يعيش نساء ورجال الإدارة التربوية بالسلك الابتدائي محنة حقيقية في غياب الدعم المادي والمعنوي و اللوجيستيكي اللازم للاطلاع بالوظائف اليومية التي يقومون بها مقابل تأمين الموسم الدراسي وحماية حق التلاميذ في التحصيل الجيد ، مسؤوليات متعددة ، مهام مضنية ، ومتاعب مادية لا تنتهي ...في هذه الورقة خلاصة لهذه المحنة .. تدبير البريد : بالنسبة للمديرين بالعالم القروي يعتبر تدبير البريد من أكبر المشاكل لأنه يرتبط بأهم مجال تدبيري وهو مجال التواصل التربوي والإداري ، فالمصالح الوصية لم تبدع أية طريقة لتذليل الصعوبات المتعلقة بهذا المجال إذ يضطر رئيس المؤسسة إلى التنقل أسبوعيا إلى النيابة والوقوف بجانب شباك المكتب البئيس الخاص بالبريد يتلقى صياطا من أشعة الشمس المحرقة أو وابلا من الأمطار حتى يحصل على الوثائق التي تهم المؤسسة والعاملين بها وقد تنتهي صلاحية بعض الوثائق آو الاستدعاءات أساسا مما يضطر معه إلى استهلاك تعبئته الهاتفية الخاصة ليخبر بها المعنيون بالحضور في ندوة تكوين أو المشاركة في امتحان مهني أو تسليم وثائق أو تصحيح وضعية ولايتهم في هذا التأخير ألا المدير وحده ، علما أن البريد يجب أن يكون مسترسلا ومحينا وسريعا لا أن يكون شحنة ينتظر أن يحمله الحامل إلى عنوانه. ولحد الساعة فإن المديرين في العديد من النيابات اتخذوا قرارا برفضه إلى حين وضع معايير وإمكانيات لتدبير هذا الملف المستعصي على رؤساء المؤسسات وقد يتهمون في بعض الأحيان بالإهمال والتأخير من طرف الرؤساء والمرؤوسين معا.وهو أصلا لا يتلقى تعويضات عنه بل ليس مؤمنا حتى في حياته إنما يقطع المسافات بين مقر العمل والنيابة خارج أوقات العمل، يل لأنه مع تطبيق المدونة الجديدة غالبا ما يتلقى غرامات مالية إضافية باستعمالهم لسياراتهم الخاصة والتي أصبحت مع البريد الحالي سيارات مصلحة مهمتها التنقل ذهابا وإيابا بين المؤسسة والنيابة. غياب الاطر الادارية المساعدة أصبح المديرون في العالم القروي أشبه بكتاب ضبط يدونون ويراسلون ويبلغون وينفذون بدون طاقم اداري أو فريق يعمل في اطار التدبير التشاركي كما تنص على ذلك المذكرات الوزارية والمراسيم والمساطر المعمول بها: و المدير هو الممون والمقتصد: يتكلف باستخلاص واجبات التسجيل والتأمين والحسابات والمصاريف والمداخيل دون أن يكون له الحق في ذلك في غياب الممونين وملحقي الاقتصاد والادارة لايجد المدير بدا من أن يتطوع للقيام بهذا الاجراء الاداري حفاظا على مصالح التلاميذ وتيسيرا لعملية الدخول المدرسي في وقتها المحدد قانونيا ، ومن شأن هاته العملية أن تسبب للمديرين مشاكل إدارية وتنظيمية لأنها غير مقررة وغير مسموح بها إداريا وقانونيا. فهل سيضطر المدير القروي أو حتى الحضري إلى الكف عن هاته العملية مما سيعطل كل عمليات الدخول المدرسي؟ تدبير برنامج تيسير الذي استحدثه الوزارة في العالم القروي لتشجيع التمدرس والاحتفاظ بالتلاميذ داخل المؤسسات التعليمية ، فالقانون بفرض من المدير أن يشرف شخصيا على هاته العملية من خلال التتبع اليومي لغياب التلاميذ وإشعار أولياء أمورهم لكن ماهو اخطر أن الوزارة ترى بأن الأمهات هن اللواتي يجب أن يتوصلن بهاته المساعدات المالية المشروطة ولو بنسبه هامة غير انه في العالم القروي الأغلبية الساحقة من الأمهات لا يتوفرن على بطائق التعريف الوطنية مما يجبر المدير إلى إخبار المصالح الادارية المسؤولة بالتدخل لحل هاته المعضلة الاجتماعية والإدارية كأخبار رجال السلطة ورجال الأمن الوطني لانجاز الوثائق والتنقل إلى المراكز لتسليم وتسلم الوثيقة ، وهاته العملية تسبب إحراجا كبيرا لتمرير هذا البرنامج الذي ليس يسيرا في انجازه وضبطه ومراقبته وتتبعه وكل هاته العمليات يقوم بها المدير لوحده دون أن يتلقى أي تعويض أو أي امتياز إداري مما سيشكل إجحافا في حقهم. الإشراف على عملية «مليون محفظة» منذ أن استحدثت هاته العملية والمديرون يعانون كثيرا من هاته الظاهرة الناجمة عن العديد من الاختلالات من قبيل: تأخير تسليم الكتب والأدوات المدرسية مما يتسبب في تعطيل وتأخير الدخول المدرسي. الاصطدام مع الأباء والأمهات الذين لا يفهمون ولا يريدون أن يفهموا أن العملية ليست من إبداع وخلق المدير بل هو فقط صلة وصل بين المؤسسة والنيابة المشرفة على التوزيع وكثيرا ما تحدث مشاجرات وصدمات وشكايات ناجمة عن هاته العملية لكون الأباء لا يعرفون مسطرة التوزيع أو الاستفادة بل يعتبرون العملية حقا لهم ولا يمكنهم أن يسمحوا لأبنائهم بولوج المؤسسة إلا بعد الحصول على المقررات والكتب المدرسية. وبالنسبة للدراسة فان الأساتذة هم كذلك ضحايا هذا التأخير في انتظار حصول الجميع على الكتب المدرسية وسنة بعد أخرى تحصل تعثرات كثيرة تهم هاته العملية بالأساس ويبقى دائما ذلك المدير هو المتهم الرئيسي في عملية التأخير علما إن المسألة لاتهمه بقدر ما تهم الجهات المعنية بالنيابة لأنها المتحكمة في التسليم والتسلم، وما هو اخطر واقهر إن ذاك المدير هو المسؤول عن التنقل إلى النيابة وحملها إلى المؤسسة وتسجيلها في كتب الجرد وتسليمها إلى التلاميذ والتلميذات وتنبيه أولياء الأمور إلى المحافظة على سلامتها إلى نهاية السنة الدراسية، وهو في نفس الآن مطالب أن يقدم الحساب في نهاية الموسم الدراسي في غياب قيم على المكتبة أو أي مسؤول إداري آخر يشاركه المهمة . تتبع دفتر التلميذ :أضيفت مهمة ضبطية جديدة للمدير ليقوم بعملية مراقبة وتتبع دفتر جديد تحت اسم «دفتر تتبع التلميذ»وهذا الدفتر الذي أريد له أن يكون بمثابة ملف تربوي للتلميذ يتتبعه المدير بتنسيق مع فريق من الأساتذة خصوصا أساتذة مواد اللغة العربية والفرنسية والرياضيات، يدونون فيه ملاحظاتهم ويبرزون فيه ملكاتهم إما لتعزيز هاته المكتسبات والكفايات أو لدعمه وتقويمه حتى يستطيع اكتساب الكفايات المستهدفة ويشكل الأستاذ الكفيل صاحب العملية لكونه يبقى المنسق بين المدير وأساتذة المواد المحددة وعلى المدير أن يحين في كل وقت وحين معطيات التلميذ مع تتبع وضعيته المدرسية ومكتسباته الدراسية وهذا عبء أكبر على المدير لأن العملية أصلا تحتاج إلى إشراك المفتش في العملية مادام أنها تعني المكتسبات والكفايات المرجوة.فلماذا تم إغفال طاقم التفتيش في هاته العملية وإبقائها تحت إمرة ومسؤولية المدير. تأمين الزمن المدرسي : اختارت الوزارة إصدار مذكرة تحت رقم:154 تحث على تأمين الزمن المدرسي وزمن المتعلم بعدما فشلت في السنتين الماضيتين من تنفيذ مخططها القائم على شبكة تقويم أداء الموظفين، حيث استطاع رجال ونساء التعليم بمساندة من نقاباتهم من وقف وإيقاف فصول هاته الشبكة فتراجعت الوزارة ، لتعود اليوم بمخطط آخر وتدبير آخر ينم عن دفاع الوزارة على حق التلميذ من الاستفادة من حصصه الدراسية واستعملت لفظة التأمين لكن حين لجأت إلى أجرأة هاته المسطرة لم يحالفها الحظ في مواجهة باقي الأطراف الفاعلة في العملية واختارت أن تصوب سهامها نحو المدير لأنه الصيد الثمين والسهل فهل حقا يستطيع مدير مؤسسة أن يكون مسؤولا عن كل العمليات الواردة في المذكرة من ضبط ومراقبة وإحصاء ومعالجة غياب التلاميذ والأساتذة وتدبير هذا الغياب بتوفير القاعات والمراقبين؟ في حين أن الأصل في المشكل هو معالجة التأخر الدراسي وتوفير شروط أفضل للحياة المدرسية وتكييف الإيقاعات الزمنية مع المحيط عوض استعمال أسلوب التهديد والوعيد وتحميل المسؤولية كاملة لرئيس المؤسسة لوحده ... السكن الوظيفي: يعتبر السكن الوظيفي من ابسط الحقوق التي يمكن أن تقدم لهؤلاء الجنود الذين يرابطون في الجبال والفيافي لأجل محاربة الجهل والأمية . فكم من مدير يفترش مكتبه ليجعله مقر سكناه وكم من مدير يتنقل عشرات الكيلومترات بين سكناه ومقر عمله؟ وكم من مدير يسكن في كهف أو غار يسمى سكنا وظيفيا في غياب أدنى شروط السلامة والكرامة لا ماء ولا إنارة ولا مرافق صحية ؟ وكم من مدير يقتطع له من راتبه مقابل سكن وظيفي لم تكتمل أشغال بنائه؟ وكم من مدير يمني النفس أن يرى نفسه بجانب وبقرب المؤسسة ليكون قريبا من معالجة كل القضايا التربوية المستعجلة. إن السكن الوظيفي شرط أساسي للاستقرار خصوصا في العالم القروي وهو مالا يتوفر اليوم مما يدل على أن الوزارة اختارت مجانبة استحقاق هؤلاء المديرون والاصطفاف ضد حقوقهم وكرامتهم