ما حقيقة «سفاح الدارالبيضاء»، الذي ضخمته شائعات «راديو المدينة»؟!.. أين هي جثته المتوهمة، التي أكد لنا مصدر أمني بالولاية أن لا وجود لها؟!.. ومن له مصلحة في إطلاق هذه الشائعة في أوساط الآباء والتلاميذ بالمدارس والإعداديات والثانويات؟!.. إنها بعض من الأسئلة التي تستثيرها عودة منطق الشائعة الى الشارع البيضاوي، الذي كان الجميع قد اعتقد أنه قد ولى وانتهى منذ الثمانينات، وأن الوعي المدني لساكنة المدينة قد تطور بالشكل الذي لا يسمح للشائعة أن تهزه أو تؤثر فيه. لكن، الظاهر أن الحال لا يزال هو الحال بين ساكنة المدينة. إن الجريمة قد تطورت وتعقدت وأصبحت أكثر عنفا في الدارالبيضاء، كما أكد لنا ذات المصدر الأمني، لأن التقنيات تبدلت، لكن لم نصل بعد إلى ظاهرة «القاتل بالجملة»، كما يحدث في عدد من التجمعات البشرية بالدول المتقدمة. وعن سؤال حول السبب في إطلاق هذه الشائعة المنتشرة بقوة بين الناس، أكد لنا مخاطبنا أن الأمر جار البحث فيه بجدية، وأن الجهات الأمنية تأخذ الأمر بما يجب له من المسؤولية، وأنهم يرفعون يوميا تقارير عن الوضعية الأمنية بالمدينة إلى السلطات المركزية المعنية، وهي وضعية عادية لا تدعو لأي قلق استثنائي. حقا هناك استنفار أمني، لكنه استنفار له أسباب متعددة، مرتبطة بالدخول الاجتماعي والمدرسي، وأنه كما يكون هناك دخول سياسي ودخول ثقافي ودخول اقتصادي، هناك أيضا دخول أمني، يكون فيه استنفار خاص وتجديد لآلية العمل بعد انتهاء العطلة الصيفية وشهر رمضان. أخبار «سفاح الدارالبيضاء» (الذي كان يطلق عليه، في البداية، «سفاح ليساسفة»)، متعددة ومختلفة بل ومتناقضة، وما أن تنتقل الشائعة حوله من حي لآخر، حتى تأخذ شكلا جديدا وتفاصيل غير مسبوقة. هناك من تحدث عن امرأة حملت أطراف أطفال صغار إلى فرن عمومي، هناك من تحدث عن مهاجر إفريقي له غريزة دموية مرضية، هناك من تحدث عن مافيا لسرقة الأعضاء البشرية للأطفال، وهناك من تحدث عن نساء يغررن بالتلميذات فقط في أبواب المدارس والثانويات.. وهي كلها أخبار متداولة من الفم إلى الأذن، دون أن يسندها واقع مادي، حيث لم تسجل المصالح الأمنية بالمدينة رسميا أي سلسلة جرائم خاصة بالتلاميذ منذ الدخول المدرسي الجديد. والخلاصة الوحيدة التي تحققت حتى الآن، هي الهلع الكبير الذي يسود الأسر البيضاوية، الذي لابد من التساؤل حول المتسبب فيه وغاياته. لقد سبق لساكنة المدينة أن عاشت حالات مماثلة من قبل، لعل أشهرها «الشجرة التي تكلمت قرب الأوطوروت» في الثمانينات، والبغلة التي ولدت قرب مقبرة الشهداء وغيرها كثير. إن حجم الشائعة وأثرها بين ساكنة الدارالبيضاء، يقتضي من السلطات الأمنية أن تنور الرأي العام المحلي، من خلال إصدار بلاغ رسمي يؤكد أو ينفي خبر «السفاح» المتجول في العقول والذي يشوش على الإحساس بالأمن لدى البيضاويين، لأن تنوير الرأي العام وطمأنته، جزء من الممارسة الأمنية الحداثية.