سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
في حوار مع كمال الهشومي مدير برنامج الوسائل البديلة للوقاية وتدبير النزاعات بالمنظمة الدولية للبحث عن أرضية مشتركة - مكتب المغرب ورش إصلاح القضاء يقتضي إخراج مدونة الوسيط لضبط مهامها وشروط ممارستها
منذ 2001 تعمل في المغرب المنظمة الدولية للبحث عن أرضية مشتركة بتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني على تغيير الطريقة التي يتعامل بها الأفراد والمؤسسات مع النزاع، وعلى تطوير ثقافة الوساطة ، قصد التقليص من تكاليف وعواقب النزاعات. عمليات التفاوض هي طرق مستقلة لحل النزاع، وتتطلب شخصين أو أكثر يقومان بكامل إرادتهما بمناقشة اختلافاتهما ويحاولان الوصول إلى اتفاق، ولها مجموعة من التقنيات الخاصة بها، أما الوساطة فهي وسيلة اختيارية وودية وسرية لحل النزاعات، وتتم عبر تدخل طرف ثالث محايد لحل النزاع يسمى الوسيط ويتوفر فيه الحياد والاستقلالية، وهي تهدف إلى مساعدة جميع أطراف النزاع على الوصول إلى حل متفاوض بشأنه ومقبول من الجميع الأطراف. وهناك فرق جوهري بين التحكيم والوساطة، حيث أن هذه الأخيرة تهدف للتوصل لحل ودي يصيغه الأطراف بأنفسهم، بفضل تدخل طرف ثالث محايد وهو الوسيط، على عكس التحكيم الذي يفصل في النزاع بإصدار حكم يفرض على أطراف النزاع. كما أن هناك فرقا بين الوساطة والتقاضي .. وللوساطة عدة إيجابيات منها أن اللجوء إليها أمر اختياري بحيث لا يمكن القيام بأي إجراء دون موافقة أطراف النزاع، كما يمكنهم في أي وقت الانسحاب من عملية الوساطة، وتمكن الوساطة الأطراف من حل نزاعاتهم في وقت أقصر وبتكلفة أقل . والوساطة متأصلة في عاداتنا وتقاليدنا ، وتبقى التسمية هي الحديثة فقط، لذلك يجب إخراج مدونة الوسيط من أجل ضبط المهام والشروط، كما يجب على المشرع المغربي أن يحدث ما يسمى بالوساطة القضائية، أي أن القاضي يفرض على المتنازعين ضرورة المرور عبر الوسيط قبل التقاضي أو يحيلها القاضي بنفسه على الوسيط قبل اللجوء إلى التقاضي - في البداية، ما هو أصل ومبادئ عمل منظمة البحث عن أرضية مشتركة التي تمثلونها؟ - جوابا عن سؤالكم ، فإن منظمة البحث عن أرضية مشتركة هي منظمة غير حكومية عالمية تأسست سنة 1982 للعمل في ميدان تغيير أو تحويل (transformation) النزاعات وحلها وتغيير سبل التعامل معها، وتتمثل فلسفة المنظمة في فهم النزاعات والتحرك على أساس النقط المشتركة، وتتواجد المنظمة اليوم في 20 دولة عبر العالم ، ومنذ 2001 تعمل في المغرب بتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني على تغيير الطريقة التي يتعامل بها الأفراد والمؤسسات مع النزاع، وعلى تطوير ثقافة الوساطة بالمغرب، قصد التقليص من تكاليف وعواقب النزاعات، وللمنظمة مبدأين استراتيجيين أساسيين يتمثلان في: - تعزيز قدرة الأفراد والمؤسسات على حل النزاعات عبر التعاون - تنمية ثقافة الحوار وذلك بجلب مختلف الفرقاء والفاعلين الاجتماعيين من مجتمع مدني و ممثلي المؤسسات الحكومية والإعلام إلى مائدة الحوار. مفهوم النزاع، وإذا أردنا أن نعرف النزاع سنجد آلاف التعاريف الممكنة ، فهو يعرف عادة كوضعية يغيب فيها الانسجام بين الأشخاص والأفكار والمصالح - لكن ما هو أصل المنظمة؟ - المنظمة هي عالمية تأسست من طرف مجموعة من الفعاليات المدنية أثناء الحرب الباردة من اجل الدعوة إلى تهدئة النفوس والنظر إلى الجانب الايجابي للنزاع والعمل على النحو المشترك بين الشعوب»المتنازعة»، ولها مقران رئيسيان، بواشنطن للشراكة والعمل مع الدول الأمريكية ونواحيها، ومقر آخر ببروكسيل للشراكة الأوربية. - استعملتم مصطلح الجانب الايجابي للنزاع، هل للنزاع مظهر ايجابي؟ - طبيعة سؤالكم تجرنا إلى التطرق إلى مفهوم النزاع، وإذا أردنا أن نعرف النزاع سنجد آلاف التعاريف الممكنة ، فهو يعرف عادة كوضعية يغيب فيها الانسجام بين الأشخاص والأفكار والمصالح، وتستعمل هذه الكلمة للتعبير عن العملية وعن الوضع على حد سواء، ففي الوقت الذي لا يكون فيه النزاع في حد ذاته سلبيا أو مدمرا بالضرورة، ويمكن في حقيقة الأمر أن يفضي إلى نتائج ايجابية، فإن الطرق التي يختارها الناس لمعالجة النزاع قد تكون سلبية في غالب الأحيان، بل عنيفة وقد تلحق الضرر والدمار، وينبغي أن يتذكر الوسيط هذا الفرق بشكل دائم وان لا يغيب عن باله، أي إن النزاع شي جيد وان السيئ فيه هي الطريقة التي نعالجه بها. - إذن ما هي مقاربتكم العملية فيما يخص تدبير النزاعات؟ - أولا يجب الاقتناع بأن النزاع شيء عاد في الحياة، فلكل فرد أو جماعة أهداف وطموحات مادية وحسية، ولكن محدودية الموارد والمصادر الطبيعية تجعلهم يتنافسون من اجل تلبية متطلباتهم، وهنا تجعلهم يفترضون بأن حاجات الأطراف المتنازعة لا يمكن الاستجابة لها إلا على حساب الطرف الآخر مما يجعلهم في وضع رابح/خاسر، لكن من خلال الإنصات لحاجات الطرفين، يكون من الممكن غالبا الوصول إلى حل أفضل متوافق بشأنه بتقديم تنازلات من الطرفين، وهو ما ندعو إليه عن طريق التفاوض في عملية الوساطة من اجل البحث عن حل رابح/رابح. فعن طريق الوساطة وارتباطا بسؤالكم السابق يتم تغيير النزاع إلى شيء ايجابي لمصلحة الطرفين. - ذكرتم شيئين اثنين التفاوض والوساطة كيف تعرفاهما؟ - تعرف عمليات التفاوض على أنها طرق مستقلة لحل النزاع، وتتطلب شخصان أو أكثر يقومان بكامل إرادتهما بمناقشة اختلافاتهما ويحاولان الوصول إلى اتفاق، ولها مجموعة من التقنيات الخاصة بها، أما الوساطة فهي وسيلة اختيارية وودية وسرية لحل النزاعات، وتتم عبر تدخل طرف ثالث محايد لحل النزاع يسمى الوسيط ويتوفر فيه الحياد والاستقلالية، وهي تهدف إلى مساعدة جميع أطراف النزاع على الوصول إلى حل متفاوض بشأنه ومقبول من الجميع الأطراف. أي آن عملية التفاوض هي جزء من عملية الوساطة. - هل تقصدون ما جاء به القانون 05.08 الخاص بالتحكيم والوساطة؟ - بالفعل هذا القانون هو بمثابة تقدم ايجابي عبر عنه المشرع المغربي، وقد اشتغلنا جنبا إلى جنب مع وزارة العدل أنذاك من خلال برنامج كبير وانفتاح مهم على كافة الشرائح المغربية بما فيها المحامون والقضاء ورجال أعمال وجامعيون ومجتمع مدني، من اجل الوصول إلى هذا القانون، لكن شخصيا لدي العديد من الملاحظات الخاصة بهذا القانون، فمن ناحية الشكل تم إدماج الوساطة إلى جانب التحكيم، الشيء الذي أصبح معه استعمال المصطلحين بشكل مترادف وكأنهما شيء واحد، وهنا الخطأ الكبير، فالوساطة وسيلة اختيارية لا تفرض استصدار حكم، فالحل هو نتاج توافق إرادتي المتنازعين، والوسيط هو شخص مدرب وخبير بأساليب التواصل والتفاوض يساعدهما على البحث عن النقط المشتركة لحل نزاعهما ولا يفرض أي حل، في حين أن التحكيم مثله مثل التقاضي، أي أن الشخص الثالث هو الذي يصدر الحكم أي المحكم أو الحكَم. الشيء الذي أصبح معه وللأسف مجموعة ممن يعول عليهم، خاصة في الجامعات المغربية لرفع هذا اللبس تجدهم يصرون على كون التحكيم مثله مثل الوساطة، من ناحية أخرى كذلك القانون لم يحدد بشكل مدقق شروط ممارسة الوساطة ولم يعترف بها كمهنة مما يجعل الوسيط محمي قانونا في عمله، ونحن بدورنا نحاول في كل مناسبة لتصحيح هذه المفاهيم المتداخلة بين التحكيم والوساطة. - إذن حسب تعليقكم، فإن هناك فرقا بين الوساطة والتحكيم؟ - هناك فرق جوهري بين التحكيم والوساطة، حيث أن هذه الأخيرة تهدف للتوصل لحل ودي يصيغه الأطراف بأنفسهم، بفضل تدخل طرف ثالث محايد وهو الوسيط، على عكس التحكيم الذي يفصل في النزاع بإصدار حكم يفرض على أطراف النزاع. كما أن هناك فرقا شاسعا بين الوساطة والتقاضي كذلك، فالوساطة مثلا تركز على المصالح وعلى المستقبل، ثم مدى إدراك الأطراف للأشياء، بينما التقاضي يركز على المواقف والمطالب، والتركيز على ماذا حدث؟ أي سرد للوقائع ثم البحث عن الحقيقة، الوساطة سرية ويمكن أن تكون سريعة وغير مكلفة يقوم الأطراف بصياغة و الموافقة على الحل بأنفسهم وفي أحسن الأحوال : رابح/ رابح أي خطر قليل بالنسبة للأطراف، بينما التقاضي هي عملية علنية طويلة ومكلفة، والطرف الثالث، أي القاضي هو الذي يتخذ القرار أي الحكم وتفرز رابحا و خاسرا أي خطر عال بالنسبة للأطراف. - هل جميع القضايا تجوز فيها الوساطة؟ - المبدأ العام هو أنه يمكن اللجوء للوساطة في كل ما يجوز فيه الصلح كالنزاعات الاجتماعية والتجارية والعائلية وغيرها في الصفقات التجارية: كخرق بنود عقد مثلا في العلاقات الاجتماعية والمهنية خلافات مهنية، طرد غير مبرر، إضراب، الخ؛ في نزاعات مادية مرتبطة بالخلافات العائلية كالطلاق أو الإرث؛ نزاعات الجوار؛ نزاعات بين الملاكين والمكترين؛ نزاعات بين المستهلكين والشركات حالة شكوى من طرف أحد المستهلكين مثلا؛ نزاعات حول الملكية، نزاعات حول قطع الأرض مثلا. وبالمقابل لا تجوز الوساطة في مسائل الحالة الشخصية، وما له ارتباط بالنظام العام. - بشكل أدق ما هو دور الوسيط؟ - يتمثل الدور الرئيسي للوسيط في مساعدة الأطراف على القيام بمفاوضات بناءة، وذلك بتسهيل عملية التواصل ومناقشة حيثيات النزاع. وفي هذا الإطار نؤكد دائما على أن الوسيط ليس قاضيا ولا حكما، بل هو عنصر محايد، يكمن دوره في تيسير المفاوضات بين الأطراف المتنازعة، و مساعدتها على إيجاد حل يناسبها. كما يقوم الوسيط بتحديد معيقات و موانع التواصل اعتمادا على تقنيات محددة، ويعمل على خلق جو من الاحترام المتبادل لمنح الأطراف الثقة اللازمة لإجراء حوار مثمر. كما يقوم بتشجيع أطراف النزاع على استعمال طاقاتهم الخلاقة للتوصل لحل يرضي جميع الأطراف. - ما هي الإيجابيات التي تقدمها الوساطة على باقي الوسائل؟ - كثيرة، ومنها أولا أن اللجوء إلى الوساطة أمر اختياري بحيث لا يمكن القيام بأي إجراء دون موافقة أطراف النزاع، كما يمكنهم في أي وقت الانسحاب من عملية الوساطة، ثانيا تمكن الوساطة الأطراف من حل نزاعاتهم في وقت أقصر وبتكلفة أقل، وغالبا ما يخرج الأطراف من عملية الوساطة بامتيازات لم يكونوا ليحصلوا عليها لو لجؤوا للقضاء أو التحكيم، كما يمكن للوسيط أن يساعد الأطراف على مناقشة مشاكلهم بطريقة عقلانية وفي سياق مشجع، ويحثهم على التعاون، بطريقة يمكن معها حل النزاع دون تضرر أي منهم، كما تحافظ الوساطة على العلاقة الإيجابية التي تربط الأطراف ، لأن الاتفاق المتفاوض بشأنه يكون دائما ملائما لمصالح جميع أطراف النزاع وذلك دون شرط التقيد بالقاعدة القانونية. - من يمكنه القيام بدور الوسيط؟ - في الواقع هناك مستويات متفاوتة، وهذه النقطة من الأمور التي انتقدها في القانون الجديد، فلا يعقل أن نتكلم على أن الوساطة عبارة عن مجموعة من التقنيات وألا نتكلم على كيفية ممارسة هذه الوسيلة أو نشترط لذلك شروطا، ففي أوربا مثلا أو أمريكا يفترض للقيام بدور الوسيط عدد ساعات الدراسة والتدرب وهنا درجات بين التدريب العادي والعميق وغالبا يتم اشتراط ما بين 300 و400 ساعة تكوين للوسيط الحقيقي وفي حدود 60 ساعة للوسيط المبتدئ، وبطبيعة الحال هناك نظام خاص للتدريب والتكوين يجعل المستفيد منه فعلا وسيطا حقيقيا، في حين نجد قانون 05.08 يتكلم على كون الوسيط يمكن أن يكون أي شخص توفرت فيه المواصفات المطلوبة ليمارس هذه المهمة دون أن يحددها، مما يجعل الباب مفتوحا أمام من له الاختصاص ومن هو بعيد جدا عن ذلك، كما أن الوسيط قد يكون شخصا ذاتيا أو شخصا معنويا. - تظهر كل فترة مجموعة من التسميات تخص الوساطة هل هذا يدخل في صميم مهمة الوساطة أم شيء آخر؟ - بالفعل وللأسف هناك مجموعة من التسميات التي تستعمل مصطلح الوسيط، لكن في الواقع فهي تسيء إليه بشكل مباشر، ذكرنا سابقا أن القانون 05.08 لم يحدد شروط ممارسة الوساطة، فيما يخص التكوين والاختصاص، وهو ما يجعل العديد من الأطراف تؤسس مراكز للوساطة وتمارسها، لكن دون تكوين وبخلط تام مع التحكيم، كما أقدمت كذلك مؤخرا وزارة العدل على تعيين ما يسمى القاضي الوسيط، بعكس المفهوم الحقيقي للوسيط وهو ما يجعل عامة المواطنين يجهلون كنه مهام الوساطة أمام هذا الاختلاط، وهناك كذلك ما يسمى بالوسيط الإعلامي أو غيره، المشكلة هنا سيتم استهلاك المصطلح بشكل لا يخدم أصله ومرجعيته الأساسية. - إذن ماذا تقترحون من اجل ترسيخ مبادئ الوساطة، كما هي متعارف عليها عالميا؟ - أولا قبل أن نتكلم على المستوى العالمي، فالوساطة متأصلة في عاداتنا وتقاليدنا وفي عقيدتنا الإسلامية كذلك، تبقى التسمية هي الحديثة فقط، لكن أهدافها ومرجعيتها متأصلة في خصوصياتنا الثقافية والحضارية، يجب إخراج مدونة الوسيط التي يجب أن تضبط المهام والشروط، كما يجب على المشرع المغربي أن يحدث ما يسمى بالوساطة القضائية، أي أن القاضي يفرض على المتنازعين ضرورة المرور على الوسيط قبل التقاضي أو يحيلها القاضي بنفسه على الوسيط قبل اللجوء إلى التقاضي، وقد أبانت هذه التجربة نجاحا كبيرا في مجموعة من الدول بما فيها العربية كالأردن مثلا، ونعتقد ان ذلك ممكن بالمغرب نظرا للورش الكبير المفتوح لإصلاح القضاء وكذلك لتواجد إرادة حقيقية لاستعمال هذه الوسائل، ويبقى الخطاب الملكي بمناسبة 20 غشت 2009 هو المرجع في ذلك، إذ تم التطرق إلى استعمال هذه الوسائل البديلة ومن بينها الوساطة.