وأنت تتوجه لمنطقة لهراويين لمعاينة المشروع المفتوح لساكنة كريان سنطرال، ينتابك شعور بالرجفة والخوف لأنك مقبل على مكان «موحش». الصبار الذي طال شوكه في جنبات الطريق، ووحشة المكان تزيد من شعورك بالخوف. فلولا معرفتك المسبقة بأنك داخل المدار الحضري، لمدينة الدارالبيضاء الكبرى، لحسبت نفسك في خلاء يبعث في النفس مشاعر الحيرة والارتباك. سكون المكان لا يبعث على الاطمئنان، ضعف التغطية الأمنية تفسره غارات «قطاع الطرق»، وحتى الإنارة العمومية التي تنير جنبات الطريق تبدو منعدمة. بين الفينة والأخرى يرتفع صوت أبواق سيارات نقل الأموات المتوجهة إلى مقبرة الغفران. الموت يشيح برائحته ورعبه على السكان، والجثامين بمقبرة الغفران هي و حدها التي تجاور السكان المستفيدين من عملية إيواء و«إجلاء» قاطني دور الصفيح بكريان سنطرال إلى الهراويين (الاموات / الاحياء). تتراءى لك من بعيد (على بعد 3 كلم تقريبا، بحكم أن سيارة الأجرة لا يمكن أن تدخل إلى المكان لعدم توفره على الامن وعلى الإنارة العمومية.) بنايات في طور الإنجاز، وأخرى مازال فيها «حفير الساس» متواصل، أناس يسيرون جيئة وذهابا بحثا عن بقعتهم التي قد يجدونها هنا أو هناك، مع العلم أنه لا يمكن لأحد من الذين صادفناهم أن يجد بقعته «في الشوكة» لأنها تتطلب «حلاوة » كما أسر لنا أحد المستفيدين! حركة شبه عادية لنساء ورجال يأتون لتفقد أشغال البناء، وآخرون يأتون بسيارات «فاخرة» توحي بأنهم من ميسوري الحال. أكيد أنهم بعض المشرفين على عملية البناء أي «اصحاب الشكارة» كما هو معروف لدى سكان المنطقة. البنية التحتية مازالت منعدمة، المرافق الصحية كذلك. كل هذه الأشياء عبارة عن مخططات في التصاميم فقط، أما على أرض الواقع، فتنعدم حتى البوادر الاولى لبداية الأشغال، غير أن هذه المخططات مازالت متعثرة، ولم تر الوجود، علما بأن بعضها كان مرتقبا أن يرى النور نهاية هذه السنة، فضلا عن كون بعض مشاريع إنجازها «تشوبها العديد من الخروقات والتجاوزات»، وهو ما يتطلب برأي العديد من المهتمين بالشأن المحلي ، ضرورة إيفاد لجن للتقصي . الاشغال متواصلة، أكوام الرمال والآجور هي التي تؤثث المكان، تتخللها مقاهي تقليدية مختلفة لبائعي «سايكوك» و«البيصارة» و«الحريرة». التقينا بأحد المواطنين ، الذي على ما يبدو أنه كان يبحث عن بقعته الأرضية، سألناه عن انطباعاته حول الاستفادة، فكان السرور باديا عليه، رغم أنه لا يخلو من مزيج من المشاكل، حيث قال: «المشكل اللي كاين، أن إجراءات البناء معقدة، اوهانتا كاتشوف، ليوما جينا باش نشوفو فين جات البقعة ديالنا، كالولينا سيرو رجعو من هنا لثلاثة أيام.. علاه احنا غادين نبقاو نتسناو؟...» يتحدث الرجل الذي يبلغ من العمر 45 سنة. أمام هذا الركام يقفز السؤال. أين تعيش الساكنة بعدما هدمت أكواخها؟ مع العلم أن عملية البناء ستتواصل لمدة خمسة أشهر على الاقل؟ سؤال تلقينا إجابته من شخص آخر الذي قال متحدثا:«(مول الشكارة) تايكري لينا لمدة 5 أشهر او تايعطينا 20000 درهم مصاريف الكراء، بالاضافة إلى 3600 درهم للتصميم، زائد 500 درهم للتصميم الجديد...». إجابة هذا المستفيد دفعتنا إلى طرح سؤال قد لا نجد الاجابة عنه، إذا كان الأمر يتعلق بإيواء سكان كاريان سنطرال، ونقلهم من أكواخ فظيعة إلى منازل بشروط العيش الكريم. فلماذا يتم هدم أكواخهم مباشرة بعد الموافقة؟ لماذا لا يدعونهم حتى تستكمل عملية البناء بغية توفير المصاريف؟ «خاصنا نشريوا الماء، او هاد الامر يتطلب منا 10 دراهم للبرميل (سعة 200 لتر) اضافة إلى أن وسائل النقل ماكيناش، أوحنا اولاد الحي المحمدي، او تنشتاغلو تماكينة. او كان قريب لينا طرنسبور...» هذه الاشكالية مضافة إلى الأمن والإنارة العمومية. يقولها شاب من أبناء المستفيدين. من الهراويين عدنا إلى كريان سنطرال، لكن هذه المرة بكريان الخليفة قصد أخذ انطباعات السكان الذين ستشملهم الاستفادة، وذلك لتتبع كيفية هدم البيوت، ومعرفة الظروف المحيطة بعملية انتقالهم. وجودنا بالمكان قصد الاستفسار، تصادف مع خروج أصوات متعالية نساء، رجال، وحتى شباب يتكلمون دفعة واحدة على نحو لا يعكس مضمون الكلام، وهم يتدافعون، في محاولة للتعبير عن مشاكلهم داخل كريان سنطرال بالحي المحمدي في الدارالبيضاء. ولأن المشكل يتعلق بتسجيل بعض الأسر في لائحة المستفيدين من السكن اللائق، وإقصاء البعض الآخر. فلم يجدو سوى الاستنكار من أجل لفت الانتباه بالإصغاء لمشاكلهم المكررة، والتي يوحد بها لسان واحد، وبحناجر متعالية الاصوات. «هاذ الشي ماشي معقول...» نفس الشكاوى، نفس الاتهامات، نفس الكلام هنا وهناك، لا أحد يسمع صراخهم، لا أحد يحرك ساكنا.. الناس يعيشون في ما أسموه ب«الذعر والقهر». لكن الجديد في الأمر، هو ما ستبوح لنا به امرأة تبلغ من العمرحوالي 48 سنة، والتي تقول:«حنا ماقتلونا ماحياونا، ماكاين لي يسمع لمشاكلنا، والمشكل هو هاذ الشيء لي سمعنا أنه في 2012 ماغادي تبقى حتى براكة، واش غادين يريبوها علينا أولى ماعرفت ايه...» هذه الاشكالية دفعت السكان إلى التساؤل، ماذا سيحل بنا بعد 2012، هل ستسوى وضعيتنا.؟! أمام كابوس 2012 الذي يخيم على مخيلة أغلب السكان ، تتناسل عدة أسئلة كتلك المتعلقة بالأسر المركبة التي استفاد بعضها، بينما بقي الآخر يتخبط تحت وطأة المشاكل، حيث صرحت إحدى النسوة للجريدة ، أنها أم لابنين متزوجين أحدهما توصل بالاستدعاء، والآخر حذف اسمه، وهو الشيء الذي أثارها، لتؤكد أن عدم استفادة ابنها ليس عدلا، في وقت يفتقر إلى امكانيات مادية تغنيه عن العيش في دور صفيحية. الرأي نفسه يؤكده رجل عجوز وهو يلح على أن وضعه الصحي لا يساعد على تحمل ضغوطات نفسية أخرى سببها عدم ادراج اسم أحد أبنائه في لائحة المستفيدين، وأسرته بالكاد تتعايش مع الفقر، حتى يحرمون من الاستقرار الاجتماعي، لأن الحاجة إلى الاستقرار النفسي والاجتماعي تكبر باستمرار لدى سكان كريان سانطرال. فالبعض أجمع في حديثه إلى الجريدة على أنه راض بالانتقال، لكنه يرفض إشراك أي أحد في المنزل، بالرغم من عدم توفرهم على مصاريف البناء. كما أنهم فقدوا الثقة في بعض المسؤولين الذين، حسب أقوالهم، قدموا لهم وعودا لا أساس لها اليوم ولو ببصيص من الصحة. ويتساءل أحدهم: «احنا كالو لينا في الأول غادين ايديرو معانا تسهيلات في القروض باش نبنيو، لكن دابا ماثقنا والو مجرد كلام في كلام...» هذه الشهادة تحيلنا إلى أن المشكل لايزال قائما رغم الخطابات التي نسمعها تتردد باستمرار على لسان المسؤولين لإصلاح الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية لسكان «الكاريانات». من خلال مشاريع تستفيد منها الفئات المحرومة وذات الدخل المحدود، تصطدم من خلال ما نعاينه وما يبلغنا به بعض المواطنين جراء معاناتهم في جانب من جوانب حياتهم التي لا توصف بقلم او تنقل بصورة ، لكننا حاولنا قدر الامكان تبيان هذه المعاناة لإثارة انتباه السلطات المختصة.