أبو مروان ، من القيادات الفلسطينية التي عايشت الإنطلاقة الأولى لحركة فتح ودورها الوطني والكفاحي في إطلاق شرارة الثورة الفلسطينية ، والدور الذي ستلعبه منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني ، وعنوانا سياسيا ونضاليا لفلسطين المغتصبة . وقد واكب منذ بداية الستينات ، سواء كمسؤول إعلامي بمكتب فلسطين ثم مكتب منظمة التحرير في الجزائر قبل أن يلتحق بالمغرب ليصبح أول سفير لدولة فلسطين بعد إعلانها سنة 1987 ، واكب مختلف تطورات القضية الفلسطينية والعلاقات الفلسطينية العربية والفلسطينية المغربية بالخصوص . في هذا الحوار المطول ، يفتح أبو مروان صفحات هامة من مخزون ذاكرته ، منذ أن رأى النور في قرية سيلة الضهر كاشفا عن تفاصيل وأسرار تنشر لأول مرة . كيف كانت الأجواء في تركيا ؟ في الحقيقة فإن راتب سنة ، الذي حصلت عليه عندما عملت أستاذا في المملكة العربية السعودية لم يكن كافيا ، لكني رغم ذلك قضيت ثلاث سنوات في تركيا . هناك لم نكن بعيدين عن الجو الوطني الذي تركناه بفلسطين، فقد بدأنا نتصل بالأتراك الذين كانت لهم وجهة نظر سلبية عن العرب لدرجة أنهم كانوا يسمون العربي ب »الكلب الأسود«، ونحن نكاية فيهم كنا نطلق عليهم اسم »راشتورك« أي الرأس الفارغة ، بدون مخ . في تلك الفترة بدأنا نمارس العمل النقابي وأنشأنا رابطة للطلاب العرب في أنقرة. كان ذلك سنة 1958، وفي تلك السنة قدم إلى اسطنبول وفد فلاحي من إسرائيل، وكان الأتراك يناهضون ذلك، وهي الفرصة التي مكنتنا من فتح حوار مع الأتراك حول العمل المشترك، وفي تلك الفترة أيضا شاركت في رابطة الطلاب العربية التي كان يسيطر عليها البعثيون ، وكان موضوع الوحدة العربية هو الأساس وقضية فلسطين تأتي بعدها ، فقد كان المد القومي هو المسيطر إبانها ، وبعد مدة قررت الانسحاب من الرابطة . أتممت دراستي في كلية الهندسة، وبعد السنة الثانية غادرتها لأسباب مادية فرجعت الى فلسطين وبعد أشهر ، مع بداية الموسع الدراسي ، عدت إلى السعودية ولكن لأعمل هذه المرة لدى شركة «أرامكو» في منطقة وسط الصحراء . غير أن الحياة هناك كانت مريحة ، فقد كانت كل وسائل الراحة والترفيه، من سينما، مكتبة ومسبح متوفرة لدينا. قضيت سنة هناك، ولأنني كنت في وسط المنطقة بحيث كان المتجه إلى الضهران أو القادم منها لابد أن يمر علي ، فلم أوفر تلك السنة أي مبلغ... (يضحك) لأنني كنت أستقبل العديد من الإخوة مع ما يلزم ذلك من مصاريف، ولكنها كانت مرحلة مهمة لأنها مكنتني من التعرف على العديد من الإخوان وربط صداقات كثيرة. كان يغلب على لقاءاتنا النقاش السياسي، وفي هذه الفترة تعرفت على الأخ أبو حسين الذي سبق أن أشرت إليه ، وهو الذي نصحنا بالتوجه إلى الجزائر التي كانت حديثة العهد بالاستقلال ، كان ذلك بداية 1963. هكذا سأتوجه من السعودية إلى الكويت حيث تزوجت وقضيت هناك 15 يوما ، ثم توجهت إلى القرية عبر مطار القدس ، الذي احتل سنة 1967 ، وبعد أيام بعث إلي الأخ أبو حسين متسائلا عن سبب تأخرى عن السفر إلى الجزائرلأنهم كانوا بانتظاري هناك ، وبعث إلي بتذكرة السفر . في البداية توجهت إلى عمان (الأردن) ، حيث قابلنا مسؤولا بجبهة التحرير الوطني الجزائرية ، الذي سلمنا رسالة من مكتب فلسطين وقال لنا بأنه فور وصولنا إلى الجزئر سنجد هناك من ينتظرنا . كانت الرسالة من شخص يسمى »محمد علال« (الاسم الحركي لخليل الوزير أبو جهاد). هكذا توجهنا إلى بيروت حيث استقلنا الباخرة التي توجهت بنا إلى بورسعيد، ثم اليونان ، إيطاليا فمرسيليا ثم الجزائر. في الجزائر توجهنا لمقابلة الاخ «محمد علال» . وجدنا عنده شاب فلسطيني من منطقتنا اسمه «وديع حسن عبد اللطيف» ، طبعا رحب بنا الأخ أبو جهاد ، وقال إنه سيتم تعيننا في سلك التعليم ، وهكذا سيتم تعيننا. الراتب الذي كنا نتلقاه، أنا وأم جهاد وآخرون ، كنا نصرفه على مكتب فلسطين ، من شراء مستلزمات الحبر ،الستانسيل والأوراق... وقد مكننا الجزائريون من ختم شبه مجاني للإرسال عبر البريد، وهكذا وجدت نفسي مسؤولا عن الإعلام، لكن في الواقع بدون إمكانيات، فكنت أكتب وأطبع وألف النشرات وأضعها في الكيس واختمها بختم البريد وأحملها على ظهري إلى مركز البريد . في تلك الفترة بدأنا نفكر في التكوين العسكري لشباب الحركة. وفي نهاية 1963 ذهب الأخ أبو عمار والأخ أبو جهاد إلى الصين لأول مرة، ، وقد كنا قد بدأنا نتحرك كحركة فتح بشكل رسمي ونستقبل الشباب الفلسطيني القادم إلى الجزائر وننظمهم.