لمقاربة مسألة لغة/لغات التعليم و التحكم اللغوي في مدرستنا المغربية يجب الحسم أولا في اختيارات وتوجهات وأهداف السياسية اللغوية من منطلق المصالح القومية للوطن،و الخصوصيات السوسيوثقافية للمتعلم المغربي،الذي يعاني من استلاب الازدواجيات اللغوية السائدة بحمولتها الكمية والإيديولوجية و القيمية والاجتماعية والثقافية المتعددة والمتناقضة أحيانا،مما يجعله يعيش فصاما ذاتيا ولغويا بين لغة/لغات المدرسة ولغة/لغات محيطه المجتمعي خارج المدرسة(الأسرة،الشارع، القرية،الإدارة،وسائل الاتصال...). إن التدخل البيداغوجي الذي ينطلق من المرجعيات والمقاربات العلمية الحديثة والفعالة له دوره الأكيد في الرفع من مستوى التحكم اللغوي،لكن ماهو سلم أولويات التحكم؟وماهي اللغة التي يجب ان تحضى بغلاف زمني أكثر وبوزن أكثر؟وما هي اللغة الأكثر وظيفية حسب الحاجيات والمتطلبات التواصلية المحلية والدولية،هنا والآن وغدا؟ الجواب عن هذه الأسئلة وغيرها والحسم فيه ومعها يتجاوز أسوار المدرسة. لكي يتم الرفع من جودة التحكم اللغوي لدى المتعلم المغربي يجب الحسم في إشكالية العلاقة بين لغة المدرسة ولغة المجتمع،لأن جوهر التحكم اللغوي هو التواصل المستمر بها (بعدها التداولي) في مختلف الفضاءات والمؤسسات المجتمعة لتثبيتها وإغنائها،والتفاعل من خلالها مع الذات و المجتمع والعالم لتوظيف وتجريب حمولاتها السيميولوجية والقيمية في بعدها الوظيفي والبراغماتي...ومن هنا تاتي أهمية أولوية التعليم والتعلم باللغة الأم في جل الدول المتقدمة. هل التعدد /التضخم اللغوي في مدرستنا المغربية لا يشكل في حد ذاته عاملا من اكبر عوامل الفشل الدراسي و عائقا موضوعيا أمام الرفع من مستوى التحكم اللغوي لدى المتعلم»ة» المغربي،الذي يجد نفسه أمام عوالم لغوية مختلفة ومتناقضة لسانيا وقيميا... بالإضافة إلى الهدر الكبير للطاقات والجهد والزمن لتمثل واستعمال كل هذه»الأطنان» من العوالم اللغوية؟ كما أن التنظيم البيداغوجي للمنهاج (خصوصا عل مستوى الغلاف الزمني و تنظيم الأسلاك والمراحل الدراسية) يجب أن تُعاد صياغته حسب سلم الأولويات اللغوي،فمثلا يجب ان يعطى للدرس اللغوي الغلاف الزمني الكافي،ويجب أن يخصص التعليم الابتدائي(على الأقل في جزئه الكبير) للتحكم في اللغةالرسمية(العربية) ثم الاستئناس باللغة العالمية السائدة اقتصاديا وعلميا وتواصليا...(الانجليزية) ثم بعد ذلك تقوية هذين اللغتين(وربما لغة ثالثة) في الأسلاك الدراسية اللاحقة. وكذلك يجب الحسم في لغة مواد التخصص،خصوصا في التعليم العالي في علاقته بالثانوي.وهنا يجب التوقف بجدية مواطنة عند هذه المأساة التي تدعو إلى القلق والتعجب لما تخلفه من هدر وضياع لمستقبل أجيالنا وبلادنا عامة: من باب العبث واللامسؤولية أن يدرس المتعلم المغربي مواد(خصوصا المواد العلمية والتكنولوجية) بلغة قبل المرحلة الجامعية،و بلغة أخرى عند ولوج الجامعة!وتصبح اللغة(العربية خاصة) كحاجز بيداغوجي ونخبوي أمام المتعلمات و المتعلمين لمتابعة التخصصات العلمية والتكنولوجية التي تلعب دورا حاسما في ولوج تخصصات المدارس والمؤسسات والمعاهد العليا(داخليا وخارجيا)،و في الترقي الاجتماعي والاقتصادي،وتكون الفيصل الذي قد يحدد الموقع الاجتماعي والانتماء الطبقي لمختلف المتعلمين!(هل اللغة لعبة سياسية أم بيداغوجية؟!)،ناهيك عن هدر الطاقات والكفاءات الوطنية العليا التي يمكن لها أن تساهم في نهضة وتنمية لوطن. أظن،في الأخير، أن المشكلة لا تكمن في المقاربة البيداغوجية للرفع من مستوى التحكم في اللغة،لأن المقاربات العلمية والبيداغوجية الفعالة،والطرق الديداكتيكية الحديثة موجودة، وما علينا سوى حسن تطبيقها مع تبييئها مع خصوصيات مدرستنا المغربية، والعمل الجدي على التكوين الأساسي والمستمر للفاعلين التربويين،بل المشكلة والإشكالية تكمن في الحسم في مسألة اختيارات السياسة اللغوية،وتحديد سلم الأولويات اللغوية،وتخليص الدرس اللغوي من كل الإسقاطات والحمولات الإيديولوجية والتاريخية والمصلحية السلبية والموروثة من أزمنة كانت لها خصوصياتها السياسية والتاريخية.ويجب كذلك ردم الهوة بين لغة المدرسة ولغة المجتمع،وهذا عمل تاريخي ووجودي لن يتم إلا من خلال الإرادة السياسية لكل مكونات المجتمع المؤسساتية وغير المؤسساتية،ومن خلال عمل بيداغوجي مجتمعي شامل... إن مسألة لغات التعليم هي ليست مجرد مسألة بيداغوجية محضة،إنها مسألة وإشكالية سياسية وثقافية وإيديولوجية بالدرجة الأولى ،يجب الخوض فيها بكل روح نقدية علمية ووطنية،واضعين امام أعيننا المصلحة الفضلى للمتعلم/ة وللوطن قبل أي مصالح وأهداف أخرى. فمتى سيتم الحسم في مسألة لغات التعلم داخل مؤسساتنا التعليمة؟ ! باحث تربوي