في كل استحقاق سياسي في المغرب كان يثار وسط الطبقة السياسية سؤال مركزي يرتبط بأي نمط للاقتراع يتوجب تطبيقه في الانتخابات المغربية، و للحديث عن ذلك كان لابد من استحضار كرونولوجي لأشكال الاقتراع التي ارتبطت بالانتخابات المحلية و استرجاع بعض التحليلات الرصينة لرجالات سياسة و أكاديميين . انتخابات 1960 .. بتاريخ 29 ماي 1960 أجريت أول انتخابات وسط نقاش سياسي محتدم بين القصر و المعارضة. الدولة آنذاك اهتدت لوضع قانون للانتخابات المحلية لضمان انتخابات نزيهة و توفير ضمانات سياسية و قانونية تبدأ بضبط التسجيل في اللوائح الانتخابية إلى حين الإعلان عن النتائج، لكن نقطة التجادب التي ظلت مثار خلاف هو نمط الاقتراع في حد ذاته الواجب تطبيقه. القصر كان يدافع في اتجاه تبني نمط الاقتراع الأحادي الإسمي، بينما زعماء المعارضة كانوا يلحون و يدافعون عن الاقتراع النسبي باللائحة . انتخابات 1976 .. بفعل الأحداث السياسية التي توالت في المغرب منذ إعلان حالة الاستثناء و الإصلاحات الدستورية و الإعلان عن انطلاق المسيرة الخضراء، حصل ما يمكن أن نسميه في الأدبيات السياسية بالتوافق بين «المؤسسة» و المعارضة ، لم يحصل نقاش حول نمط الاقتراع بل كان الحديث يدور حول النزاهة و الأثر السياسي الذي يراد لهذه الانتخابات ، في استبعاد لنمط الاقتراع أو شكله، مرت الانتخابات و تم إعمال نمط الاقتراع الإسمي الأحادي . انتخابات 1983 .. هذه الانتخابات و ما رافقها من تدخل للسلطة في تشكيل الخريطة السياسية للبلاد أجريت بمشاركة 11 حزبا و عرفت تقطيعا انتخابيا جديدا بتعديلات مهمة انتقل فيها عدد الدوائر الانتخابية من 13520 إلى 15500 دائرة أي بزيادة 2000 دائرة جديدة، و ارتفع عدد الجماعات المحلية إلى 859 أي بزيادة 58 جماعة. انتخابات 1992 .. خلالها تم إحداث لجنة وطنية و لجان إقليمية للسهر على العملية الانتخابية و تم تبني وضع لوائح انتخابية جديدة . أجريت الانتخابات وسط جدل جديد حول نمط الاقتراع بين الأغلبية الحكومية و المعارضة السياسية داخل البرلمان. المعارضة كانت تطالب بتطبيق الاقتراع العام اللائحي و بالتمثيل النسبي بأكبر بقية و تخفيض سن التصويت إلى 18 سنة مع توفير الضمانات بخصوص تركيب لجان إدارية مكلفة بوضع و مراجعة اللوائح و إحداث هيئة وطنية مستقلة للسهر على العمليات الانتخابية . الراحل الحسن الثاني دعا إلى تأسيس لجنة للتحكيم و لجنة وطنية لمتابعة سير الانتخابات. انتخابات 1997 .. عرفت إخراج مدونة للانتخابات من خمسة أبواب تحتوي على 301 مادة ، و نصت على إجبارية التسجيل باللوائح الانتخابية و تضمنت أحكاما مشتركة للتنظيم و الانتخاب و التمويل و استعمال الوسائل السمعية البصرية العمومية . و لم يكن مرة أخرى النقاش ممركزا حول نمط الانتخاب لأسباب سياسية ارتبطت بالأجواء العامة التي عرفتها المملكة بين المعارضة التاريخية مجسدة في الاتحاد الاشتراكي و الراحل الحسن الثاني و التي توجت بإعلان مشروع التناوب الذي قاده الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي . انتخابات 2003 .. انطلقت بمشاركة 26 حزبا يوم 12 شتنبر 2003 على أرضية قانون انتخابي و ميثاق جماعي وقع فيهما تعديل عميق ، و ميثاق شرف رعته وزارة الداخلية بين الأحزاب السياسية و الدولة وسط انفراج كبير سجله المراقبون بارتياح ملحوظ ، لكن سؤال نمط الاقتراع ظل النقاش فيه هامشيا إن لم نقل مغيبا و لم يحضر كمدخل أساسي لإخراج انتخابات تحوز على المصداقية و لا تلصق بها صفة التزوير . لكن يمكن القول أن انتخابات 2003 تم المزج فيها بين نمط الاقتراع باللائحة و نمط الاقتراع الأحادي الإسمي. 159 جماعة فقط طبق فيها الاقتراع باللائحة، في حين أن 1388 جماعة عرفت اعتماد الاقتراع الأحادي الإسمي.