كانت مخاوف البيضاويين في محلها، حين سمعوا بقدوم شركة «ليدك» وهي تستعد ل«بسط نفوذها» بمدينتهم، إذ ما تركته من سمعة «سيئة» في بعض البلدان الافريقية ينذر بالشؤم، ولايبشر بالخير. وكان كذلك، فما أن تسلمت مقاليد الامور، وقبل أن تثبت أقدامها، حتى كشرت عن أنيابها، ولم تمهل زبناءها، وهم يتعرضون لغزوات متتالية في جيوبهم. فمنذ الأيام الأولى وقفت حشود سكان المدينة أمام شبابيك «ليدك» تحتج على الأرقام الخيالية في فواتير الماء والكهرباء، لكن لا أحد ينصت لها، ولاتسمع إلا «ادفع ثم اشتكي». ومن يقبل الشكاية؟ إنها صورية وليس لها من الحقيقة في شيء. يأتيك أحد الاشخاص من غير اهتمام، وتشعر من خلال مناقشته للشكاية بأنه يريد التخلص من الموقف، إذ يمطرك بأرقام واستهلاكات هي من «نسج الخيال»، واذا عارضته بمثال منزلين لهما نفس الاستهلاك وأحدهما ضعف الآخر، فلا يجد من جواب إلا القول السائر:«هكذا سجلت آلة التسجيل». ما ذنب البيضاويين أن يتحملوا هذا الطوفان الفجائي من قوت يومهم لإنقاذ الشركة من إفلاساتها الماضية؟ أمن أجل هذه المهمة قدمت إلى الأرض المعطاء التي لاتتأخر عن الدفع ولو «بالقوة»؟ لاشك أنها وجدت الأرض مفروشة، لا من رقيب أو حسيب! لما كثر على «ليدك» اللغط من كل جهة، أرادت أن تستميل إليها الزبائن وتخفف عنهم ضغطها، فتراجعت عن مبالغاتها وخفضت بعض الشيء من بعض الفاتورات، وكنموذج على هذا النهج المؤقت، طرأ على بعض الفاتورات التي دشنت الشركة عهدها بالرقم (450 درهما) تخفيض إلى الثلث من هذا الرقم، أي (150 درهما)، مما يظهر بأن الاستهلاك لم يكن يأخذ طريقه الحقيقي، وأن الرقم الأخير كان في إطار المعقول وفي استطاعة صاحبه تحمله. وظن الناس أن الشركة عدلت عن أخطائها ولم تعد تقدر فواتيرها بشكل عشوائي، ومرت الشهور، واعتادوا على 150 درهما، ودون سابق إنذار بدأت الفاتورات تأخذ مجرى زيادات غير ذات تأثير لكنها متواترة، فمن: 150 الى: 160، 170، 180 ، 190، 200، 210، 220 ... حتى وصلت الى 320 درهما لحد الآن، وستصل الى ما لاتحمد عقباه في المستقبل! هذا نموذج واحد وهناك نماذج أخرى أكثر فداحة وليست في مستوى القدرة الشرائية للمناطق الشعبية، وتتعرض بدورها الى «قصف» الزيادات التي لاتؤثر لأول وهلة لكنها تشتعل مع مرور الوقت ولا تجد من يطفئها. لا جديد على السكان وما يتعرضون له من إنهاك، لقد قاسوا من برودة الشركة ودون أن يهتز لها جفن من إفراغ الجيوب. أكثر من ذلك أصبح البعض يستدين لإرضاء شهوة الزيادة تحت أعين المسؤولين ، الذين لا وجود لهم في هذه الطامة الكبرى، و الذين كان المفروض أن يرفعوا رؤوس الكادحين والمتعبين ويحمونهم من بطش الفواتير الثقيلة، لكنهم غارقون في صمت المقابر وكأن على رؤوسهم الطير! تلك هي قصة الجيوب المفرغة ، والتي ينحدر أصحابها من الطبقات الشعبية ، التي ما انفكت تتلقى «ضربات الغلاء» مع مطلع كل يوم جديد!