صباح الشعر صديقي عبد الحق حين يتحجر رأسي ويصير شَعري كثلة من شوك وأشعر بالارتجاف في عز الحر أقول: تلك هي البدايات! وحين تفيض الدموع لصلاة عاصفة وفرح جارف فتلك هي ذروة الإحساس بعمق الوجود. * * ** * ** لا أعرف من أين أبدأ لك هذا الخطاب المسكون بأحر نوستالجيا الكلمات وصدق الحواس والمشاعر الربانية، أيها الطفل الياسمينيُّ المدجج بالشعر وحرائق القصيدة.. أيها الشيخ الطاعن في عشقه الأزلي لسحر الأبجديات الآتية من بعيد. أنت يا صديقي المتوهج بنور المعرفة الضائعة وظلالها الرحيمة، وذاك الفيض الروحاني الدافق كالنبع من وجدان يسكنه الماء والورد ولون البيادر، ويخرج من بين أصابعه المرتعشة اللفظ- الإعصار! والحكمة والحرية، مثلك لا تخشاه الطيور الوديعة في زمن النسف والقصف ورصاص الحروب الجاهلة .. بل ستحلق حولك شادية لتحملك على أجنحتها إلى حيث تورق وتزهر الأشعار. مخطوطة على جبينك حكايات مغمورة بأناشيد التذكر والنسيان القادمة من أقاليم الأسرار الطفولية الهاربة. نسيم الأصقاع البرية يهب عليك بسخاء كبير لبريق الينابيع العزيلة التي أثملتك يوما ما سكينتها الخالدة. صهيل الأمنيات المعطلة يقتفي ظلك الحالم في صمت الكائنات الليلية العاشقة لتراتيلك وابتهالاتك ومدائحك للجلال وعبق الجبال. أعلمُ جيدا يا صديقي الصغير، يا ابن الأزمنة القادمة أن العاصفة لن تهدأ في صدرك الواسع وروحك الأمارة بتقبيل الزنابق المحروسة بعرائس الأودية المختبئة خلف حدائق القمر حيث صدى نداءاتك السرية العالية. بفيض الدموع وارتعاشات القلب واهتزازات الدواخل أشهد أنك كنت ناسكا متعبدا يقيم صلواته المقدسة الخفية، وأنت تقرأ لوحة «الشاعر» في «قطرة جبرك» الفضية القديمة، كانت مفرداتك كالجواهر قوية اللمعان وكانت حروفك قناديل تبدد الظلمات الحالكة لسبر أغوار الذات المبدعة وانكساراتها .. كنتَ كما لو كنتَ نبيا عليما بأسرار الولادات المقصية، أو حكيما يملك مفاتيح الكون ويفك طلاسم الأبجديات الموشومة في حقب السلالات الهادرة بدم الشعر والشعراء. مُصِرٌّ بعزائمك العنيدة أنت المنحدر من سلالة النداء العالي والهمس العميق لرقة الجداول ورحيق الأزهار في أقصى التخوم، ستبقى هناك سليلا للنجوم إلى أن تتوجك الفراشات الخضراء قديسا في مملكة النحل، وسأكون بقربك رغم المسافات المدقعة التي تفصلنا، فقد أنبأتني عن سيرتك العصافير المهاجرة وأينعت بداخلي أناشيد البوح وأغنية اللقاء الأبدي. هذه الزاوية مفتوحة للمبدعين وعموم القراء، يوجهون عبرها رسالة إلى كاتب مغربي أو أجنبي، حي أو متوفى. عنوان المراسلة:[email protected]