من المؤكد أن النقاش حول الجهوية الموسعة في المغرب يحمل معه أسئلة كثيرة، خصوصا و أنه يهدف إلى تحسين طبيعة العلاقة التي تربط المركز بالجوار، و يطمح إلى الارتقاء بالحياة العامة على المستوى المحلي، بشكل تتمكن من خلاله الساكنة من المشاركة في القرار. إن العمل على ترسيخ ثقافة التشارك سيساعد المغرب على محاربة الهشاشة و الفقر و سيحمس المواطنين على المشاركة السياسية. يمكن تلخيص الأهداف المنتظرة من طرف الجهوية الموسعة في هدفين رئيسيين، الأول هو تثبيت الديمقراطية المحلية و الثاني هو تشجيع التنمية المحلية. إلا أن تحقيق هاتين الغايتين، لن يكون بالأمر السهل نظرا للصعوبات التي تقترن بهذا الموضوع، الشيء الذي يدفعنا إلا طرح الأسئلة التالية: هل يمكن تحقيق ديمقراطية محلية في ظل غياب، في كثير من الأحيان، نخبة سياسية محلية متنورة؟ و في ظل تغييب الرأي السياسي من اللجنة الوطنية المكلفة بإعداد مشروع التصور الأولي حول الجهوية؟ هل يمكن تحقيق تنمية محلية في ظل التقسيم الإداري الحالي؟ هل يفترض إضافة عدد الجهات أم تقليصه؟ و كيف للجهوية الموسعة أن تكلل بالنجاح في ظل تداخل الاختصاصات بين السلطة و المنتخب؟ ما هي الإصلاحات المتوخاة من طرف الجهوية الموسعة؟ يساور الرأي العام هم مشترك يتجلى في تخليق الحياة العامة، عن طريق محاربة مظاهر الفساد و التمييع، إلا أنه و مع الأسف، تتعدد الممارسات غير الأخلاقية من شراء للذمم و تزوير مع كل محطة انتخابية، إن هذه المشاكسات لا تمت بصلة للسياسة بمفهومها النبيل، الشيء الذي يدفعنا إلى مساءلة إمكانية تحقيق الديمقراطية المحلية، فمن أجل ترسيخ هذه الغاية على الفاعلين السياسيين من أحزاب و مرشحين أن يرتقوا بالعمل السياسي، إلا أنه خلافا لذلك، فالواقع يبرهن على أن غالبية الأحزاب لا تقوم بدورها في هذا الإطار كما أن الحياد السلبي للسلطة لا يخدم دولة الحق و القانون بشكل عام، مما يجعل الشكوك تحوم حول إمكانية تحقيق هذه الغاية الجماعية. لقد تعددت هذه المشاهد المسيئة للشأن السياسي خلال انتخابات 2007 و 2009، و اليوم و مشروع الجهوية الموسعة يدفعنا إلى التفكير في طبيعة الأشخاص الذين سوف يمثلون المواطنين داخل الهيئات المنتخبة، سؤال عميق لأنه يطرح في نفس الوقت قضية الاختصاصات المخولة للسلطة و المنتخب، فهل نحن اليوم قادرون على تمتيع المنتخب المحلي بصلاحيات أوسع في ظل هذه الظروف و الممارسات غير المسؤولة. كما أن الجهوية الموسعة تفرض رؤية سياسية قادرة على تحليل و بناء تصور متكامل، إلا أنه تم تغييب هذا الرأي السياسي، حيث أن اللجنة الوطنية المكلفة بالجهوية الموسعة لا تضم تمثيلية للأحزاب السياسية القادرة على إضفاء طابع سياسي على المشروع، بشكل أكثر عمقا مقارنة بالرأي الأكاديمي و الإداري، خصوصا و أن الجهوية الموسعة تحمل في طياتها مواضيع أخرى و كبرى متعلقة بقضايا وطنية و مصيرية للبلاد ككل. من ناحية أخرى، تعتبر الجهة عبارة عن مجموعة ترابية منسجمة مجاليا، و إن التقسيم الإداري الحالي يأخذ بعين الاعتبار كمعيار التنوع الطبيعي، إنه غير مبني على الوظيفية، و على هذا الأساس تم تشكيل 16 جهة، إلا أنه و من أجل تحقيق التنمية المحلية و جب على الجهات أن تقام بناء على معيار آخر و الذي هو البعد الثقافي و الاجتماعي و الاقتصادي، حتى نمهد لانسجام يشرك الفاعلين المحليين من مجتمع مدني و قطاع خاص في الإنجاز التنموي. في نفس الإطار نتساءل حول عدد الجهات المرتقب، غالبية الآراء تتجه نحو تقليص عدد الجهات، إلا أنه و إن كان الهدف كذلك هو التخفيف من الأعباء الإدارية للمركز، وجب خلق جهات أكثر حتى يتسنى للمواطنين أن يتمثلوا في هيئات أكثر انسجاما و فاعلية، و حتى نقوي شرعية الديمقراطية المحلية، خصوصا لما نتكلم عن سياسة القرب و فسح المجال للنخب المحلية، إن الرفع من عدد الجهات سيجعل الجهوية الموسعة عبارة عن محلية متقدمة. في نفس السياق، و من أجل تحقيق الهدف التنموي و الديمقراطي، على الجهوية الموسعة أن تكون محطة لجلب مكتسبات جديدة خصوصا في مجال توسيع الحريات العامة، و ذلك بطريقة تتلاءم مع المفهوم الجديد للسلطة. من المفروض تحديد و توضيح الاختصاصات بين السلطة و المنتخب، فعلى الرغم من ضعف بعض المنتخبين في التسيير و التدبير المحلي، على الإرادة السياسية أن تقتضي بجرأة ديمقراطية، خصوصا في الجانب الوطني، و أن تفسح المجال للمنتخب على المستوى الوطني لأنه المحاسب الأول و الأخير عن نجاح السياسات العمومية. من هنا يبدو أن اقتراح حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، اقتراح ذو نجاعة و واقعية، فهو يدعو إلى جعل الوالي ممثلا للدولة و منسقا للسياسات العمومية، و عليه فعلى الوالي أن يصبح مخاطبا للوزير الأول الشيء الذي يدعم الديمقراطية و المسؤولية السياسية بشكل كبير. في الواقع إن التحديات المرجوة من الجهوية الموسعة كبيرة و كثيرة، لأنها ستمثل في حد ذاتها لجيل جديد من الإصلاحات، إن كنه هذه المبادرة لن يكون عظيما إذا لم ترادفه إصلاحات جوهرية على مستوى الدولة و المجتمع، و الإصلاحات يجب أن تروم حل المشاكل المتعلقة بتفعيل قانون الجهة و التحديد الترابي و طريقة انتخاب المجالس الجهوية و مشاكل التمويل و الغموض الذي يلف العلاقة بين الجهة و الجماعة المحلية و كذلك مشكلة غياب المخططات و المشاريع. كما أن الجهوية الموسعة يجب أن تلتزم بمبادئ الوحدة الترابية و الديمقراطية و التنمية، حتى يتسنى لها تقديم إصلاح كبير و شامل على مختلف المستويات، كإصلاح نظام اللامركزية و اللاتمركز، إصلاح نظام تدبير المالية العمومية، إصلاح قانون الجهة و نمط الاقتراع، و إصلاح قانون الأحزاب بشكل يجعله أكثر فعالية حتى تحارب ظاهرة الترحال السياسي التي تمزق مشهدنا السياسي و تسيء للفعل الديمقراطي و مصداقيته. على الجهوية الموسعة أن تكون مدخلا لتعديل دستوري، تعديل حان موعده، خصوصا و أن الانتظارات كثيرة و تجربتنا السياسية و القوى التقدمية تنادي به منذ مدة. الجهوية الموسعة ليست شعارا مرفوعا بل إنها تقتضي شجاعة و إرادة سياسية ديمقراطية، إنها خطوة سياسية سوف تخضع للتحليل و النقد و المراقبة ، لذلك وجب تعميق الرؤية حتى لا تفرغ من محتواها، و حتى يتمكن المغرب من البرهنة على جرأة ديمقراطية في تدبير شأنه الداخلي، على الجهوية الموسعة أن ترفق بمكتسبات جديدة في مجال الحريات العامة، لأنها أولا و قبل كل شيء، رهان دولة و مجتمع.