شكلت افريقيا ساحة حروب دبلوماسية واقتصادية شنتها الجزائر ضد المغرب ، بدأت بتحركها لدى عواصم القارة وفي منظمة الوحدة الافريقية . وبقدر ماكانت حقيبة الخارجية الجزائرية موحدة ، فعالة، ديناميكية ذات استراتيجية ، كانت حقيبة المغرب تتحرك ببطء بقرار ملكي وبردود فعل وهنة . كانت وزارة الخارجية لبلادنا وشبكة سفرائها - وأغلبهم عينوآ لاعتبارات لاعلاقة لها بالكفاءة - تنتظر التعليمات وإن تحركت فدون معطيات . اطلقت الجرائر عقب لقاء القمة بين الرئيس بومدين والحسن الثاني في افران تصريحات ادعت فيها ان لا اطماع لها في الصحراء ، لكن مستشاري قصر المرادية ومايسمى «مجلس الامن » الجزائري الذي تتحكم فيه المؤسسة العسكرية كانوا يضعون اللمسات الاخيرة للمخطط المعادي لوحدتنا الترابية . بدأت الجزائر تتحرك في عواصم القارة بعد أن اسست مايسمى «الجمهورية الصحراوية» في أحد فنادق العاصمة الجزائر يوم 27 فبراير 1976 وفي 6 مارس من نفس السنة اعلنت اعترافها بها ، وفي نفس الشهر كانت هناك ست دول افريقية تعترف بهذه«الجمهورية» . وفي بداية الثمانينات كانت الجزائر تخوض حرب اكساب العضوية لصنيعتها في منظمة الوحدة الافريقية. بين 1974 و1984عقدت منظمة الوحدة الافريقية عشر مؤتمرات شكل ملف الصحراء النقطة الرئيسية في جل جداول اعمالها . كان من ابرزها مؤتمري نيروبي . ومن المفارقات والعوامل التي ساعدت الجزائر في حملتها الدبلواسية هاته، ان المغرب أهمل بعده الافريقي ونسي بأن علاقاته التاريخية مع هذه القارة عميقة في التاريخ. لم يقم الحسن الثاني سوى بزيارة رسمية لبلد افريقي هو السنغال، ودون ذلك كانت زياراته إما لحضور قمم منظمة الوحدة الافريقية أو لقاءات متعددة الاطراف لاتلتفت الى العلاقات الثنائية. وكان لتدخل المغرب عسكريا في حروب داخلية لدول أفريقية ووقوفه الى جانب انظمة استبدادية أثر سلبي على مواقف الرباط ونقطة قوة للدبلوماسية الجزائرية. اليوم مر اكثر من ربع قرن على انسحاب المغرب من منظمة الوحدة الافريقية . في نونبر 1984 القت الرباط خطاب الوداع في مؤتمر اديس ابابا لهذه المنظمة التي اصبحت تحمل اسم «الاتحاد الافريقي» احتجاجا على خرق القانون و اقحام ما يسمى«الجمهورية الصحراوية» في عضويتها.كانت اللحظة امتحانا قاسيا للدبلوماسية المغربية التي تعثرت سنة 1981 بعد قبول الرباط لمبدأ تقرير المصير لتفتح الباب امام تطورات لازال بلدنا يعاني منها الى اليوم، وهنا لا بد ان نشير الى الموقف الذي اتخذه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وعبر عنه بيان مكتبه السياسي بقادة الفقيد عبد الرحيم بوعبيد الذي عارض الخطوة الرسمية واعتقل لتعلن هيئة المحكمة بسجنه ورفقاءه سنة سجنا نافذا . منذ اعتلائه عرش المملكة جعل جلالة الملك محمد السادس من افريقيا احد اولويات المغرب الدبلوماسية ، فقد زار جلالته منذ اعتلائه العرش في يوليوز 1999 ست مرات القارة شملت اثنتى عشر دولة . ان الدبلوماسية الاقتصادية التي ينهجها المغرب اليوم اثمرت نتائج بارزة في عودة بلادنا الى القارة الافريقية ، وسمحت بتقديم الحقائق حول طبيعة النزاع المفتعل بالصحراء المغربية واطماع الجزائر ومغالطاتها في هذا الملف ، ومن بين النتائج ان العديد من عواصم القارة قررت قطع علاقاتها مع الجمهورية الوهمية بلغت حد الان خمسة عشر دولة الى جانب ان هناك تجميد لهذه العلاقات او اهمال لها من طرف عواصم اخرى. ولان بلادنا ترغب في تعميق هذا التوجه بالقارة السمراء ، فان الرباط تعمل منذ مدة على فتح تمثيليات دبلوماسية جديدة سيصل عددها الى ستة بحلول نهاية 2010 تضاف الى السفارات الخمس والعشرين الموجودة حاليا بعواصم افريقية .