تحتضن المؤسسة الاشتراكية للأبحاث والدراسات والتكوين، يومه السبت 8 ماي الجاري بمقر الحزب بالرباط، أشغال ندوة حول موضوع «مسارات الحماية الاجتماعية بالمغرب: أية قراءات للتجربة المغربية». وستؤثث هذه الندوة، التي نقدم ارضيتها، مجموعة من الفاعلين المؤسساتيين والأساتذة الباحثين والخبراء، الذي سيعكفون على تسليط الضوء على حالة تقدم منظومة الحماية الاجتماعية بالمغرب، ومعالجة الإشكالات المرتبطة بعدة معطيات من قبيل نسب التغطية، التمويل، التدبير...إلخ. وستتميز أشغال الندوة في جلستها الأولى، التي ستنطلق حوالي الساعة الثانية والنصف بمداخلة عبد العزيز عدنان، المدير العام للصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي حول موضوع أساس وآفاق التغطية الصحية بالمغرب، ومداخلة سعيد حميدوش، المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، تحت عنوان «مخاطر الشيخوخة والتقاعد في القطاع الخاص». ومن جانبه سيسلط محمد معتوق، دكتور في القانون وأستاذ جامعي بجامعة الحسن الأول، الضوء على «حوادث الشغل والأمراض المهنية: الوضع الراهن والإطار القانوني». وسيتناول محمد بنسعيد، المدير العام للصندوق المغربي للتقاعد، مسألة «الوضع الراهن لتدبير أنظمة التقاعد في المغرب». أما محمد مفكر، الكاتب العام بكتابة الدولة لدى وزارة السياحة والصناعة التقليدية المكلفة بالصناعة التقليدية، فسيطرح موضوع «التغطية الاجتماعية للعمال غير الأجراء». وستعرف الجلسة الثانية تقديم مداخلات كل من الأستاذ الجامعي إدريس العراقي، والمستشار بالوزارة الأولى، إدريس الكراوي، والمستشار إدريس داديس. إن مجموع الترسانة التي وضعت لأجل تأمين ومساعدة الأشخاص لمواجهة المخاطر الجسيمة في حياتهم، الحماية الاجتماعية لها إذن من جانب أهداف تستجيب للمنطق وتؤمنها المؤسسات. بالموازاة مع الصيغ المرتبطة بمادية وجود الفرد ثمة أهداف اجتماعية اكثر رحابة تتعلق بالاندماج والتهميش الاجتماعي. إن صيغ الإجابة عن حاجيات الحماية الاجتماعية، التي تختلف حسب السياقات السوسيو تاريخية تبقى محددة بشكل ضيق من خلال طبيعة منطق الذي يتصدر فلسفة هذه الحماية: منطق التأمين، ومنطق المساعدة، أو منطق التضامن المرتبط بدرجة مدى تثبت كمال العدالة الاجتماعية. ضمن المجتمعات التي يحكمها بشكل منطق متواثر لقيم التبادل نجد أن النتائج المالية ل«الأخطار الاجتماعية» تضخم الأوضاع المحتملة التي من شأنها أن تمس بالسلامة الاقتصادية للفرد، وأسرته ومجوعات الأشخاص المرتبطين برابط البنوة والزواج، من خلال التسبب في خفض للموارد أو الرفع من مصاريف دورات الحياة (الشيخوخة، المرض، الاعاقة، البطالة، الأمومة، التحملات العائلية، إلخ..). اليوم، ففي الوقت الذي تحاول فيه الولاياتالمتحدةالأمريكية برئاسة باراك أوباما الاستدراك، نجد ان نظم الحماية الاجتماعية الأكثر تطورا هي صنيعة الدول الأوربية المتقدمة. إن الحماية الاجتماعية التي تعتبر فعلا عاما متماسكا وتاريخيا أيضا، تشكل قطاعا ما تزال تعتمد بشكل كبير على السلطات العمومية التي تعد الضرائب والاقتطاعات والمساهمات الاجتماعية. إن مكانة الدولة كقطاع مفتاح في مجال الحماية الاجتماعية يتأرجح ما بين دور المحرك والمنتج للنصوص القانونية ودور ممارسة الوصاية على مختلف المؤسسات لهذا المجال ودور تمويل تكاليف الحماية الاجتماعية من خلال الضرائب والرسوم المفروضة أو من خلال الإعانات المالية. مع ذلك، وبالقياس مع تحولات الدائرة الاقتصادية المرتبطة بمسلسل الانفتاح على اقتصاديات أخرى وبالعولمة وضرورات البحث عن مجالات التنافس والاندماج في السوق العالمية، بدأ دورالدولة يفرض بعضا من الانكماش تتأرجع أهميته بداخل كل أشكال الحماية الاجتماعية. هكذا، وبحسب الدول، بدأت مسار الجمعيات يفرض نفسه بشكل ملموس بما فيه إشراك الشركاء الاجتماعيين في تسيير نظم الحماية الاجتماعية ضمن مسار صياغة قوانين تهم التمويل من خلال الطبيعة الاجبارية التكميلية لهذه النظم.. لهذا السبب تظل الحماية الاجتماعية في صلب النقاش الدائر في البلدان المتقدمة كما في الدول في طور النمو. هنا أو هناك، فقد تم وضعها بجدية وتمكت من الوصول الى مجموع سياسات عمومية تهدف تغطية جماعية للأفراد من أجل التقليص من الهشاشة و تحقيق قدر كبير من المساواة. إن مسألة الحماية الاجتماعية مطروحة بالمغرب بحدة من نوع خاص. إن محاولات أقلمتها غداة الاستقلال السياسي تعثرت بسبب الظروف المرتبطة بالتأخر الاقتصادي. أن تلك الصيغ المرتبطة بتحيينها فجر الألفية الثالثة (التأمين الصحي الإجباري، توسيع الاستفادة من الضمان الاجتماعي) واجهت تحديات البحث عن معوزات تنافسية محفوفة بالمخاطر. فقد بدت كما لو أنها عنصرا دخيلا للنمو المنشود، كما أنه عليها أن تساهم في الاستدراك في المجال الاقتصادي والانسجام الاجتماعي. إن تعقد التحديات التي واجهت وضع نظم الحماية الاجتماعية في بلدنا لا تشهد فقط على مدى تنوع الوضعيات وصعوبات التنفيذ، بل أيضا على التردد أو الحيرة التي تطبع نموذج الساكنة المستهدفة. في بلدنا، تواصل آليات الحماية الاجتماعية المحدودة بشكل كبير تواجه أسئلة الدعم وتحمل التكاليف لقطاع واسع من أهداب الاقتصاد المهيكل و مجموع الفضاء الاقتصادي غير المهيكل. ثمة تأخرات مستمرة بالرغم من الوضع الجلي كون الحماية الاجتماعية ليست فقط كلفة أو تكلفة بالنسبة مجموع المواطنين. انها مصدر منافع اجتماعية ملموسة وقعها ايجابي على الاقتصاد فيما يتعلق بالنمو، الانتاجية، دعم الروابط الاجتماعية أو بفضل تمظهرات آيجابية تنتج عنها. إنه بتبني خطة دينامية و أفاق بعيدة المدى، يتأكد أن الحجة التي هي في صالح الحماية الاجتماعية مثينة. بالإضافة إلى كونها عاملا للاندماج الاجتماعي و تطوير الرأسمال البشري وبذلك تطوير وثيرة النمو، فإنها أيضا أداة للاستقرار الميكرو اقتصادي. فمن أجل تحقيق التضامن ما بين الأجيال المترابطة وفي سياق اقتصاد السوق، إن وجود نظام للحماية الاجتماعية الذي ايضا يقدم للساكنة تأمينا على المخاطر. وتعتبر الحماية الاجتماعية، من خلال تقليص فوارق اللامساواة واعتماد الحدود الدنيا الاجتماعية، عاملا مؤثرا من أجل خلق انسجام في المجتمع، كما أنها وسيلة لدعم جهود التسوية الاجتماعية في مواجهة الحياة الحديثة. ولقد عمق الركود الاقتصادي العالمي من حدة أزمة البطالة والفقر في مختلف مناطق العالم، رغم تباين درجة تداعياتها حسب البلدان وأنظمتها الأمنية. وكيفما كانت درجة غناها، فإن تلك البلدان تجد نفسها أمام ضرورة تطوير نظام عام للأمن الاجتماعي، وهو التطوير الذي من شأنه أن يمكن من التقليص من حدة الظروف المرتبطة بالفقر، ووضع حد لتعميق فوارق اللامساواة، إضافة إلى تشجيع التنمية الاقتصادية. لذلك كان تأسيس مجتمع يحفظ الحياة الكريمة يمر عبر وضع الموارد وآليات الحماية الاجتماعية ضمن خانة الأولويات السياسية والبرامج ذات الطابع الاجتماعي. لكن، كيف يمكننا تجاوز التحديات التي ترتبت عن التأخر في تطبيق الحماية الاجتماعية بالمغرب؟ إن التحدي المطروح في بلدنا يكمن في وضع أو توسيع نظام للأمن الاجتماعي يأخذ بعين الاعتبار غياب سياسات للمساعدة الاجتماعية تتميز بالانسجام والشمولية تستفيد منها الطبقات المجتمعية الفقيرة التي تتسع أطرافها يوما بعد يوم. والحل في ذلك يكمن في الاعتماد على إرداة وتصور سياسيين من أجل خلق مجتمع تتمتع ساكنته بأمن اجتماعي نسبي حتى ولو أن بلدنا ليس بلدا غنيا. لكن لو أن هذا الأمر يظل قابلا للتحقيق، فما هي شروطه في ضوء التجربة المغربية للأمن الاجتماعي، والتأمين على المرض وصعوبة تعميم آليات للتغطية الاجتماعية؟ ورغم أن النظام الحالي للحماية الاجتماعية بالمغرب لا يزال قائما على مبادئ التوزيع والإلزام، إلا أن الإصلاحات المتتالية التي تم اعتمادها خلال العقود الأخيرة تبدو موجهة أكثر نحو نموذج رأسمالي اختياري أو شامل. وبين هذا التطور الزاحف الذي تسمه مطامح اقتصادية ليبرالية وبين المدافع الوحيد عن قيمة التضامن بدون أي انحراف واضح، فإن تعميق النقاش يفرض نفسه من أجل توضيح الأمور وتبني الخيار الأفضل. وللمشاركة في هذا النقاش اتخذت المؤسسة مبادرة تنظيم هذه الندوة لتسليط الضوء على نظام الحماية الاجتماعية بالمغرب. إنها دعوة لنقوم معا بوضع استراتيجية تدعم الأمن والحماية الاجتماعيين كعنصر أساسي لسياسات الحد من الفقر تشجع على مسايرة الأوراش الكبرى للتنمية وتمكن المغرب من التطور بشكل عادل. إن غنى النقاش عامل فاعل يخدم مصلحة تقديم استشارة محينة حول نقاط القوة ونقاط الضعف التي تشوب الآليات العامة للحماية الاجتماعية وكذا حول الجهود المبذولة من أجل اعتماد حد أدنى للحماية الاجتماعية لفائدة الساكنة الأكثر فقرا، كما تدعو إلى ذلك المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. انطلاقا من تحليل الطابع التركيبي ومتعدد الأبعاد للمخاطر الاجتماعية بالمغرب، كيف يمكن جعل ثمار الحماية الاجتماعية في متناول الجميع؟ كيف يمكن التقليص من صعوبات توفير التمويل للأمن الاجتماعي؟ كيف يمكن ضمان توازن التأمين الصحي الإجباري من أجل توفير مسار استشفائي مناسب؟ كيف يمكن جعل مسألة التكفل بحوادث الشغل والأمراض المهنية واقعا ملموسا؟ أي مستوى من الحماية الاجتماعية لطالبي العمل؟ ما هي الإصلاحات الهيكلية لأنظمة التقاعد؟ وأي مستوى من التضامن بين الأجيال وبين المهنيين من أجل ضمان فوائد تقاعدية تحفظ الكرامة ومستوى متوازن للتمويل لفائدة الأنظمة المشرفة على تدبير التقاعدات في المغرب؟ كيف يمكن العمل تدريجيا على ضمان التغطية الشاملة للمرض؟ وتراهن المؤسسة، من خلال محور هذه التساؤلات، على المبادرة بمباشرة تفكير عميق في مسألة الحماية الاجتماعية، يتمثل الهدف منها في تحديد حيثيات وسبل إحداث نموذج اجتماعي عادل لمغرب الغد.