أبو مروان ، من القيادات الفلسطينية التي عايشت الإنطلاقة الأولى لحركة فتح ودورها الوطني والكفاحي في إطلاق شرارة الثورة الفلسطينية ، والدور الذي ستلعبه منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني ، وعنوانا سياسيا ونضاليا لفلسطين المغتصبة . وقد واكب منذ بداية الستينات ، سواء كمسؤول إعلامي بمكتب فلسطين ثم مكتب منظمة التحرير في الجزائر قبل أن يلتحق بالمغرب ليصبح أول سفير لدولة فلسطين بعد إعلانها سنة 1987 ، واكب مختلف تطورات القضية الفلسطينية والعلاقات الفلسطينية العربية والفلسطينية المغربية بالخصوص . في هذا الحوار المطول ، يفتح أبو مروان صفحات هامة من مخزون ذاكرته ، منذ أن رأى النور في قرية سيلة الضهر كاشفا عن تفاصيل وأسرار تنشر لأول مرة . { ماذا وقع سنة 1987 فيما يخص استقبال وفد البوليزاريو؟ في الحقيقة ، ليس هذا مقام لإحياء المشاكل مع الإخوة الجزائريين، لكن آنذاك ، كان ينتابنا شعور بأن الجزائريين سوف يستقدمون محمد عبد العزيز إلى أشغال المجلس الوطني الفلسطيني . ذهبت إلى تونس حيث التقيت أبو عمار، وتحدث معه حول الموضوع ، فقال لي : أبدا هذا غير صحيح . فأوضحت أنه ، في الطرف الآخر ، هناك أخبار تفيد هذه المسألة، فقال : لا علم لي بهذا الموضوع بتاتا . لما انعقد المجلس الوطني ، حضره وفد مغربي يضم مستشار جلالة الملك أحمد بنسودة ونواب برلمانيون يمثلون مختلف الأحزاب وصحفيون، عموما كان وفدا كبيرا. خلال الجلسة الافتتاحية ، وكان وقتها رئيس المجلس هو خالد الفاهوم ، ، فوجئنا بقدوم رئيس جبهة البوليساريو رفقة الوفد الجزائري، عندها صعق أبو عمار ، ووقفنا نحن ، ووقف الوفد المغربي وغادر القاعة ، ولحقت بهم أنا وأبو جهاد وأبو السعيد وأبو مازن ، وذهبنا جميعا إلى السفارة المغربية ونظمنا ندوة صحفية شرحنا خلالها الموقف . نحن تفهمنا الموقف المغربي، وكانت لحظة عاطفية بالنسبة لجميع الإخوة، لكن في بعض الأحيان يبالغ المرسول في وصف الأمر ، حيث قيل إنه كان هناك تصفيقا عند دخول وفد البوليساريو ، والحقيقة أنه لم يكن هناك أي تصفيق. نحن ، في بداية المشكلة ، حاولنا إصلاح ذات البين بين المغاربة والجزائريين فلم ننجح ، فقلنا «خلاص» وتركنا هذا الموضوع نهائيا، لكن في المجلس الوطني في الجزائر ، الإخوة الجزائريون أحرجونا ، وجلالة الملك كان طبيعيا أن ينفعل ، وقال ممنوع اتصال أي مغربي بالفلسطينيين في خطابه المعروف، غيرأن الإخوة المناضلين كانوا يعرفون أن جلالة الملك قال ذلك في لحظة انفعال، ولم ينقطعوا عنا، فكان العديد من المناضلين في اتصال دائم معنا ، والمكتب لم يتعرض له أحد ، ولكن انقطع الناس عن زيارتنا رسميا. وقد قمنا بمجهود كبير لتسوية الموضوع عبر العديد من التصريحات التي قلنا فيها إنه لا علاقة لنا بما جرى . رسميا انقطع الاتصال بنا ، لدرجة أن جلال السعيد كان في مؤتمر وقال : نحن لم نتصل بالفلسطينيين . بمعنى أن عدم الاتصال بالفلسطينيين أصبح عنوانا ، وبعد ذلك حدث أن انعقد مؤتمر لوزراء الإسكان العرب في فندق حسان . الفلسطينيون لم يبعثوا بوفد، فكلفوني بالحضور ، فاتصل بي الإخوان في الوفد المغربي وقالوا لي: رجاء لا تتكلم لأنه إذا تكلمت سنكون مضطرين للانسحاب. شخصيا لم يكن عندي موضوع أتحدث فيه ، لأنني لست مختصا في الإسكان، لكن صار من واجبي التكلم لأنه لا يمكن تغييب صوت فلسطين ، فأنا أمثل دولتي هنا وصوت فلسطين لا يغيب ، ولذلك تناولت الكلمة ، فقام وزير الإسكان وقتها وغادر القاعة ، وتبعه الوفد المغربي. لما انتهينا قال لي ، خارج القاعة : ما قمت به ليس جيدا. فأجبته :بالعكس ما قمت به جيد وسنرى أن جلالة الملك لن يرضى على انسحابكم. بعدهها سمعت أن جلالة الملك عنفه . أنا غضبت بعد الذي حدث ، وبعد أسبوع جمعت حقائبي وغادرت المغرب رفقة أولادي متوجها إلى تونس، وهناك أقمت ، في انتظار أن أعين في مكان آخر ، حيث اكتريت منزلا واقتنيت سيارة وأولادي التحقوا بالمدرسة. في تلك الفترة ، لم يكن بالإمكان تعييني في مكان ما، فكنت أكلف بمهمات محددة، في اجتماعات الجامعة العربية، اجتماع في اليونان، في جنيف.. إلخ . بعدها أخبرت أنني قد أعين في الاتحاد السوفياتي ، وقد كنت وقتها متوجها إلى الهند ، لحضور المؤتمر الأفروآسيوي ، وكانت الرحلة عن طريق موسكو، فاغتنمت الفرصة لأزور السفارة والمنزل ، ولما عدت سألوني إن كنت موافقا على الاستقرار هناك فقلت لهم إني موافق، فقالوا طيب اذهب إلى المغرب لتوديع جلالة الملك، لأنني عندما غادرت المغرب لم أودعه. في ذلك الوقت ، كان هناك مؤتمر في تونس يشارك فيه باسم المغرب ، وزير الخارجية آنذاك عبد اللطيف الفيلالي ، فلما رآني قصدني قائلا إنه يجب أن أعود إلى المغرب ، وأن علاقتي بجلالة الملك جيدة وهذه الصفحة السيئة يجب أن نطويها، وأنتم أخطأتم لكن يجب طي هذه الصفحة ، مضيفا أن القضية الفلسطينية هي قضية الملك والمغرب وكل المغاربة . لم أرد عليه ، ظللت أنصت فقط، وبعد ذلك أخبرت الإخوان ورويت بالتفصيل ما حصل. عندما عدت إلى المغرب ، لتوديع جلالة الملك ، رافقونا بالبروتوكول العادي ، لمقابلته وكان موجودا مع جلالته ولي العهد ، وبنسودة، وبعض الوزراء. كان رضا اكديرة قد سبق وصرح بأن باريس أقرب إلينا من مكة ، فبدأت أتكلم عن الهوية والانتماء ، وقلت ما ملخصه إن المغرب الذي حمى الأمة العربية، الجدار الصامد للعرب والمسلمين في الغرب ، والذي وقف في وجه غزوة الصليبيين، مغرب واد المخازن....إلخ الآن جلالتكم ، بما حباكم الله من تكوين وذكاء ، قادرين على مواصلة هذه الرسالة ، وقضيتكم ، أي القضية الفلسطينية ، في حاجة إليكم ونحن بحاجة إلى خطوة على المستوى العربي، الحسن الثاني يعرفها وأنا لا أعرفها... فأجابني: إنشاء الله يكون خيرا ، قلت له هذه قناعتنا في فتح وإنشاء الله الأخ الذي سيرسله الرئيس عرفات مكاني سيكون بالمستوى ولديه هذه المعارف فقال لي: أنت لن تذهب، من قال لك إنك ستذهب؟ . قلت له : يا جلالة الملك أنا أصبحت مكلفا بمهمة أخرى . فرد علي: أترك هذه المسألة سأحلها مع السيد ياسر عرفات . وهكذا ذهبت دون أن أودعه فرجعت الى تونس، والتقينا بالأخ أبو عمار وقلنا له لقد انتهى الموضوع، فالمقابلة بثت على شاشة التلفزة وهي إشارة للمغاربة بأن المقاطعة انتهت، فقام الرئيس عرفات وبعث رسالة مع الأخ هاني الحسن ، وكان مستشارا للرئيس، فلم يستقبلوه، فاتصل بي أبو عمار، وكنت ماأزال في تونس ، وأخبرني بما حدث مع هاني فقلت له إن المغاربة على حق . قال لي كيف ذلك؟ قلت له : كان يجب أولا أن تتصل بالمغاربة وتسألهم وتخبرهم بأنك سترسل مبعوثا لك ، حاليا هناك قطيعة، حساب آخر قبل حساب الأخوة والمحبة ، فقبل ذلك كنا نخبر المغاربة أن أبو عمار قادم بعد ساعة فيقومون بكل الترتيبات اللازمة، أما الآن فهناك وضع آخر ، فيجب أولا إصلاح العلاقات ، فقال لي : طيب إذا كان الامر هكذا ، اتصل بهم وحدد موعدا لأبو مازن، فتم ذلك حيث اتصلت ببنسودة وحددنا يوم الإثنين الموالي موعدا لوصول أبو مازن حاملا رسالة من الرئيس عرفات إلى جلالة الملك، فتم ذلك واستقبله جلالته. وقتها قال لي أبو مازن بأنه يجب أن أرافقه، فأخبرته أنني الآن خارج المغرب، فقال لي : لا يجب أن تذهب معي . كان هذا أيضا رأي أبو عمار، وهكذا رافقته وجئنا إلى المغرب. وبعد أن قابلنا جلالة الملك، سأل بنسودة أبو مازن عن موعد رجوع أبو مروان فقال له الأسبوع القادم . أنا فوجئت، لأن الموضوع كان بحاجة إلى ترتيبات، لكنه قال بأنه تفاهم مع أبو عمار، فغضبت، وكنا وقتها في فندق سفير، بعدها جاء عندنا الأخ اليازغي ومجموعة من الإخوة وقالوا لأبو مازن إن أبو مروان يجب أن يرجع ، طبعا أقنعوني بذلك ، وهكذا رجعت إلى تولي منصبي ، و لحسن الحظ كنا أواخر غشت- بداية شتنبر، ولم يكن الأولاد قد باشروا الدراسة ، فتركنا المنزل في تونس وعدت إلى المغرب . عموما ما حصل كان سحابة عابرة وتبين فيما بعد أن الفلسطينيين لا علاقة لهم بهؤلاء الأشخاص (البوليساريو) ولم يسبق أن اعترفوا بهم، ولم يقوموا لهم بأي نشاط إعلامي ولم يلتقوا معهم في أي اجتماع. لأنه لو كان الأمر عكس ذلك ، لظهر على أرض الواقع ، ولكنا قد قمنا بزيارتهم ، وقاموا هم بزيارتنا، وهذا لم يحصل بتاتا. للأسف كانت بعض التنظيمات الأخرى قد تسرعت واعرفت بهم، لكنها راجعت موقفها فيما بعد مثل الجبهة الديمقراطية... وعموما لا يصح إلا الصحيح ، فنحن لسنا مع تفتيت العالم العربي، فبالأحرى سنقوم بذلك مع شعب وبلد لم يسيء إلينا، بل بالعكس أحسن إلينا واعتمدنا عليه اعتمادا كبيرا، وجزء كبير من منجزاتنا شارك فيه المغاربة مشاركة فعالة، وإنشاء الله الأمور في طريقها إلى الحل من خلال الطرح الجديد الذي قدمه المغرب ، فلن يبقى هناك أي مبرر لمن يرفض ولمن يصر على هذا الموضوع. والحقيقة أن هذه القضية ألحقت بنا ضررا كبيرا لأنها حجبت عنا إمكانيات المغرب العربي، لأننا نعتبر أن إمكانيات المغرب العربي قادرة أن تنجدنا في هذا الزمن العصيب ، في الوقت الذي يسري فيه سرطان بالمشرق العربي . كان المفروض أن الدعم يأتينا من المغرب العربي ، لكنه انشغل بهذه القضية واتحاد المغرب العربي تعثر بسببها ، ونحن نرجو أن تصل إلى حل قريب مع الطرح الجديد للمغرب. انتهى