أبو مروان ، من القيادات الفلسطينية التي عايشت الإنطلاقة الأولى لحركة فتح ودورها الوطني والكفاحي في إطلاق شرارة الثورة الفلسطينية ، والدور الذي ستلعبه منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني ، وعنوانا سياسيا ونضاليا لفلسطين المغتصبة . وقد واكب منذ بداية الستينات ، سواء كمسؤول إعلامي بمكتب فلسطين ثم مكتب منظمة التحرير في الجزائر قبل أن يلتحق بالمغرب ليصبح أول سفير لدولة فلسطين بعد إعلانها سنة 1987 ، واكب مختلف تطورات القضية الفلسطينية والعلاقات الفلسطينية العربية والفلسطينية المغربية بالخصوص . في هذا الحوار المطول ، يفتح أبو مروان صفحات هامة من مخزون ذاكرته ، منذ أن رأى النور في قرية سيلة الضهر كاشفا عن تفاصيل وأسرار تنشر لأول مرة . { ماذا عن مسألة التنظيم وكيف تم بناء الحركة آنذاك؟ كانت الأمور واضحة لدينا ، أي تحرير فلسطين . فنحن لم نكن مؤدلجين ولم نكن حزبا، وقد كلفني الإخوان بالاتصال بجبهة التحرير الجزائرية للاطلاع على تجربتهم التنظيمية ، فاصطدمنا بكون الإخوة الجزائريين يشتغلون بأسلوب الأوامر العسكرية، من القيادة للمناضلين وهكذا، وكانوا مرات يكتبوا ضدي بعض الاشياء، وقد اصطدمنا معهم لأنه في ذلك الوقت كثر عدد الحركات الفلسطينية، لدرجة أن أبو جهاد ذات مرة التقى برجل فلسطيني ادعى بأن لديه تنظيم، وخلال اللقاء قدم الأخ أبو جهاد لهذا الشخص لمحة عن حركة فتح وأهدافها وأعطاه مطبوعات ونشرات للحركة. ولأن هذا الشخص لم يكن يتوفر على ما يقدمه لأبو جهاد فقد أخبره أنه سيسلم له في اليوم التالي مطبوعات عن ما سماها حركته. وبعد توصلنا بها وجدنا أنها تشبه كثيرا ما جاء في مطبوعات فتح، والمضحك أنه بعد شهرين سنعرف أن هذا الشخص لوحده وأنه ليس هناك تنظيم ولاهم يحزنون، فسميناه تنظيم »أبو سخيلة« نسبة الى اسمه العائلي، وصارت هذه التسمية تستعمل كلما قام أحد ما وادعى أنه على رأس تنظيم معين. في الحقيقة، كنا نقوم بعمل ممتاز وكان لدينا طموح كبير، ومن الناحية الإعلامية، بدأنا نتوجه إلى أوربا حيث أرسلنا بعثة طلابية تخرج منها أطر مهمة مثل محمود الهمشة، رحمه الله ، ومجموعة من القيادات العسكرية التي كنا نحن من دربها. وكنا قد اتفقنا مع الطاهر الزبيري رئيس الأركان أن يسهر على تنظيم هذه الدورات العسكرية. { كم كان عدد الطلبة الفلسطينيين آنذاك؟ 97 شابا، وكان المسؤول الأول عنهم هو الأخ »أبو جهاد« وكنت أنا مسؤولا عن تدريبهم . وللإنصاف، فإن الأخ الذي معي والقنصل حاليا بسفارة فلسطين، كان معنا في تلك الدورة، أبو طارق عايش حرب . بعد انقضاء هذه الدورة، قررنا أن نقوم بدورة أخرى حتى يتلقى المتدربون تكوينا عسكريا أعمق، فتمت دورات في الكلية الحربية التي تخرج منها عدد من ضباط الثورة الفلسطينية، والذين استشهد أغلبيتهم لاحقا، وقد كنت مسؤولا عنهم، وعن رعايتهم، وكان أبو عمار يتردد بدوره عليهم باستمرار. كانت الجزائر تستقبل عدد من الفلسطينيين هم أصلا من حركة فتح، وسبق أن انضموا إليها، وآخرين لم ينضموا إليها بعد، وكنت مكلفاً من طرف أبو جهاد بالاتصال بهم ، وأذكر أن الأخ أبو جهاد أعطاني آنذاك أسماء 10 من الشبان الفلسطينيين لأتصل بهم واستقطبهم للحركة خلال مدة محددة، ومن هؤلاء العشرة، أربعة حاليا من قيادة حركة فتح. في الحقيقة، كانت الحياة بالنسبة للإخوان مبنية كلها على التضحية، بكل معنى الكلمة، لم يكن هناك مكسب أو هدف شخصي لأحد، بل كل ما يملك ، أموال، مهارات، علاقات... كل ذلك كان يجب أن يتم تسخيره للحركة. كانت عندنا مبادىء واضحة، مثل عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، عدم السماح لأحد بالتدخل في شؤوننا الداخلية وكوننا جزءاً من الأمة العربية وأن تحرير فلسطين هو هدف الأمة العربية، وغيرها من الشعارات التي طرحناها بالإضافة الى مبدأ السرية والالتزام الخلقي، وكانت هذه مبادىء أساسية بالنسبة إلينا، كما أن العضوية كانت صارمة. فلم يكن الشخص يحصل على شرف العضوية إلا بعد الخضوع لتجربة، فمثلا كنا عندما نصادف فلسطينيا غير عضو في أي حزب، أخلاقه لا تشوبها شائبة ، نرسل له من يتصل به ويتحدث معه عن القضية الفلسطينية بشكل عام وضرورة تحرير فلسطين، فإذا وجد منه تجاوب يفاتحه في الموضوع ويخبره بأن هناك تنظيم سري يسمى فتح، وعندها يلتحق بالحركة ، ليس كعضو ولكن كنصير، ويتم تكليفه ببعض المهام ، حتى لو كانت مهام وهمية ومتعبة ، المهم أن يتم تشغيله، وبعد نجاحه في هذه المهمة، تبعث له الحركة مسؤولين اثنين آخرين، حيث يقوما من جديد باختباره ويتأكدا مما إذا كانت التقارير التي وصلت عنه صحيحة أم لا. وإذا كانت صحيحة، يقوم بعدها بأداء قسم اليمين، وهكذا كانت العضوية عندنا جد صارمة.