في البرلمان المغربي ، هناك آلية تعكس مدى نجاعة الفرق والنواب والمستشارين في إغناء الترسانة القانونية، وتصحيح اختلالاتها وقوننة مضامين البرامج الانتخابية في نصوص يتم من خلالها إبراز التوجهات السياسية والايديولوجية في مجالات الاقتصاد والتنمية والقطاعات الاجتماعية. هذه الآلية هي مقترح قانون. وإذا كانت مكونات البرلمان تعبر عن مواقفها ووجهات نظرها أثناء مناقشاتها، سواء داخل اللجن أو الجلسات العامة بشأن مشاريع القوانين، وتتقدم بتعديلات تنسجم مع خياراتها، فإن مقترحات القوانين هي إنتاج خالص للأحزاب السياسية من خلال أعضائها بالمؤسسة التشريعية . وهذه الآلية الدستورية تعد من بين المؤشرات التي يمكن بها قياس دينامية البرلمان، وقدرة أعضائه على إخراج القوانين من جمودها، أو سد الثغرات التي تكمن - من وجهة نظر المبادرين- في هذه القطاع أو ذاك. كما أنها مؤشر لمعرفة المستوى السياسي والقانوني والفكري الذي يتمتع به «نواب الامة» . وإذا كانت مشاريع القوانين تأخذ مسارها الدستوري من مجلسي الحكومة والوزراء الى لجان وجلسات البرلمان، فإن «أصلها القانوني» يعود الى الجهاز التنفيذي . أما مقترح القانون فلا يأخذ هذا المسار ولايخرج من جلباب الحكومة، لكن «يحيل رئيس مجلس النواب مقترحات القوانين المقدمة من لدن النواب الى الحكومة 30 يوما قبل إحالتها على اللجان الدائمة ، وإذا انصرم الاجل أمكن للجنة المختصة برمجة دراستها»(المادة 95 من النظام الداخلي) . وبالاطلاع على الانتاج التشريعي بمجلس النواب، نجد أن الولاية التشريعية الحالية التي انطلقت في اكتوبر 2007، شهدت الموافقة على 93 مشروع قانون من بين ال 111 التي عرضت عليها، بينما لم تتم المصادقة سوى على 9 مقترحات قوانين من ال 82 المحالة على اللجان النيابية. في الدورة الماضية، دورة أبريل ، توصل المجلس ب 36 مشروع قانون وصادق على 25 مشروعا، «أما مقترحات القوانين، فمازالت مساهمتها ضعيفة في الانتاج التشريعي، ذلك أن المجلس لم يتوصل في هذه الدورة بأي مقترح قانون ، في حين صادق على مقترحين اثنين ...»(مقتطف من وثيقة رسمية للمجلس). ويوجد اليوم أمام اللجان النيابية الست، 64 مقترح قانون تم تقديمها من طرف الفرق. ومن أبرز اللجان التي تتدارس هذه المقترحات لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان (31 مقترحا) ولجنة المالية والتنمية الاقتصادية (18 مقترحا) . وقد قدم الفريق الاشتراكي منذ 2007 الى اليوم، 19 مقترحا والحركي 16 والاستقلال 15 والعدالة والتنمية 13 . أما داخل مجلس المستشارين، فلم يتم تقديم سوى ثلاثة مقترحات. وليست الولاية التشريعية الحالية هي التي تشهد فقرا مدقعا في المصادقة على مقترحات القوانين ، فمنذ اكتوبر 2002 صادق المجلس على اكثر من 300 مشروع قانون وعلى 14 مقترح قانون فقط . في فرنسا مثلا هناك اعتبار سياسي وبرلماني لمقترح القانون . فما بين يونيو 2007 وشتنبر 2009 تمت المصادقة على 194 مشروع قانون و25 مقترحا. وتقدم الفرق النيابية والنواب كل دورة، عشرات المقترحات .ونشير إلى أنه مابين أكتوبر 2008 وشتنبر 2009 تم تقديم 872 مقترح قانون تمس مجالات عدة، تبين حرص أعضاء الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ على تتبع حقل التشريع وتحيينه، وطبعه بالخيارات الفكرية للأغلبية أو المعارضة. وعموما هناك 10 في المائة من القوانين الفرنسية تنحدر من مقترحات قوانين. في بلجيكا يتم إيلاء أهمية لهذه الآلية من خلال عقد جلسة شهرية للجنة التشريع، تخصص للنظر في مقترحات القوانين وتقييم مدى أولويتها وبرمجتها في النقاش البرلماني. وليس مستوى «النخب» السياسية الحزبية هو فقط المسؤول عن هزالة حصيلة تقديم أو المصادقة على مقترحات القوانين ، فهناك عوامل أخرى نذكر من بينها : «الوضع المؤسسي » للبرلماني ولفريقه، إذ لا توضع الامكانيات الضرورية ل «ممثلي الامة» من مقرات بالدوائر والعنصر البشري والوثائق والمعطيات كي يتم الاشتغال وإنتاج المقترحات، بدلا من الانحياز المطلق للاسئلة الشفوية والكتابية، وإن كانت لها قيمة أساسية في مراقبة العمل الحكومي . وخلاصة، يجب إيلاء الاعتبار ل«مقترح قانون» حتى لايظل آلية شبه معطلة في الحقل التشريعي المغربي.