ماهي أدوار و وظائف البرلمان المغربي ..؟ هل يقوم البرلمان المغربي بدوره التشريعي والرقابي ..؟ هل يمارس مهمته الأصيلة في مجال التشريع..؟ هل يماحك الحكومة ويثير مسؤوليتها السياسية في دوراته و في لجانه، و هل استنفد وفعّل كل إمكانيات المراقبة المتاحة له قانونا..، أم أن أمر اشتغاله ظل ملتصقا بأدوار مبتذلة.. في هذه الورقة سنحاول الوقوف على أهم آليات و وظائف المؤسسة التشريعية، ثغراتها ونقاط ضعفها.. آفاق الاشتغال ومحدودية الدور الدستوري المناط بهذه المؤسسة بين باقي المؤسسات الدستورية والتي تحظى بموقع بارز في الأنظمة الديمقراطية و الأنماط التمثيلية . الحضور الملكي .. استنادا إلى تقارير عدة.. أكاديمية و حزبية، فإن الحضور الملكي كان و ما يزال من ثوابت الممارسة البرلمانية .. أمام الغياب و الترحال البرلماني . فالملك يمارس صلاحياته لترجيح التشريع الملكي عبر الخطب و الرسائل الملكية في جميع المجالات، سواء السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية أو الثقافية و الدينية. فالمؤسسة الملكية إذن .. هي التي تطرح عقب كل دخول برلماني خارطة الطريق و الأجندة التي تحدد السياسات العامة الواجب تنفيذها من قبل السلطة التنفيذية و الجهاز التشريعي. وهذا يفضي إلى جعل الممارسة البرلمانية تقع تحت المراقبة و تتحرك في رقعة محددة مرسومة سلفا بقوة الدستور و بالاختصاصات الواسعة الممنوحة للمؤسسة الملكية، سواء في الظروف العادية أو الاستثنائية. ومن هنا تبرز الهيمنة على الحياة السياسية والبرلمانية، مما يفضي إلى تبني نمط برلماني يوجد في مرتبة التبعية لمؤسسة أعلى و لا يقوم بأدواره كما في الغرب . أو كما يقول بعض الباحثين.. البرلمان مُعين للملك وداعم لاختياراته و منفذ للسياسات الاستراتيجية للقصر. ترى أين تبدأ سلطة البرلمان و أين تنتهي سلطة القصر..!؟.. الترحال السياسي .. هو موضوع استأثر باهتمام الطبقة السياسية الرصينة وعرف نقاشا سياسيا لم ينته إلى حدود اليوم ، نظرا لما يخلفه هذا الترحال من كوارث وتداعيات على الحقل السياسي والحزبي المغربي. فالانتماء عند العديد من النواب والمستشارين لا يستند لاقتناع إيديولوجي أو برنامجي ، بل يرتبط بالمنافع والوضع الرمزي والأعطيات والهبات بين مراكز النفوذ والسلطة وبين ما يسمى بالأعيان والأثرياء الجدد على قاعدة نهب الثروة الوطنية. هذه الوضعية عمقت التشرذمات الحزبية و بهدلت النظرة إلى العمل السياسي و معه سمعة البرلماني التي أصبحت مرتبطة عند العامة بتوزيع الأموال القذرة. و هذا الترحال أيضا يضعف الأداء البرلماني ويخلق الالتباس بين مفهوم الأغلبية والمعارضة. ترى هل إصلاح النظام الانتخابي وتعديل قانون الأحزاب كفيلان بوقف هذه الظاهرة المشينة. هنا نستحضر المادة الخامسة من قانون الأحزاب التي بقيت قاصرة عن احترام إرادة الناخبين و تقوية وتمنيع الحياة الحزبية، وهنا أيضا نستحضر حزب الأصالة والمعاصرة الذي شجع الترحال وصنع فريقين من برلمانيين ومستشارين لم يأتوا من صلبه السياسي أو التنظيمي ..!.. ظاهرة الغياب .. من أسباب ضعف و هجانة المؤسسة البرلمانية.. ظاهرة غياب البرلمانيين على مستوى الغرفتين.. إذ ليس هناك قانون زجري يحاصر الغياب، ولوحظ أكثر من مرة أن عمليات التصويت على مشاريع قوانين الحكومة مررت بأصوات قليلة، والغياب لا يمس فقط المعارضة، بل حتى برلمانيي الأغلبية الحكومية . وهذا يوضح المستوى الذي وصلت إليه المؤسسة التشريعية ببلادنا، سواء في اجتماعات اللجان أو الجلسات العامة. والغياب أيضا مرتبط بالجهاز التنفيذي، حيث أن العديد من الوزراء يستنكفون عن الحضور ويكلفون زملاء لهم بدعوى تردي الأسئلة والنقاش وتسرب «التفاهة والركاكة» إلى مضمون العلاقة بين التشريعيين و التنفيذيين. على المستوى الرقابي .. هناك مستويات متعددة لممارسة الرقابة على الجهاز الحكومي مثل ملتمس الرقابة وملتمس توجيه التنبيه ولجن التقصي، إلا أن البرلمانيين المغاربة اكتفوا ويكتفون بمسطرة توجيه السؤال بنوعيه الشفهي والكتابي في مراقبة ومتابعة أنشطة الوزراء والقطاعات. وظلت هذه الآلية الرقابية هي المهيمنة على العلاقة بين الطرفين. دون سن اجتهادات أو برمجة آليات أخرى . النتيجة خلل في التعامل . سيادة لغة الخشب والنجارة..!.. وبات السؤال الشفهي عبارة عن استعراض شخصي لبعض البرلمانيين في دوائرهم و وسط زبنائهم زمن البث المباشر على القناة الوطنية، دون التعامل مع هذه الآلية على أساس تفعيل مستوى من مستويات الرقابة والرقي بالممارسة البرلمانية إلى درجة يتقاطع فيها الوطني مع الاستراتيجي في الاختيارات الكبرى للبلاد. خلاصته.. إزاء هذه الاعتوارات و الاختلالات التي تخترق برلماننا الوطني، وأمام ارتفاع سقف الخيبات التي تلف خاصرة المؤسسة التشريعية، ما الذي يمكن استنتاجه من ذلك..؟.. وما الذي يحتاجه الحقل السياسي لكي يحصل على استقلاليته طبقا لمرجعيات الدستورانية الغربية وما أنتجته من مؤسسات تقوم على مبدأ فصل السلط و احترام الصلاحيات و ممارستها أيضا بدون تقييد أو التفاف عليها أو إضعافها لصالح تقوية مؤسسة أخرى..؟ .. هل الحاجة اليوم إلى قانون جديد للأحزاب يتجاوز ثقوب وثغرات القديم ويجيب عن المستجدات السياسية، ليس أقلها مستجدات القضية الوطنية ومشروع الجهوية..؟.. هل المطلوب اليوم قانون جديد للانتخابات يوقف هذه الرداءة البرلمانية..؟.. لعل البلاد في حاجة إلى نفس إصلاحي رصين بمضمون حداثي .. الفاعلون الأساسيون في المشهد السياسي أقدر بالجواب عليه . ملاحظة منهجية: تم الاستناد والاستئناس في هذه الورقة إلى بعض الدراسات وآراء بعض الباحثين المغاربة في رؤيتهم لمعوقات وأعطاب الحياة البرلمانية المغربية.