أسفر قرار روسيا القاضي بمنع تصدير الحبوب عن طرح العديد من التساؤلات حول المنحى الذي ستتخده الأسعار في الأسواق الدولية، وعن مدى قدرة الدول الفقيرة على تحمل كلفة أمنها الغذائي. أما في المغرب، فإن تراجع الإنتاج الوطني، من 102 مليون قنطار في موسم 2009 إلى حوالي 80 مليون قنطار في الموسم الأخير، فقد قلص من حجم وقيمة الواردات خلال النصف الأول من سنة 2010 بحوالي 32,9% أي بما يعادل 1328 مليون درهم، في حين يرتقب أن تتراجع وارداته عند متم سنة 2010 ب 12,5% لتنحصر في 1472,1 طن في حين يرتقب أن يتراجع معدل الأسعار الدولية من 2398 إلى 1838 درهم للطن، فضعف إنتاج المغرب مقارنة مع حاجياته يضعه في مصاف الدول المحكوم عليها بالاستيراد لتحقيق أمنها الغذائي. إن روسيا التي تعاني خلال الموسم الجاري من الجفاف الحاد ومن كثرة الحرائق، لا تعتبر من مموني المغرب رغم أنها تحتل الرتبة الثالثة عالمياً بين الدول المصدرة للحبوب. فخلال الستة أشهر الأولى، أي قبل إعلان روسيا عن منع تصدير الحبوب، شكلت فرنسا أول ممون للمغرب بعد أن ارتفعت الكميات المستوردة منها من 816,3 إلى 942,3 ألف طن. وبعد أن ارتفعت رتبة الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى الصف الثاني بفعل ارتفاع الواردات منها من حوالي 20 ألف طن إلى 569,2 ألف طن، فإن رتبة كندا تراجعت إلى الصف الثالث بفعل تراجع حجم صادراتها إلى المغرب من 392,4 إلى 193,7 ألف قنطار. وإلى حدود نهاية الأسبوع الأخير اضطرت مصر، التي تعتبر أول زبون لروسيا، إلى شراء حوالي 240 ألف طن من فرنسا بسعر يزيد بحوالي 3 دولارات في الطن عن السعر المعتاد مع روسيا. وإذا كان هذا الارتفاع يشكل بالنسبة للبعض مؤشراً على ارتفاع الأسعار في الأسواق الدولية، فإنه اعتبر بالنسبة للبعض الآخر مؤشراً على عدم تأثر الأسواق الدولية بالتهويل الذي تلا امتناع روسيا عن التصدير لتأمين تموين السوق الداخلية، وقد تم دعم هذا التوجه بارتفاع حجم المخزون في كبريات الدول المصدرة للحبوب بما فيها الولاياتالمتحدةالأمريكيةوكنداوفرنسا وأستراليا. لقد عمل المغرب في السنوات الأخيرة على الرفع من حجم قدراته على تخزين الحبوب، وبذلك صار بإمكانه أن يشتري المزيد من حاجياته في الفترات التي تتميز بتراجع الأسعار الدولية، غير أن تزايد الطلب العالمي على الحبوب والتوجه نحو استعمال هذه المادة الغذائية الأساسية في إنتاج الطاقة صار يهدد بارتفاع الأسعار وبذلك لم يعد للمغرب من خيار غير الرفع من مستوى إنتاجه الداخلي، والاستمرار في حماية الإنتاج الوطني، غير أن هذا التوجه يقتضي بدوره عصرنة القطاع وتأهيله عبر الإنتاج في حقول شاسعة الأطراف ومجهزة بأحدث التجهيزات، كما يقتضي النهوض بمختلف المهن المرتبطة بالقطاع وخاصة منها مهن إنتاج البذور والأسمدة، ويقتضي كذلك الرقي بالموارد البشرية وتوفيرها بالعدد الكافي لمواجهة الطلب. وإذا كانت مخاطر التقلبات المناخية تهدد إنتاج مختلف الدول وتمهد لارتفاع الأسعار، فإن تحسن مردودية وإنتاجية العديد من الحقول المغربية يشكل خير مؤشر على ما يزخر به المغرب من مؤهلات لبلوغ الاكتفاء الذاتي من الحبوب أو على الأقل الاقتراب منه. فأمام أهمية ومكانة الإشكالية المطروحة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي والمالي، فإن قرب انطلاق الموسم الفلاحي الجديد يشكل خير مؤشر على مدى استعداد المغرب للانخراط في خيار اعتماد الرفع من الإنتاج الوطني كسلاح عملي للحد من انعكاسات تقلبات الأسواق الدولية.