الحرب في أوكرانيا.. بوتين يعلن هدنة لمدة ثلاثة أيام    مصر تفتتح "الكان" بفوز مهم على جنوب إفريقيا    المغرب يشارك في الدورة السابعة من القمة الثقافية بأبوظبي    مزور يؤكد التزام المغرب بتعزيز علاقاته الاقتصادية مع الصين    الأداء الإيجابي يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    ترايل أمزميز.. العداؤون المغاربة يتألقون في النسخة السابعة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    منتجع سيدي بوزيد.. الدرك يفكك وكرا للدعارة    تكريم سعيد بودرا المدير الإقليمي السابق لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بالمضيق الفنيدق    الرباط .. انطلاق أشغال النسخة الثالثة من منتدى الحوار البرلماني جنوب-جنوب    الدورة ال 30 للمعرض الدولي للكتاب تستقطب أكثر من 403 آلاف زائر    ندوة توعوية بوجدة تفتح النقاش حول التحرش الجنسي بالمدارس    "البيجيدي" يحسم أسماء أعضاء الأمانة العامة والمعتصم رئيسا للمجلس الوطني    انطلاق جلسات استماع في محكمة العدل الدولية بشأن التزامات إسرائيل الإنسانية    منظمات حقوقية تنتقد حملة إعلامية "مسيئة" للأشخاص في وضعية إعاقة    هيئة حقوقية تدين حملات التشهير ضد ساكنة بن أحمد    انتشال جثة فتى من وادي ملوية بعد اختفائه    الأمن الوطني يوقف مروّج وشاية كاذبة حول جريمة قتل وهمية بابن أحمد    خط جوي مباشر يربط الدار البيضاء بكاتانيا الإيطالية    الذهب يهبط وسط انحسار التوتر بين أمريكا والصين    حزب الاستقلال بالحسيمة يكتسح الانتخابات الجزئية بفوزه بأربعة مقاعد    عبد الله البقالي يترأس أشغال المجلس الاقليمي لحزب الاستقلال بالحسيمة    نزهة بدوان رئيسة لمنطقة شمال إفريقيا بالاتحاد الإفريقي للرياضة للجميع    أسعار النفط تستقر مع بداية الأسبوع    كيم جونغ يقر بإرسال قوات إلى روسيا    مقتل 68 مهاجرا في قصف أمريكي    متصرفو قطاع التربية الوطنية يطالبون بتدخل عاجل من أخنوش    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    بريطانيا .. آلاف الوفيات سنويا مرتبطة بتناول الأغذية فائقة المعالجة    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    بنكيران وحزب العدالة والتنمية.. زعامة تتآكل وسط عزوف القيادات وهروب إلى المجهول    تيزنيت : الوقاية المدنية و الهلال الاحمر درعا السلامة و الأمان ب"سباق النصر النسوي"    رد حكيم من بوريطة.. إسكات استفزازات العالم الاخر ومسه بسيادة العراق    الصين: المغرب ضيف شرف النسخة ال11 لمؤتمر رواد الأعمال لمنتدى التعاون الصيني العربي    كيوسك الاثنين | قرار وزاري يضع حدا لتعقيدات إدارية دامت لسنوات    ثروة معدنية هائلة ترى النور بسيروا بورزازات: اكتشاف ضخم يعزز آفاق الاقتصاد الوطني    المرزوقي يدعو التونسيين لإسقاط نظام قيس سعيد واستعادة مسار الثورة    المشتبه به في قتل مصلّ بمسجد في جنوب فرنسا يسلم نفسه للشرطة الإيطالية    فريق نهضة بركان يتأهل لنهائي كأس الكونفدرالية الإفريقية    شهادات تبسط مسار الناقدة رشيدة بنمسعود بين الكتابة والنضالات الحقوقية    مي حريري تطلق " لا تغلط " بالتعاون مع وتري    "جرح صعيب".. صوت عماد التطواني يلامس وجدان عشاق الطرب الشعبي    العرائش: عزفٌ جنائزي على أوتار الخراب !    التنسيقية الصحراوية للوديان الثلاث وادنون الساقية الحمراء واد الذهب للدفاع عن الارض والعرض تستنكر… ارض الصحراويين خط أحمر    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    فوزي لقجع يهنئ نهضة بركان بعد تأهله إلى نهائي كأس الكونفدرالية    الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب يختتم فعالياته على وقع النجاح    والد لامين يامال: كنت مدريديًا… لكن برشلونة وفر لي لقمة العيش    الأوغندي أبيل شيلانغات والمغربية رحمة الطاهري يتوجان بلقب ماراطون الرباط    منصة رقمية تواكب منتجي الحبوب    بعد ارتفاع حالات الإصابة به .. السل القادم عبر «حليب لعبار» وباقي المشتقات غير المبسترة يقلق الأطباء    منصف السلاوي خبير اللقاحات يقدم سيرته بمعرض الكتاب: علينا أن نستعد للحروب ضد الأوبئة    "المرأة البامبارية" تُبرز قهر تندوف    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التشريع وقوانين المالية: أية مراقبة قبلية؟ 2/2

إن تضمين قوانين المالية مقتضيات قانونية محرمة عليها انطلاقا من الفصل السادس والأربعون من الدستور، بالإضافة إلى المادة الثالثة من القانون التنظيمي لقانون المالية يعتبر خرقا للدستور، ممايتطلب التفكير بجدية في طرق بديلة كفيلة بحماية مجال قوانين المالية من أية مقتضيات دخيلة، خصوصا وأنه في حالة المغرب، وفي غياب جهاز قضائي، مكلف بالمراقبة القبلية لمشاريع النصوص القانونية (مجلس الدولة بالنسبة لفرنسا مثلا)، وإسناد مهمة مراقبة قانونية مشاريع النصوص للأمانة العامة للحكومة، وعلى اعتبار أنه قطاع حكومي ينتمي للجهاز التنفيذي وبالتالي محروم من أية قوة قانونية تعزز موقفه في مراقبة النصوص القانونية أمام المشاريع المقترحة من باقي القطاعات الحكومية، مما يعطي للحكومة قوة مسبقة لتضمين القانون المالي، نظرا لسرعة تمريره و الحصانة التي تمنحها له مقتضيات الفصل الواحد والخمسون من الدستور، وتركيز النقاش بخصوصه حول السياسة الحكومية الاقتصادية والمالية،.
II- القواعد الدستورية للمسطرة التشريعية ما بين القانون العادي والقانون المالي
1- المبادرة التشريعية
بالنسبة للقوانين العادية يحدد الفصل 52 من الدستور أن الوزير الأول وأعضاء البرلمان على السواء حق التقدم باقتراح القوانين وتوضع مشاريع القوانين بمكتب أحد مجلسي البرلمان، مما يوضح أنه بالنسبة للقوانين العادية، فإن الوزير الأول والبرلمان، هما صاحبا حق المبادرة التشريعية، بينما يختلف الأمر بالنسبة لقانون المالية، حيث يحدد الفصل 32 من القانون التنظيمي للمالية أن الوزير المكلف بالمالية هو من يتولى تحضير مشاريع قوانين المالية تحت سلطة الوزير الأول، مما يبين أن منح حق تهيئ مشروع القانون المالي إلى وزير المالية تحت سلطة الوزير الأول يبين أن القاعدة الدستورية و القاعدة التنظيمية أرادت أن تؤكد أن طبيعة هذا المشروع القانوني هي طبيعة ذات كنه ومحتوى إداري صرف .
2- الآجال المحددة لوضع مشاريع واقتراحات القوانين العادية ومشروع قانون المالية بالنسبة للقوانين العادية. يحدد الفصل 54 من الدستور أن مشاريع واقتراحات القوانين تحال على لجان لأجل النظر فيها، ويستمر عمل هذه اللجان خلال الفترات الفاصلة ما بين الدورات، بينما يختلف الأمر بالنسبة لقانون المالية، حيث حددت المادة 33 من القانون التنظيمي للمالية أن مشروع قانون المالية يودع بمكتب أحد مجلسي البرلمان قبل نهاية السنة المالية بسبعين يوما على أبعد تقدير، حيث حدد المشرع التنظيمي (المشرع المختص بإصدار القوانين التنظيمية) أجال محددة لوضع مشروع القانون المالي بأحد مجلس البرلمان.
3- تحديد طبيعة الوثائق المرفقة بالمشروع.
إذا كان الدستور لم يحدد أية وثائق مرفقة بالنسبة لمن يضع القوانين أو مقترحات القوانين العادية، فإن القانون التنظيمي للمالية قد حدد في الفقرة الثانية من المادة 33، أن مشروع قانون المالية يشفع بتقرير تعرض فيه الخطوط العريضة للتوازن الاقتصادي والمالي والنتائج المحصل عليها والآفاق المستقبلية والتغييرات التي أدخلت على المداخيل والنفقات وتلحق بالتقرير المذكور وثائق تتعلق بنفقات الميزانية العامة وبعمليات الحسابات الخصوصية للخزينة وبمرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة وبالمؤسسات العمومية، ويحال المشروع في الحين إلى لجنة تابعة للمجلس المعروض عليه الأمر قصد دراسته.
مما يبين طبيعة الاختلاف بالنسبة للتنصيص على نوعية موضوع الوثائق الواجب إرفاقها بمشروع القانون المالي، بينما لم يحدد المشرع الدستوري أية وثائق مصاحبة لمشاريع ومقترحات القوانين العادية.
4- قبول المقترحات والتعديلات:
إذا كان الفصل الثالث والخمسون من الدستور يحدد أن للحكومة أن تدفع بعدم قبول كل اقتراح أو تعديل لا يدخل في اختصاص السلطة التشريعية، وكل خلاف في هذا الشأن يفصل فيه المجلس الدستوري في ظرف ثمانية أيام بطلب من أحد مجلسي البرلمان أو الحكومة، وهي قاعدة قانونية تطبق على القوانين العادية وقانون المالية، بينما قيد الفصل 51 من الدستور إمكانية التقدم بمقترحات وتعديلات إذا كان قبولها يؤدي بالنسبة للقانون المالي، إما إلى تخفيض الموارد العمومية وإما إلا إحداث تكليف عمومي أو الزيادة في تكليف موجود، مما يوضح أن المشرع الدستوري قيد سلطة أعضاء البرلمان في التقدم بمقترحات وتعديلات تخص موضوع القانون المالي وبالتالي منح الدستور و القانون التنظيمي للمالية المهيأ حصرا من طرف وزير المالية تحت سلطة الوزير الاول، نظرا لخصوصيته الإدارية الصرفة حماية وقوة أمام المقترحات و التعديلات المقترحة من طرف مجلسي البرلمان، رغم أن المشروع يصادق عليه من طرف البرلمان ولكن يستفيد من المسطرة التشريعية الخاصة، لهذا يمنع تمرير نصوص تشريعية عادية ضمن القانون المالي .
5- موضوع القوانين العادية والقانون المالي
إذا كان موضوع القانون العادي قد حدد بشكل عام من خلال المشرع الدستوري في الفصل السادس والأربعين، إلا أن موضوع القانون المالي قد حدد بشكل صريح من خلال تحديد الفصل الخمسين من الدستور أن قانون المالية يصدر عن البرلمان طبق شروط ينص عليها قانون تنظيمي، وبالعودة الى القانون التنظيمي وخصوصا في المادة الثالثة في القانون التنظيمي للمالية. حيث نصت هذه الأخيرة على أنه لا يمكن أن يتضمن قانون المالية إلا أحكاما تتعلق بالموارد والتكاليف أو تهدف إلى تحسين الشروط المتعلقة بتحصيل المداخيل وكذلك مراقبة استعمال الأموال العمومية، كما أن المادة 27من نفس القانون التنظيمي، قد حددت بشكل دقيق محتوى وموضوع قانون المالية، وإذا كانت الحكومة قد تعودت على إعطاء مفهوم واسع للصيغة الواردة في المادة الثالثة من القانون التنظيمي للمالية (انظر في هذا الصدد ملاحظات المجلس الأعلى للحسابات الواردة في تقريره لسنة 2007، وجواب الأمانة العامة للحكومة ووزارة المالية على هذه الملاحظات، والمتعلقة خصوصا بفقرة- وكذا مراقبة استعمال الأموال العمومية- فإن موضوع مراقبة استعمال الأموال العمومية يبقى محددا من خلال الفصل السادس من المرسوم التطبيقي للقانون التنظيمي للمالية والتي حددت محتوى هذه الفقرة في اصدار النصوص المتعلقة بالمحاسبة العمومية وكذلك النص المتعلق بالصفقات العمومية، وأخيرا النص المتعلق بمراقبة الالتزام بنفقات الدولة، مما يتضح معه أن محتوى القانون محدد بشكل دقيق مما يجعل معه أي إقحام لنصوص تشريعية غير مطابقة لموضوعه عملية لاتحترم مقتضيات الدستور والقانون التنظيمي للمالية وبالتالي غير دستورية (أنظر كذلك لتوضيح ذلك القانون التنظيمي للمالية السابق وخصوصا المادة السابعة و العشرين منه).
6- الآجال المحددة للبرلمان للمصادقة على المشاريع والمقترحات المتعلقة بالقوانين العادية مشروع القانون المالي حدد الفصل الخامس والخمسين من الدستور، الآجال المحددة لمناقشة النصوص القانونية العادية، بينما بالنسبة للقانون المالي فقد حدد المادة 34 من القانون التنظيمي للمالية الآجال المحددة للبت في مشروع قانون المالية، مما يثبت الاختلاف حيث أنه بالنسبة للقانون العادي يخضع للقواعد الدستورية، بينما الأمر مختلف للقانون المالي، حيث يخضع للقواعد المحددة بقانون تنظيمي وشتان ما بين الدستور والقانون التنظيمي -دون إغفال الاختلافات الواردة في محتوى النص الدستوري الخاص بالآجال ومحتوى النص التنظيمي المتعلق بنفس الموضوع-
7- طريقة التصويت على القوانين العادية وعلى قانون المالية
حدد الفصل السابع والخمسون من الدستور أن المجلس المعروض عليه النص يبت فيه بتصويت واحد على النص المتناقش فيه كله أو بعضه إذا ما طالبت الحكومة ذلك مع الاقتصار على التعديلات المقترحة أو المقبولة من طرف الحكومة، أما الفصل الثامن والخمسون فيحدد الحالة التي تتم فيه المصادقة على النص المعروض بالأغلبية المطلقة لأعضائه، هذا بالنسبة للقانون العادي أما بالنسبة لقانون المالية فتحدد المادة 34 من القانون التنظيمي كيفية التصويت على القانون المالي، مما يوضح الاختلاف من حيث طبيعة النص الذي ينظم كيفية التصويت، فبالنسبة للقانون العادي القواعد الدستورية هي التي تنظم كيفية التصويت، أما بالنسبة للقانون المالي فإن القانون التنظيمي هو من يقوم بذلك، دون الحديث عن الاختلاف في طريقة التصويت ما بين النص الدستوري والنص التنظيمي (نسبة للقانون التنظيمي)
8- خصوصية القانون العادي والقانون البرلماني
من المعروف أن القانون العادي يضع قواعد تتميز بخصوصية معينة منها العمومية والمرتبطة أساسا بكنه القاعدة ومجال تطبيقها، بالإضافة إلى الخاصية الثانية والمتمثلة في كون أن القاعدة القانونية مجردة، وأخيرا كون القاعدة القانونية ملزمة، أما بالنسبة للقانون المالي فله خاصية مختلفة عن القانون العادي، وحسب المادة الأولى فهو يتوقع بالنسبة للمواريد والتكاليف، ويقيم هذه المواريد والتكاليف، وينص عليها، ويأذن بها ويحدد التوازن الاقتصادي والمالي، وهو ذو طبيعة سنوية، مما يوضح الاختلاف الجلي في خصوصية القانونيين العادي والمالي وبالتالي عدم إمكانية تهريب المقتضيات القانونية العادية ضمن القانون المالي و العكس كذلك.
III- المجلس الأعلى للحسابات ينتفض ضد عملية إقحام مقتضيات قانونية عادية ضمن قوانين المالية
اعتادت الحكومة ممثلة بوزارة المالية وتحديدا مديرية الميزانية وبموافقة الأمانة العامة للحكومة على اعتبار مشروع القانون المالي مجالا خصبا تدرج من خلاله، كل النصوص القانونية كيفما اختلفت مواضيعها ، وهكذا وفي تحدي صارخ وفاضح للقواعد الدستورية، التي وجدت لتحترم من طرف المشرع والجهاز التنفيذي عمدت الحكومة الى تضمين قوانين المالية.
قواعد من القانون التجاري، الوظيفة العمومية، قانون السير....إلى قانون المحاكم المالية، ولكن إغارة القانون المالي على قانون المحاكم المالية لم تمر مرور الكرام، بل دفع الأمر، المجلس الأعلى للحسابات إلى الرد، سواء عن طريق المراسلات، ما بين المجلس ووزارة المالية، ثم ما بين المجلس والأمانة العامة للحكومة، وفي آخر المطاف الإشارة إلى ذلك ضمن تقريره العام لسنة 2007، وهو تقرير يقدم إلى ملك البلاد، كما لو أن المجلس كان يطلب تدخلا حازما من الملك لاستعمال صلاحياته المخولة له دستوريا، لإلزام أصحاب المبادرة التشريعية الخاصة بالقانون المالي إلى احترام الدستور بقوة القانون، من خلال اقتراح تغيرات تضمن تحقيق الهدف، ومنها إحياء ما سبق أن طالب به الملك الراحل عند مطالبته بإنشاء مجلس الدولة المغربي الذي نظرا لطبيعته القضائية بإمكانه أن يوقف كل ما ليس له علاقة بموضوع قانون المالية منذ البداية أثناء رقابته القبلية على المشاريع القانونية المقدمة من طرف الحكومة .هذا من جهة ومن جهة أخرى، في نظرنا فإن المجلس الأعلى للحسابات أراد أن ينبه الأمانة العامة للحكومة ووزارة المالية وخصوصا مديرية الميزانية ومن خلالهما الحكومة إلى أنه قد يكون له تصرف مغاير في التعامل مع النصوص القانونية الدستورية بتجاهل التغييرات التي أتت بها قوانين المالية، في تحدي سافر لمحتوى الفصل السادس والأربعون من الدستور ومحتوى الفصل الثالث من القانون التنظيمي للمالية
1- هل يمكن اعتبار القاعدة القانونية العادية المغيرة بمقتضيات واردة في قانون المالية، كما لو أنها لم تخضع لأي تغيير.
قال مونتسكيو « في بعض الحالات يصير لزاما تغير بعض القوانين ولكن الحالات قليلة، وعندما يحدث ذلك، يجب أن نفعل ذلك بأيادي مرتعشة.
يقول الفقيه فيديل في كتابه القانون الإداري ص: 275 أن القانون هو الإجراء المتخذ من طرف أجهزة تمارس السلطة التشريعية ووفق المسطرة التشريعية، « ولكن فقهاء الأمانة العامة للحكومة لا يرون في القانون إلى الإجراء المتخذ من طرف البرلمان، ولا يعترفون مطلقا بالجزء الثاني، الذي يلزم باحترام المسطرة التشريعية، سواء منها العادية وهي المختصة بالقانون العادي أو المسطرة الخاصة، وهي المطبقة بالنسبة للقوانين الدستورية والقوانين التنظيمية وقوانين المالية، مما يجعل النصوص القانونية الصادرة عن البرلمان والتي لم تحترم المسطرة الدستورية، نصوصا غير دستورية، وخصوصا عندما يكون النص الأصلي، الذي يغير بمقتضيات، واردة في القانون المالي، لم يحترم المسطرة الدستورية.
أن المحكمة المالية المنتفضة في وجه الأمانة العامة للحكومة، بعد أن أقدمت هذه الاخيرة على تغيير مقتضيات مدونة المحاكم المالية انطلاقا من قانون المالية، قد تلجأ إلى اعتبار النصوص المغيرة بأنها لم تخضع لآي تغيير، على اعتبار أن هذه التغييرات لم تحترم المسطرة التشريعية المنصوص عليها دستوريا، وتحكم انطلاقا من النصوص التي احترمت الدستور وتتجاهل التغييرات الواردة بالقانون المالي.
فرغم أن القاضي غير مخول له المراقبة الدستورية (المخول فقط للمجلس الدستوري وفق شروط محددة) ولكنه بإمكانه أن يعتبر أن النصوص القانونية التي بين يديه نصوصا قانونية لم تخضع لآية تغيير مطابق للدستور، وبالتالي تعتبر غير دستورية كما استنتج ذلك المجلس الدستوري الفرنسي عند مراقبته لدستورية القوانين، حيث اعتبر أن هناك خرقا للدستور عندما لا تحترم ما سما ها بالدستورية الخارجية للقوانين وخصوصا عند عدم احترام القواعد ذات القيمة الدستورية والمتعلقة بالمسطرة التشريعية (أنظر قرار المجلس الدستوري الفرنسي رقم 75-57 بتاريخ 23 يوليوز 1975).
مما سيحدث فوضى قانونية ناتجة عن عدم احترام مقتضيات الدستور وعن عدم تدارك الأمر مباشرة بعد صدور تقرير المجلس الأعلى للحسابات وتضمينه ملاحظاته الواضحة على خرق الدستور عن طريق القانون المالي، تنبيهه إلى ذلك مسبقا عن طريق المراسلات التي تضمنت ملاحظاته على المشاريع، ولكن الأمانة العامة للحكومة وهي فقط إدارة تابعة للجهاز التنفيذي وصاحب الملاحظات جهاز قضائي منصوص عليه دستوريا، تتحدى ملاحظات جهاز منصوص عليه دستوريا دون أن يرفع الخلاف إلى السيد الوزير الأول لطلب رأي المجلس الدستوري، ولكن الحكومة التي يبدو أنها كانت متيقنة من الرأي السلبي للمجلس الدستوري فعمدت إلى وضع المجلس الأعلى للحسابات أمام الأمر الواقع، واستدعى منه كذلك ردة فعل تمثلت في رفع الأمر في تقرير علني إلى ملك البلاد. لهذا وجب تدارك الأمر قبل استفحاله ومطالبة الأمانة العامة للحكومة بالعودة في ممارستها إلى مضلة المشروعية الدستورية، وخصوصا عند عرض مشاريع قوانين المالية عليها لإبداء الرأي، وخصوصا أن الحكومة عملت على تحسين الوضعية المالية لأطر الأمانة العامة للحكومة المكلفة بالدراسة حتى تكون في مستوى الآمال المعقودة عليها، شرط ان يتم اختيار هذه الأطر من ذوي الخبرة و التجربة الميدانية، وعند ذلك قد يتم استحقاق الكلفة المالية و تظهر نتائجها على مستوى نوعية النصوص القانونية ، وكذلك الشأن بالنسبة لمديرية الميزانية، حيث من المفروض أن يعمل المسؤولون بداخلها على إعطاء الفرصة للقانونيين بداخلها من اجل بلورة صورة مشرفة عن المالية من خلال إخراج مشاريع قوانين المالية، تحترم الدستور والقانون التنظيمي للمالية وبالتالي تحترم المشروعية، وخصوصا أن احترام النصوص القانونية للدستور هو فن وليس فقط علم، كما يقر بذلك رئيس المجلس الدستوري الفرنسي عند تأكيده على ، أن مراقبة مدى احترام النصوص القانونية للدستور هو فن وليس فقط علم مما يقترض أن الفن يتطور ويتحسن عبر الزمن.
ولكن الحال في المغرب كما في فرنسا، فإن تمرير نصوص قانونية بالقانون المالي، أو تمرير مقتضيات قانونية في نصوص غير مطابقة لها صار في ازدياد عن السابق مما يتطلب وقفة حقيقية من أجل احترام المقتضيات الدستورية.
الخاتمة:
إن بناء دولة الحق والقانون ودولة المؤسسات لايمكن أن يتم إذا لم يكن كل جهاز يحترم الاختصاصات التي يحددها له الدستور.
أن الالتزام بالمشروعية التي تتمخض عن سيادة الدستور وما تفرضه من ضرورة الالتزام بالقاعدة القانونية الأعلى في مجال تدرج القواعد القانونية، وكما يقول الاستاذ بارتلمي، فإن مبدأ المشروعية يفرض على الجميع احترام القانون، فإنه يفرض من باب اولى احترام الدستور الذي هو القانون الاعلى للبلاد (barthèlmy et duez ;traité du droit constitutionnel p : 183 ) ولكن احترام المشروعية يقتضي التعجيل بإنشاء مجلس الدولة المغربي كما سبق للملك الراحل أن طالب إبان ترؤسه للمجلس الأعلى للقضاء، حتى تتعزز دولة الحق والقانون، وخصوصا على مستوى محتوى وصياغة النصوص القانونية، التي لا يمكن الاستمرار في إسناد دور المراقبة القبلية لمشاريع النصوص القانونية للجهاز التنفيذي (الأمانة العامة للحكومة) لأن الممارسة أثبتت بما لايدع مجال للشك أنها غير قادرة على إيقاف النزيف، وما الخلاف العلني مع المجلس الأعلى للحسابات إلا دليلا على ما نقول، وإذا لم يتم تدارك الأمر، فإن الخلاف قد يتوسع إلى أجهزة أخرى، وتفقد بالتالي القاعدة القانونية، مشروعيتها ومكانتها، وينتج عن ذلك تعميم تجاهل المقتضيات الدستورية، لأن جهازا أنشأه الدستور، وحدد لها مجال عمله، يتمرد على مقتضيات دستورية، مما يضرب في الصميم دولة المؤسسات ودولة الحق والقانون، وكما قال مونتسكيو: القانون يجب أن يكون له سلطة على الأشخاص، وليس الأشخاص على القانون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.