يعيش المغرب اليوم أحد أهم تحولاته التاريخية، والذي يعكس حلقة أخرى من حلقات تطور الدولة المغربية الحديثة، التي قد تقود تدريجيا نحو تفكيك نمط الدولة التقليدية القائمة على مركزة السلطة و الاتجاه بها نحو شكل آخر من أشكال الدولة الديمقراطية القابلة لاقتسام السلطة و توزيعها جهويا، بشكل تستجيب معه لمتطلبات الجهة و لدولة قادرة على استيعاب المطالب السياسية، الديمقراطية و الثقافية لجهات المغرب الكبير. إننا اليوم و بلا شك أمام بناء مشروع دولة قوية بلامركزيتها متضامنة بين جهاتها و مناطقها، و إذا كان هذا المطلب في جزء منه استجاب لإشكال دام طيلة عقود من الزمن و فيه حل لمشكل الأقاليم الجنوبية ، فإنه من جهة أخرى سيسمح بشكل من التدبير الجهوي الذاتي الموسع، المستجيب لمتطلبات الجهة ترابيا، ثقافيا، و إذا كان كذلك في جزء منه سيقدم حلا لمشكل الديموقراطية المحلية، فإنه من جهة أخرى سيفتح المجال من أجل إعادة بناء التشكيلات السياسية المؤطرة للمواطنين على أسس جهوية تواكب تطور الدولة و تساير عملية اللاتمركز التي تنهجها و تؤسس لها بهدوء. إن هذا التحول سيجعل أولى التشكيلات المعنية مباشرة به هي الأحزاب السياسية التي من المفترض أنها المطالبة بشكل مستعجل بالبحث في مسألة الجهوية الموسعة أو المتقدمة، ليس فقط في اطار المشاورات التي دشنتها الدولة حول رؤية الأحزاب للجهوية، بل بالأساس حول طبيعة التنظيم الحزبي المغربي اليوم، لكي يستجيب لمطلب الجهوية الموسعة؟ هل هو قادر بشكله الحالي على استيعاب مطالب الجهوية الحزبية ؟ على الرغم من وجود بعض الملامح الجهوية في التنظيمات الحزبية إلا أنها مازالت محتشمة، و غير قادرة على إبراز الجهة كتنظيم حزبي متقدم له سلطات واسعة و شاملة على مجموع ترابه التنظيمي، بل مازالت عملية مركزة القرار في المركز هي العنوان الأبرز لمجموع التنظيمات الحزبية المغربية، حيث إن أكثر ما يمكن أن يسائل الأحزاب السياسية اليوم هي قدرتها على التحول من أحزاب مركزية إلى أحزاب لا مركزية، ذات تنظيم جهوي حقيقي قائم على فكرة التدبير التنظيمي الجهوي « المستقل» في قراراته الجهوية المتكامل مع المركز في ما هو وطني؟ إن عملية إعادة بناء التنظيم الحزبي اليوم على أسس جهوية،على فكرة و منطق الجهة الموسعة أو المتقدمة، هي ضرورة تنظيمية مستعجلة راهنة، قائمة الذات بما يضمن مطلب الحزب في إطار التنظيم الجهوي الحقيقي القادر على تنظيم الحزب بروح جهوية ، على أن اكبر سؤال سيواجه الذات الحزبية و الحياة السياسية المغربية، هل سيتم السماح بإنشاء أحزاب جهوية صرفة، أي أن يتم تأسيس أحزاب سياسية ذات حمولة تنظيمية جهوية صرفة لا امتداد وطني لها؟ بمعنى أكثر دقة، هل ستسمح الدولة اليوم و ستقبل بوجود و تأسيس إطارات سياسية حزبية جهوية يمتد إشعاعها داخل تراب جهوي تنظيمي معين لا غير، خصوصا و أنه عمليا على مستوى الواقع الميداني هناك تجربة متقدمة لإطارات مدنية جمعوية - تنموية و حقوقية تشتغل على الصعيد الجهوي فقط دون أن يكون لها امتداد وطني كالنماذج الحزبية الموجودة بأوربا (اسبانيا خصوصا). إن طرح هذا التساؤل هو مرتبط بالأساس بمدى قدرة الدولة و المشهد الحزبي المغربي اليوم على الاستجابة لفكرة الجهوية الموسعة، الجهوية في بعدها الشمولي، الرامية إلى إبراز الجهة ترابيا - سياسيا و مؤسساتيا، ليمتد هذا البروز إلى الحزب كمؤسسة حزبية سياسية ستعمل على تأطير مواطني الجهة حول مشروع اجتماعي - سياسي و اقتصادي جهوي، يستجيب لمطالب مواطني الجهة خصوصا المرتبطة منها بالتنمية و الديموقراطية الاجتماعية دون امتداد وطني لهذا المشروع. كذلك أهمية هذا التساؤل اليوم، هي نتيجة لبداية بروز نقاش و إن كان محتشما حول رغبة العديد من الفاعلين في تأسيس إطارات حزبية سياسية جهوية ذات امتداد تنظيمي ترابي محدد لا يصل مداه على الصعيد الوطني، مادامت الأحزاب السياسية المغربية هي أحزاب و إن اختارت الجهوية التنظيمية ، فإنها لم تستطع بناء تجربة حزبية مبنية على الجهة كمعطى تنظيمي حقيقي مستقل في قراراته الجهوية ذات الارتباط بترابها التنظيمي، و مادام القرار الحزبي و إن كان يتعلق بما هو محلي، يبقى مرتبطا بالوطني. إننا اليوم أمام أسئلة لا شك و مع تقدم النقاش حول الجهوية المتقدمة ستبرز للوجود، خصوصا إن لم تستطع الأحزاب السياسية تهيئ نفسها على الصعيد الداخلي، فإننا سنجد المشهد الحزبي أمام ملحاحية تأسيس إطارات حزبية جهوية صرفة، إن عدم تجاوز الحالة الحزبية الراهنة سيؤدي بالضرورة إلى التفكير في بناء ذوات تنظيمية حزبية مستقلة عن المركز تتعامل مع الجهوية الموسعة بشكل سياسي و انتخابي محدود في مجالها الترابي الجهوي الذي رسمته لنفسها.