عد أن عانت كل البلدان المغاربية خلال السنتين المنصرمتين من الانعكاسات السلبية للأزمة الاقتصادية العالمية والتحولات المناخية، فقد صارت الحاجة الملحة في تفادي الأزمات الاجتماعية الداخلية كالبطالة والسكن غير اللائق والفقر تفرض على الجميع تشجيع المشاريع الاقتصادية التي تؤمن لحامليها الاعتماد على المؤهلات التي توفرها كافة دول المغرب العربي. ستحتضن تونس يومي 10 و11 ماي الجاري المنتدى المغاربي لرجال الأعمال الذي سينعقد تحت شعار «من أجل مقاولة مغاربية». ومن المقرر أن يشارك في هذا المنتدى حوالي ألف رجل أعمال ينتمون إلى الدول المغاربية الخمس، أما المشاركة المغربية فمن المقرر أن تشمل وزير التجارة والصناعة وأطر من الوزارات المعنية ووفد هام عن الاتحاد العام لمقاولات المغرب. وبغض النظر عن أهمية المواضيع التي ستناقش في الجلسات العمومية فإن الحدث يشكل فرصة سانحة أمام مقاولي الدول المغاربية الخمسة لتطوير مشاريعهم المشتركة ولبلورة مشاريع جديدة، ومما لاشك فيه أن إبقاء الحدود البرية مغلقة بين الجزائر والمغرب سيشكل مرة أخرى عرقلة أمام البناء الفعلي لوحدة المغرب العربي، كما أنه سيفرض الاجتهاد من أجل تقوية التعاون الاقتصادي والتجاري الثنائي بين الدول المغاربية حتى ولو تطلب، تفادي ربط المشاريع بفتح الحدود، تحمل كلفة إضافية. إن الوفد المغربي سيشارك في ملتقى تونس المغاربي وهو مسلح بتراكمات عملية اكتسبها طيلة عدة عقود من إصرار الجزائر على إبقاء حدودها البرية مغلقة مع المغرب، فطوال هذه الفترة المتميزة بتطوير وتنويع الأنشطة الاقتصادية تمكن المغرب من تحسين مناخه الاقتصادي ومن استقطاب استثمارات أجنبية هامة ومن تحسين العلاقات التجارية مع دول القارات الخمس وهذا التحسن بلغ مستوى متقدما بإبرام اتفاقية أگادير للتبادل الحر مع مجموعة من الدول العربية من بينها تونس، وحتى الدول الإفريقية التي حرصت الجزائر على أن تقف سداً منيعاً بين المغرب وبينها، صارت ترى بأن مصالحها الحيوية تفرض عليها تقوية التعاون الثنائي مع المفرب والاستفادة من خبراته وتجاربه. إن هذه المرحلة الصعبة، من محاولات تحويل الحدود المغربية الجزائرية من منطقة توثر إلى منطقة إشعاع اقتصادي يقوي البنيان المغاربي، فرضت على المقاولين المغاربة التأقلم مع الخيارات السياسية الجزائرية الرسمية، وقد استطاعوا فعلاً أن يحافظوا على علاقات جيدة مع نظرائهم الجزائريين رغم أن الحصار الجزائري الرسمي حال دون بلورة الجزء الأوفر من هذه العلاقات إلى منجزات تعود بالنفع على البلدين وعلى المنطقة المغاربية ككل. مهما كان الموقف الرسمي الجزائري من قضايا التكامل الاقتصادي المغاربي فإن ملتقى تونس لأرباب العمل في المغرب العربي سيكون فرصة أخرى للرقي بالتعاون البيني إلى مستويات تمهد للبناء الفعلي للمغرب العربي، فسواء تعلق الأمر بإيجاد حلول، ولو جزئية، للمعيقات المرتبطة بالازدواج الضريبي وبالرسوم الجمركية وبالاستثمار، أو تعلق بالتقدم في المباحثات بين الفاعلين الاقتصاديين الحاملين لمشاريع مشتركة، فإن ما اكتسبه المغاربة من تحسن في مجالات الشفافية وجودة الإنتاج يؤهلهم لكسب تقة نظرائهم الليبيين والتونسيين والموريتانيين، في حين أن رغبة القادة المغاربيين في فض النزاعات المغربية الجزائرية باعتماد مختلف الطرق الديبلوماسية تعززت باتخاد مجموعة من القرارات التي كانت وراء إنجاز العديد من البنيات التحتية وخاصة منها الطرق التي تلعب دوراً حيوياً في الرفع من حجم المبادلات التجارية. إن لكل من دول المغرب العربي خصوصياتها، ولكن العامل المشترك بينها هو أنها جميعاً تعاني من كونها توجد في المنطقة الجغرافية الوحيدة في العالم، التي تعذر عليها بناء سوق اقتصادية موحدة، وبعد أن عانت كل منها خلال السنتين المنصرمتين من الانعكاسات السلبية للأزمة الاقتصادية العالمية والتحولات المناخية، فقد صارت الحاجة الملحة في تفادي الأزمات الاجتماعية الداخلية كالبطالة والسكن غير اللائق والفقر تفرض على الجميع تشجيع المشاريع الاقتصادية التي تؤمن لحامليها الاعتماد على المؤهلات التي توفرها كافة البلدان المغاربية أما الاستمرار في استيراد المنتوجات المغاربية عبر موانئ أوربية مهما كلف الثمن فلن يخدم إلا مصالح الأطراف الأجنبية.