في بداية السبعينات جرت رياح الاحداث العالمية بما اشتهته سفن القيادة السياسية بالجزائر، فهذا البلد الذي استقطبت تورثه التحريرية عطف ودعم قوتين عظميين وأغلب دول العالم ، عززت المبادرات التي اتخذها الرئيس هواري بومدين من هذا الدعم ، لقد تم تأميم قطاع المحروقات في فبراير من سنة 1971 وتصدر الخطاب«الاشتراكي»السياسة الرسمية والمخططات الاقتصادية في نفس الوقت الذي كانت فيه موسكو وبيكين تبحثان على مواطئ اقدام لاستراتيجيتهما الايديولوجية ، وفي نفس الوقت الذي غلفت فيه انقلابات عسكرية في افريقيا بالخصوص انظمتها ب«اشتراكيات» ديكتاتورية لاعلاقة لها بالاقتصاد بحثا عن حماية سوفياتية أو صينية . على مستوى السياسة الخارجية احتضنت الجزائر مؤتمر عدم الانحياز في شتنبر 1973 وترأست لمدة 20 شهرا هذه المنظمة التي اسسها قادة تاريخيون في حركات التحرر الوطني . وفي 1974ترأست الجمعية العامة للامم المتحدة الدورة التي خاطب من خلالها الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات العالم :«لاتسقطوا غصن الزيتون من يدي ...» وأستغلت دبلوماسيتها هذه الاحدات لتنصبها «المحاور الرئيسي » باسم العالم الثالث الذي هدف الى «خلق توازن » في العلاقات الدولية.وفي منتصف السبعينات قامت الجزائر بوساطة بين العراق وإيران لحل خلافاتهما الحدودية والتخفيف من حدة التوتر الذي عرفته علاقات بغداد وطهران. وبموازاة هذا النشاط الدبلوماسي الجزائري خلال الخمس سنوات الاولى من السبعينات ، كان المغرب يسير في اتجاه آخر، لقد عرف انقلابان عسكريان وشهد محاكمات كبرى لمناضلي الاحزاب الوطنية والتيارات السياسية التقدمية واستمرت حالة الاستثناء التي اعلن عنها الحسن الثاني سنة 1965 ونفذت عشرات الاعدامات واغتيل مناضلون وطنيون او استهدفتهم عبوات ناسفة ....وحده قرار استرجاع الصحراء الذي شكل قاعدة اجماع وطني تم خلاله الالتفات الى السياسة الخارجية لكن كان «العداء» الجزائري في احسن لياقته بينما جسد الدبلوماسية المغربية مترهل مصاب بأعطاب ووهن. اختارت الجزائر ان تخوض حربها الدبلوماسية ضد المغرب في اقريقيا بالدرجة الاولى وامريكا الجنوبية ، وحمل عبد العزيز بوتفليقة الذي كان وقتها وزير خارجية حقيبته وبها ملف الصحراء يجوب عواصم القارة السمراء ويحتل اروقة منظمتها «الوحدة الافريقية» بانيا خطابه على ثلاث نقط: - ان المغرب ينفذ سياسة الغرب (فرنسا وامريكا ) بدخوله الى الصحراء. - ان «البوليساريو» حركة «تحررية» تحتاج الى الاعتراف بها ودعمها والاعتراف ب«جمهوريتها الصحراوية». - الصراع مع المغرب هو صراع بين معسكريين ، الاول «رجعي » تمثله الرباط والثاني «تقدمي» تقوده الجزائر . واستغلت الجزائر عائدات النفط والغاز لتقدم «مساعدات» لانظمة افريقية وتضع رهن اشارتها اسطولها الجوي وتقدم فواتير تنقلات واقامة قياداتها ومن معها مقابل التصويت على الاطروحة الجزائرية التي تمت صياغتها في اطار الاستراتيجية التوسعية التي تمس بالوحدة الترابية للمغرب . ومن مراهنات هذه الاطروحة الزج بالنظام المغربي الى اقصى حالات الضعف . وقد قال الرئيس بومدين لوفد الحزب الاشتراكي الفرنسي وكان يترأسه فرانسوا ميتيران (فبراير 1976) : «إن المغرب هو اثيوبيا غدا ... »، اي ان مصير المغرب لن يكون سوى ماعرفه الامبراطور هيلاسي لاسي الذي اطيح به في انقلاب عسكري سنة 1974 . شكلت اذن الخمس سنوات الاولى من السبعينات ارضية انطلاق حرب الجزائر الدبلوماسية ضد المغرب كان من بين نتائجها اعتراف منظمة الوحدة الافريقية ب «الجمهورية الصحراوية » ودفع الرباط الى الانسحاب من هذه المؤسسة القارية بالرغم من أنه أحد موسسيها في بداية الستينات. مرة اخرى نعود الى الصورة الكاريكاتورية لهيلاسي لاسي : هل كان المغرب على علم بهذه الحرب الدبلوماسية أم أن إمكانياته وعلاقاته الاقليمية والدولية لم تؤهله لمواجهة هذه المعركة ؟ للاجابة عن هذ السؤل يجب الاخذ بعين الاعتبار ثلاثة نقط مهمة: اولها ان «اطراف» الدبلوماسية المغربية لم تكن لها استراتيجية تنطلق منها وتنسق في اطارها . كانت هناك مركزية قوية للملف الدبلوماسي بين ايدي الراحل الحسن الثاني مقابل شبكة من السفراء امتهن العديد منهم التجارة او وجد نفسه مغرقا في اعمال ادارية روتينية بيروقراطية. ثانيا ، اعتمد المغرب على فرنسا والولايات المتحدةالامريكية في القيام بمهام دبلوماسية لفائدة قضيته الوطنية التي كانت قضية حق تاريخي لايجب التنازل عليه. ثالثا، انشغل المسؤولون ببلادنا بمعركة خاصة بهم تتمثل في محاولتهم ضرب الحركة التقدمية واضعافها دون ايلاء كبير الاهتمام بالعمل الدبلوماسي .