من أجنبي بدافع تحقيق حياة أفضل ماديا على حساب كرامتها ونفسيتها.
بالفعل هناك إشكالات وقضايا تتطلب انخراط الفقهاء وعلماء الدين في نقاشها والمساهمة في البحث عن حلول لها .. لكن، نسجل وللأسف غياب الرأي الفقهي في العديد من القضايا، التي تمت إثارتها في الآونة الأخيرة، فلم نسمع رأي وصوت علماء الدين في آفة اغتصاب الأطفال على سبيل المثال..
الموضوع أكبر وأعمق من غياب أو تواري أو صمت العلماء.. فمثلا، أعرف أن حزب النهضة والفضيلة، وللأمانة أنا لا أنتمي إليه ولست متعاطفا مع أي حزب.. هذا الحزب طالب بكوطا خاصة بالفقهاء وعلماء الدين داخل البرلمان على غرار الكوطا الخاصة بالنساء وتلك الخاصة بالشباب. لكنه المطلب، الذي تم رفضه بل تمت محاربته من قبل باقي الأحزاب بشراسة. وبعيدا عن البرلمان، أعتقد أنه من الخطأ التعميم والقول إن العلماء يخرسون ويتجنبون الخوض في الإشكاليات المجتمعية.. إذ، وفيما هناك من يستحلي الجلوس في الكراسي الوثيرة والفضاءات المكيفة وينأى بنفسه عن الخوض في المواضيع الشائكة والمثيرة للجدل ، هناك من يتحدث ويناقش خاصة داخل المساجد عبر الخطب، لكن صوتهم لا يصل بالدرجة الأولى لعدم إمكانية الولوج إلى وسائل الإعلام لإبداء الرأي على نطاق واسع. وهنا، لابد من المطالبة بفتح باب وسائل الإعلام في وجه العلماء للبت شرعيا في كل القضايا والأمور التي تحتاج إلى الرأي الفقهي . وهي الوسيلة الفضلى للتصدي للفكر المتشدد والمتطرف، المنتشر عبر الفضائيات، والنافذ تأثيره في عقول أبنائنا الذين يتابعونه في غياب تام لإعلام ديني مغربي . فتأثير تنظيم داعش واستقطاباته ارتكزت على الاستيلاب عبر الإعلام ووسائط الاتصال المختلفة. وعلى هذا الصعيد، يتعين أن يشتغل العلماء للتصدي للفكر الظلامي. وخاطئ من يعتقد أنه باللجوء إلى الداودية وحدها سيواجه تأثير تنظيم داعش. فجزء من الشباب المغربي يحب أن يسمع آيات من قبيل الآية 39من سورة الأنفال : «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله»، ويتأثر بكل ما له علاقة بالإرهاب والتطرف. لقد آن الأوان أن تُفتح أبواب وسائل الإعلام السمعي والبصري والمكتوب لجميع علماء المغرب وهم كثر وذووا كفاءة عالية لمناقشة وبشكل حر وموضوعي كافة القضايا المجتمعية الراهنة.
هل المجتمع المغربي مستعد على المستوى الثقافي والوعي لفتح نقاشات عمومية حول قضاياه الشائكة؟
العلم مطلوب في كل النقاشات والقضايا. ولا أعتقد أن المغاربة، مع توفير التأطير العلمي اللازم والتحسيس والتوعية، سيرفضون الانخراط في نقاش عمومي ما، على العكس أعتقد أنهم سيفوضون الأمر لذوي العلم والاختصاص ويثقون في خلاصاتهم واستنتاجاتهم. فالمغربي ينصاع للعلم ويثق في صواب أحكام أهل العلم الحقيقيين الذين يتمتعون بالمصداقية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.