أبو مروان ، من القيادات الفلسطينية التي عايشت الإنطلاقة الأولى لحركة فتح ودورها الوطني والكفاحي في إطلاق شرارة الثورة الفلسطينية ، والدور الذي ستلعبه منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني ، وعنوانا سياسيا ونضاليا لفلسطين المغتصبة . وقد واكب منذ بداية الستينات ، سواء كمسؤول إعلامي بمكتب فلسطين ثم مكتب منظمة التحرير في الجزائر قبل أن يلتحق بالمغرب ليصبح أول سفير لدولة فلسطين بعد إعلانها سنة 1987 ، واكب مختلف تطورات القضية الفلسطينية والعلاقات الفلسطينية العربية والفلسطينية المغربية بالخصوص . في هذا الحوار المطول ، يفتح أبو مروان صفحات هامة من مخزون ذاكرته ، منذ أن رأى النور في قرية سيلة الضهر كاشفا عن تفاصيل وأسرار تنشر لأول مرة . { حضرت مختلف المؤتمرات والقمم التي نظمت في المغرب ، بعد كل هذه السنوات كيف تقيم تجربتك ، كممثل لفلسطين ، على هذا الصعيد ؟ في البداية، قبل أن تندمج فتح في منظمة التحرير الفلسطينية ، لم يكن المغرب الرسمي ينسجم مع القضية الفلسطينية، أولا لقناعته بأن الأمر يتعلق بخطاب ديماغوجي لا يوجه للعالم فمخاطبة العالم لا تتم بهذه الطريقة، وتكرست هذه الرؤية أكثر بعد 1967. اتصالاتنا مع جلالك الملك ، الحسن الثاني ، تمت في البداية عن طريق أخ اسمه محمد يوسف النجار، كان الاتصال به قد تم في بيروت ، ثم جاء إلى المغرب حيث انتظر 20 يوما ، وكان مقيما في فندق حسان بالرباط، ليتمكن من مقابلة جلالة الملك ، وكان ذلك أوائل سنة 1968 ، أي مباشرة بعد أن التحقنا بالمنظمة ، فاجتمع الأخ الذي ذكرت مع جلالة الملك، الذي أعجب بمنطقة وأفكاره، لأنه كان شابا يتحدث بمنطق واضح وبسيط ولا يبدو أنه من المتلاعبين ، بالإضافة إلى أنه جريئ ، صريح وشجاع، وأبدى حرصا على وجود المغرب إلى جانب القضية الفلسطينية . جلالة الملك أعجب بمبعوثنا لكن أوفقير لم يعجبه فقال أوفقير: هذا ليس هو الرئيس، هذا ما بيدوش، خاصهوم يجيبو لينا الراس الكبيرة للتفاهم معنا» فتم تنظيم زيارة لأبو عمار إلى لمغرب، لكن بدون علم أوفقير، الذي فوجئ بوجوده في أثناء الاجتماع، وكانت زيارة أبو عمار هذه هي الأولى له إلى المغرب ، وكانت زيارة سرية حيث قضى ليلته الاولى في الرباط ، بمنزل أخت بنسودة ، وفي اليوم التالي ركب طائرة خاصة باتجاه اكادير، وحصل أن الطائرة واجهت أحوالا جوية مضطربة وكادت أن تسقط وهي متجهة إلى أكادير . عموما وصلت الطائرة بسلام ، وتم اللقاء مع جلالة الملك حيث تحدث أبو عمار بنفس المنطق الذي سبق أن تحدث به يوسف النجار، بعدها توجه له جلالة الملك بالقول : يا سيد ياسر ماذا ستصنعون بالمهجرين اليهود الذين سافروا إلى فلسطين واستقروا بها ؟ فقال له أبو عمار: يا جلالة الملك نحن إذا ما أعلنت الدولة المستقلة الديموقراطية سنقبل بوجود حتى اليهودي الذي وصل إلى فلسطين ليلة الإعلان ، بعدها لا نقبل بأي مهجرين إلا طبقا للقوانين الدولية. فقال له جلالة الملك : هذا منطق عاقل وطبقا لهذا المنطق ، أنا سأشرع في الدفاع عنكم ، مادام هذا المنطق هو السائد، وفي ظل وجود القيادة الحالية، أما إذا ما تبدل هذا المنطق وهذه القيادة، فلكل حادث حديث. في الحقيقة كان هذا الكلام عبارة عن عقد شراكة، منذ ذلك التاريخ إلى حين وفاة جلالة الملك وخلفه ابنه الذي أيضا عندما كان وليا للعهد، كان يحضر كل اللقاءات المخصصة للقضية الفلسطينية. جلالة الملك كان ملتزما بالقضية الفلسطينية ، ليس كقضية خارجية ، بل كالتزام فكري ، وكان يحاول التفكير في حلول بطرق غير تقليدية مثلا كان ذات مرة قد قال : كم عدد اليهود على الأراضي الفلسطينية، فأجابوه بأن العدد يقارب مليون أو مليون ونصف . فقال لهم : لماذا لا نضمهم إلى الجامعة العربية ونخلص منهم. إذ منذ ذلك الوقت كان التفكير أن لا تكبر إسرائيل. وكان جلالة الملك يعي أنها قاعدة للغرب ولابد من التفاهم مع الغرب من أجل حل المشكل كما أنه بدل جهدا كبيرا مع قيادة الحركة اليهودية في العالم ، لأن التوجه الأساسي عندهم كان هو إسرائيل الكبرى وأرض الميعاد ، فأتى بمجموعة من زعماء اليهود في العالم مثل ناحوم غولدمان و منديس فرانس ، وأجرى معهم حوارا طويلا لإقناعهم بأن على إسرائيل أن تقبل بحدود في دولة صغيرة تبقى ملجأ لليهود في العالم إذا حدثت مظاهر لاسامية في منطقة من المناطق ، وأن على إسرائيل أن تغتنم هذه الفرصة التي فيها حكام معتدلين وقابلين للتسوية وتصل معهم إلى تسوية ، لأن هذه الأراضي لم تكن إسرائيلية يوم أعلنتم الدولة فلماذا لا تردوها للفلسطينيين لإقامة دولتهم عليها. والحقيقة أنه بعد هذا اللقاء حدث انشقاق داخل الحركة الصهيونية فناحوم غولدمان الذي كان مسؤولا في الحركة الصهيونية لمدة 40 سنة ، اختلف معها وألف كتاب «إسرائيل إلى أين؟» قال فيه إن على إسرائيل ، من أجل الحفاظ على فرص البقاء ، أن تؤكد نفسها في دولة مثل باقي الدول لديها حدود ودستور إذا كانت تريد أن تبقى في المنطقة. فبدأت هذه الفكرة تجد لها أتباعا حيث تبناها أبا ايبان ومجموعة من العقلاء تبنوا هذا الخط ، وشهدت الحركة الصهيونية حوارا على أساسه سيعترف رابين لاحقا بمنظمة التحرير الفلسطنيية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني. أصبح الملك الحسن الثاني محجا لكل من يريد فهم القضية الفلسطينية وفهم الشرق الاوسط، حيث كان المغرب محطة ضرورية وأساسية لكل من حاول الاطلاع على الوضع بالشرق الأوسط، فكسينجر قبل أن يزور الشرق الاوسط مر من هنا... طبعا أسلوب الملك الحسن الثاني لم يكن أسلوب مواجهة، كان أسلوب إقناع ، وبهذه الطريقة أفادنا جدا في ترسيخ الفكر الفلسطيني في الغرب. هذه الجهود لم تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية لكن كثيرا من الدول غيرت قناعاتها ونظرتها إلى إسرائيل وفكرة إسرائيل الكبرى والدولة الديموقراطية الوحيدة في المنطقة، لتصبح مقتنعة بأن للفلسطينيين حقوق يجب أن يحصلوا عليها . ينضاف إلى هذا طبعا إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي غير المسبوقة في التاريخ والتي حضرها كل رؤساء العالم الإسلامي وأصبحت تتمحور أشغالها حول القضية الفلسطينية ، وكونت لجانا عديدة زارت مختلف دول العالم ، وأهم نشاط سياسي لها كان هو لجنة القدس التي ، كما أعتقد ، كان لها دور كبير في عدم تهويد القدس، فقد وقفت في عدة لحظات حاسمة للدفاع عن القدس ، مثلا عندما كانت كندا تريد أن تنقل سفارتها للقدس ، والولايات المتحدة التي كانت عدة مرات تعلن عن محاولة نقل سفارتها للقدس ، ولكن تدخل لجنة القدس ، باسم العالم الإسلامي ككل ، كان يحسب له ألف حساب فيتم التراجع عن هذه القرارات في آخر لحظة، وبالتالي لازالت القدس قدس، فرغم اداعاءات إسرائيل، إلا أن القدس ليست موحدة، ولا يستطيع أي يهودي عادي دخول القدس العربية إلا اذا كان محميا بالجيش ، والقدس العربية، عدد سكانها في تزايد وهم أكثر صمودا وتشبتا رغم كل المحاولات. في الواقع الملك الحسن الثاني كانت له رؤية خاصة، ومع الممارسة الطويلة أصبح زعيما عالميا له رأيه في المشاكل الدولية ونجح بالخصوص في أن يكون نائبا للمسلمين له علاقة جيدة مع نائب المسيحيين أي البابا.