السياقات الدولية والوطنية تأتي هذه المحاولة في سياق دولي يعرف تدشين السنة العالمية للشباب من طرف الأممالمتحدة يوم 12 غشت، وهو التاريخ الذي يوافق اليوم العالمي للشباب. ومن ضمن أهداف هذه السنة حث الدول على وضع الشباب في مركز البرامج الحكومية. وفي سياق وطني يتسم بنقاش حول الشباب المغربي، وربطه بأسئلة المشاركة السياسية والمساهمة في التنمية، وكذلك دور الدولة في العناية بهذا النوع الاجتماعي عبر سن سياسات عمومية موجهة لهذه الفئة المهمة من حيث نسبتها ومن حيث أدوارها. فمؤخرا، تحركت الوزارة الوصية على القطاع من اجل إعداد الإستراتيجية الوطنية المندمجة للشباب «شبابنا»، رغم أن هذه المبادرة جاءت متأخرة بالمقارنة مع دول أخرى من ضمنهم جيراننا كتونس والأردن وأوكرانيا، ومتأخرة حتى عن بعض الإعلانات والمؤتمرات العالمية والإقليمية التي أوصت بوضع سياسات للشباب. ووطنيا أيضا، يلاحظ المتتبعون تنامي الحركة الشبابية المدنية في المغرب التي تريد اقتفاء أثر الحركة النسائية من أجل تحقيق مطالبها المتعددة. ويعكس هذا تعدد وتوالد الإطارات الشبابية، ومحاولة تلمسها احتياجات الشباب وصياغة مطالبه ( انظر مقالنا السابق بعنوان: فاعلون في الحقل الشبابي)، وخوض حملات ترافع من أجل تحقيق هذه المطالب، ومن أهمها حملة حشد التأييد والمناصرة للحركة الشبابية لمنتدى بدائل المغرب التي ابتدأت سنة 2008 وطالبت بسياسات عمومية لفائدة الشباب وتخصيص جزء من الميزانية العامة حسب النوع. منتدى الشباب المغربي أيضا طالب بتأسيس برلمان الشباب المغربي كمؤسسة استشارية شبابية. أما أعضاء منتدى الشباب المغربي للألفية الثالثة فيكررون مطلب تأسيس مجلس أعلى للشباب. كما تعرف الساحة السياسية الشبابية أيضا دينامية بعد مؤتمرات الشبيبة الاستقلالية، وشبيبة العدالة والتنمية، وعودة الحياة إلى شرايين بعض فروع منظمة الشبيبة الاتحادية ولو بخجل في سياق التحضير للمؤتمر الثامن المرتقب، وحركية الشبيبات الإسلامية ومنظماتها الموازية وتحرك حساسيات شبابية ليبرالية ( بعضها تحت التأسيس حاليا ) وأخرى يسارية ووطنية ( لتشدو ومنظمة الشبيبة المغربية التي تأسست مؤخرا). دون أن ننسى الحساسيات الهوياتية (الأمازيغية) وحتى الدينية ( ملتقى شباب الطرق الصوفية مثلا) والشباب المغربي المهاجر. تقييم السياسات العمومية الموجهة للشباب في ظل ما سبق، أصدرت منظمة «الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان» التي تترأسها الأستاذة خديجة المروازي مؤخرا تقريرا حول «تقييم السياسات العمومية ذات الصلة بالشباب» ، والذي يعتبر ، من وجهة نظري ، أهم تقرير علمي لمنظمة مجتمع مدني يحاكم السياسات العمومية المتوجهة إلى الشباب أنجز باحترافية ومنهجية سليمة، وساهم فيه ذ. حسن طارق وعبد الرزاق الحنوشي إلى جانب مجموعة من الطلبة الباحثين الذين ساهموا في إعداد الأوراق الخلفية. في انتظار خروج أوراق الإستراتيجية الوطنية المندمجة للشباب للوجود بمشاريعها وبرامجها ومؤسساتها. حسب معدي التقرير، فقد هدف إلى المساهمة في إطلاق النقاش حول السياسات العامة، من خلال راهنية مطلب «السياسة العمومية للشباب». كما قال «الوسيط» إنه سيعمل على وضع مذكرة ترافعية لدى صناع القرار لحثهم على التسريع بالاهتمام بوضع انشغالات وقضايا الشباب بما ينتظم في سياسة عامة للدولة، تخترق بشكل أفقي كل القطاعات. ولأن التقرير أنجز بطريقة احترمت منهجية البحث العلمي السليم، فقد عمد معدوه ، في خطوة أولى، إلى تجميع الأدبيات ذات الصلة بالشباب في المرجعية الدولية، وكذا في المرجعية الوطنية، ثم وصف وتقييم ما جاء في سياسات كل قطاع من القطاعات الخمسة المختارة، وهي قطاع التعليم، وقطاع التشغيل والتكوين المهني، وقطاع الصحة، وقطاع التنمية الاجتماعية والتضامن، وقطاع الشباب والرياضة، ومساءلتها عن سياستها في مجال الشباب، وذلك خلال الثلاث سنوات التالية 2007 و2008 و2009 . وفي خطوة أخيرة سيأتي التقرير بخلاصات وتوصيات قيمة، نقدمها هنا مختصرة لضيق المساحة .
خلاصات من تقرير «الوسيط» حول علاقة السياسة العامة الموجهة إلى الشباب بالمرجعيات الوطنية والدولية، أكد التقرير على الطابع الأفقي الفوق قطاعي لكل سياسة عمومية موجهة للشباب، وعلى ضرورة أن تنهل من مرجعيات موثقة تحدد واجبات الدولة تجاه الشباب، وكذلك وجود هيئة أو جهاز يضطلع بمهام التتبع والتنسيق والتقييم لهذه السياسة العمومية. لكن الملاحظ على أرض الواقع يطرح العديد من التساؤلات حول العديد من النقط ، أهمها عدم وجود المرجعية الوطنية وتضخم النزعة القطاعية في إعداد الإستراتيجية وملاحظات على مستوى التشاور مع الشباب وقراءة الحاجيات. إذن فمرحلة الإعداد للإستراتيجية الوطنية المندمجة للشباب تعاني من أعطاب كثيرة، أهمها اقتصار الالتزام السياسي على الوزارة الوصية على القطاع رغم أن الأمر يتعلق بسياسة وطنية مندمجة تتطلب التزاما سياسيا على أعلى مستوى وتجند الحكومة ككل مع ضرورة إشراك كل القطاعات المتدخلة. دون أن ننسى مستوى التشاور مع الشباب الذي اقتصر على لقاءات مع الشباب واستمارات، وافرز ردود فعل غاضبة لجمعيات الطفولة والشباب والمنظمات الشبابية التي يبدو أنها أقصيت من مرحلة الإعداد والتشاور. ولم يفت التقرير أن يقدم وصفا للسياسات الموجهة للشباب في كل القطاعات المختارة معززا بأرقام وجداول ورسومات بيانية وهو ما يدل على جودة العمل وعلميته والجهد الكبير المبذول فيه. وفي جزء أخير، قدم التقرير بعض الملاحظات التي نقدمها بشكل جد مركز: أولا: عدم وجود سياسة عمومية وطنية ومندمجة للشباب لدى مختلف الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال، وغلبة النظرة القطاعية الأحادية لمختلف البرامج والمبادرات والمشاريع التي تعنى بالشباب وعدم وجود آلية للتنسيق، وعدم استشارة الشباب في تحديد الحاجيات وترتيب الأولويات. ثانيا: التعامل مع الشباب في البرامج القطاعية كأهداف، لا كشريك وفاعل. وهو ما يؤثر سلبا على نجاعة هذه البرامج، إذ «لا سياسة عمومية للشباب بدون استشارتهم ومشاركتهم». ثالثا: عدم وجود جسر بين مجال البحث العلمي والهيئات الحكومية وغير الحكومية المعنية بالشباب توفر المعلومات والدراسات المتعددة التخصصات في مجال الشباب. ومن أجل نجاعة هذه السياسة العمومية، قدم التقرير بعض التوصيات: أولا: التأكيد على ضرورة استشارة الشباب القبلية، وفي هذا الصدد، يمكن أن تضطلع الإطارات الوطنية والمحلية بمهمة التمثيلية، مع إمكانية البحث عن صيغ أخرى للتشاور تحظى بالمصداقية. ثانيا: وجوب ضمان ديمومة المشاركة الشبابية عبر خلق إطار للشباب يضطلع بأدوار في التعبير عنهم ووضع البرامج التي تعنيهم. ثالثا: إحداث مؤسسة علمية تقوم بقراءة حاجيات الشباب وتطلعاتهم ومواكبة التحولات التي تطرأ عليهم. رابعا: إقرار تشريعات خاصة تؤمن حقوق الشباب وتوضح التزام الدولة بتوفير هذه الحقوق لفئة اجتماعية ذات مميزات وحاجيات خاصة تستلزم تمتيعها بوضع اعتباري مناسب. خامسا: دعم الحركة الشبابية عبر تأهيل مختلف إطاراتها ودعم قدراتها. سادسا: توفير آليات المتابعة والتقويم والمساءلة سواء على المستوى المؤسساتي أو المجتمع المدني، وهذا الأخير مطالب بلعب أدواره كسلطة موازية ترصد الإختلالات وتقترح البدائل عبر وسائل متعددة منها وضع تقارير دورية والمتابعة الإعلامية. (يتبع) (*) عضو الشبيبة الاتحادية)