استهل الأخ محمد معنى السنوسي رئيس الجمعية الاشتراكية للمستشارين والمستشارات الاتحاديين اللقاء التكويني الذي نظم بفاس لفائدة منتخبي جهة فاس بولمان وجهة تازةالحسيمة تاونات والجهة الشرقية، بكلمة أكد فيها أن هذه الندوة تدخل في إطار البرنامج الذي وضعته الجمعية لفائدة المنتخبين والمنتخبات الجدد للإطلاع على وسائل التدبير الجماعية، مستعرضا الأنشطة التي قامت بها الجمعية سابقا في جهات الدارالبيضاء وبني ملال وجهة مكناس تافيلالت مؤكدا أن الجمعية ستواصل هذه الإستراتيجية في باقي الجهات التي لم تستفد من التكوين حول قضايا مركزة ومحددة تهم الشرطة الإدارية وقسم الموظفين، وتحضير الميزانية وغيرها من قضايا تدبير الشأن المحلي، كما أن الجمعية ستعمل على تنظيم لقاءات تكوينية لفائدة المستشارين الاتحاديين بالغرف التجارية والصناعية، بتسبيق من الكتابات الجهوية ومكاتب الفروع، وخلص في مداخلته ،أن جدول أعمال الندوة يشتمل على أربعة محاور : مقاربة العمل التشاركي في العمل الجماعي، ملاحظات أساسية في مستجدات الميثاق الجماعي في تعديل التنظيم الحالي، مخطط التنمية للجماعات المحلية، الجهة والجهوية. وحول المحور الأول والمتعلق بالعمل التشاركي في العمل الجماعي، فقد تناوله الدكتور أحمد مفيد من عدة جوانب، حيث أكد أن إشراك المواطنين في التسيير الجماعي عمل مستحيل، إلا أنه يتم عبر المنتخبين، وكذا إشراك المجتمع المدني في الشأن الجماعي قبل الانتخابات وأثناء التسيير لتحقيق الديمقراطية واللامركزية لأن المجتمع المدني هو الذي يؤهل الأحزاب السياسية إلى مقاليد تدبير شؤون الجماعات، لذا فإن المشرع حرص على تحديد العلاقة بينهما في إطار تشاركي مبني على الحوار والتشاور، انطلاقا من مطالب الاتحاد في هذا الموضوع الشيء الذي نتج عنه قانون 17-8 هذا القانون الذي يعزز مكانة المجتمع المدني في العملية التشاركية بين الناخبين والمنتخبين، ثم انتقل بعد ذلك للحديث عن أهم المستجدات التي حملها الميثاق الجماعي الجديد كالمادة 14 والتي تشير إلى تشكيل لجان للاستشارة لتفعيل مقتضيات الميثاق، وكذا المادة 36 والتي تهم إعداد مخطط جماعي للتنمية المحلية بإشراك المجتمع المدني من خلال وداديات الأحياء ومختلف الجمعيات الثقافية والرياضية والبيئية وغيرها. وكذا المادة 41 المتعلقة بإسهام المجلس في الأنشطة الثقافية والرياضية والفنية وغيرها مع دعمها ماديا. لذا فإن المجالس ملزمة لتفعيل الشراكة من أجل تدبير الشأن المحلي ودعم الجمعيات وذوي الحاجات ومحاربة الأمية والمحافظة على البيئة والتراث، كما أشار الدكتور مفيد إلى المادة 42 وهي تخص نظام المقاطعات والذي يدخل في إطار سياسة القرب والتي لها علاقة وطيدة بالمجتمع المدني مما يجعل دعمها ماديا تحت إشراف المجلس الجماعي وخلص الدكتور مفيد ليؤكد أن المشرع المغربي جعل من المجتمع المدني شريكا أساسيا للجماعات المحلية في التخطيط وأمور الشأن المحلي وبذلك أصبح دوره حاسما في كل المحطات مما يتطلب إشراكه والتواصل معه باستمرار لصنع سياسة محلية عمومية عبر مقاربات تشاركية تمكن من تحديد تشخيص احتياجات المواطنين وتمكن الخبراء من الرصد وبذلك تكون هي الضمان الوحيد لعنصر الحوار والالتزام بما اتفق عليه خلال الحوار مع وضوح القرارات، لذا يجب التركيز على جمعيات المجتمع المدني باعتبارها المعبر عن مشاكل السكان درءا للعزوف الانتخابي، وهذا يتطلب من الجمعيات الرفع من مستوى أطرها واعتماد الشفافية في تسييرها، على أن القانون الفرنسي خول للمجتمع المدني إشراك الجمعيات في اللجان الدائمة للمجلس. عبد الرزاق وردة تناول في مداخلته مستجدات الميثاق الجماعي وتنظيم المالية المحلية انطلاقا من الصيرورة التاريخية- السياق، التنظيم للجماعات المحلية ومجموعاتها، مؤكدا أن المستشار يجب أن يكون ملما بالخطوط العريضة للميزانية وطريقة تدبيرها، علما أن هناك جماعات لها فائض وجماعات متوازنة في ماليتها وجماعات تعيش على إمدادات السلطة. ثم انتقل للحديث عن الظهائر المنظمة للجماعات المحلية انطلاقا من ظهير 1960 معتبرا أن ظهير 1976 يعد مكسبا هاما في مجال التسيير الجماعي حيث فوت عددا من الاختصاصات لرؤساء الجماعات، ثم ظهير 3 أكتوبر 2002، وظهير 18 يناير 2009 الذي جاء في عهد حكومة التناوب الذي حملت عددا من المشاريع المهمة، هذا الظهير الذي تضمن تعديلات عميقة حيث بينت الممارسة أنه ينبغي تعديله رغم ما جاء به من مستجدات تحول للرئيس صلاحية التسيير لمدة 6 سنوات، واعتماد تخطيط استراتيجي والتفويض في مجال واحد وبرمجة فائض الميزانية في حالة رفض الحساب الإداري مع إمكانية التفرغ للعمل الجماعي وتعزيز سلطة الكاتب العام الذي يمكن للرئيس تعيينه من بين موظفي الجماعة بعد موافقة السلطة وكذا الميزانيات الملحقة وفتح الحسابات الخصوصية وإلغاء بعض الرسوم المحلية الضعيفة. ثم تحدث الأخ وردة عن مرتكزات إصلاح مالية الجماعة من خلال جعل القرارات المقابلة للتنفيذ من طرف الرئيس بعد التأكد من توفر الاعتمادات وتبسيط صرف الميزانية والمصادقة عليها في فاتح يناير لتتمكن الجماعة من تطبيق برامجها، مع إحداث مساعد قضائي في هذا المضمار. مداخلة عبد الهادي الهلالي تناولت موضوع تحضير مخطط التنمية المحلية الذي أصبح الرئيس ملزما بإعداده لمدة ست سنوات وفق منهجية تشاركية تدمج فيها مقاربة النوع مع تحيينه بعد ثلاث سنوات من دخوله حيز التنفيذ، باعتماد موارد مالية جماعته، علما أن المخطط التنموي يعد وفق منظور تشاركي مع كافة الفعاليات بهدف التنمية المحلية التي تنطلق من منظور اقتصادي واجتماعي وبيئي، وخلص المتدخل في عرضه إلى أن المخطط التنموي يهيئ وفق إستراتيجية تعتمد على التشخيص وتحديد الأهداف- والموارد ثم التقييم، ومن أهم المشاركين في وضع المخطط التنموي رئيس الجماعة الذي يلزم الكاتب العام بخلق مجموعة من اللجان المختلفة مع إعداد الموارد المالية وقد يلجأ المجلس إلى مكتب للخبرة لإعداد المخطط ولعل من أهم الوسائل لإنجاح المخطط التنموي، المؤهلات الاقتصادية والوسط الطبيعي والبشري وكذا إشراك المجتمع المدني في المخطط كما يمكن اللجوء إلى القروض أو المطالبة بتمويل بعض المشاريع من وزارة الداخلية أو شركاء الجماعة بالداخل والخارج، وحتى نضمن نجاح المخطط التنموي ينبغي خلق لجنة لتتبع تطور المخطط والوقوف على المنجزات والمعيقات يقول المتدخل. عدنان الدباغ تطرق في مداخلته إلى الجهة والجهوية وفق منظور أكاديمي حيث استعرض تطور مفهوم الجهة في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية وانتصار الحلفاء، إذ تمت ثقافة الجهة بعد الإحباطات التي عرفتها أوربا والانتقال إلى تكوين الاتحاد الأوربي، يبدأ الحديث عن العولمة وتكوين مجموعات اقتصادية وازنة ككاطالونيا مثلا الذي يضاعف مستواها الاقتصادي ميزانية المغرب وهكذا فإن مفهوم الجهوية بأوربا يطرح تصورين: جهات بنيت على إرث تاريخي كألمانيا التي كانت عبارة عن دويلات ونفس الشيء بالنسبة لإسبانيا وإيطاليا، بمعنى أن تلك الدويلات كان لها تسيير إداري واقتصادي واجتماعي محكم وبالتالي أصبح تسييرها محكما، لذا فنحن نحاول خلق جهات فعالة فالأمر أصعب ما نتصور وهذا واقع فرنسا وهي نفس المقاربة التي يعيشها المغرب وأضاف الأخ الدباغ قائلا لقد بدأنا الحديث عن الجهوية في الثمانينات وكان الاتحاد سباقا لتناول الموضوع، كما سبق للمرحوم الحسن الثاني أن أعلن أن المغرب سيصبح كألمانيا في التدبير الجهوي غير أنه تاريخيا يعد المغرب دولة مركزية، وفي سنة 1992 أصبحت الجهوية من معطيات السياسة الوطنية علما أنها شيء أساسي لبناء الديمقراطية بالمغرب بالإضافة إلى الجماعات المحلية»، ولعل الدول مرغمة على ذلك خاصة مع وجود مشكل الصحراء المغربية/ بالإضافة للوضع المتقدم للمغرب بالنسبة لأوربا لذا يلزمه أن تكون قوانينه متقدمة مما يفرض علينا حكامة جديدة أي حسن التدبير فمسلسل الإصلاحات بالمغرب يخضع لإكراهات خارجية وداخلية، ومما لاشك فيه أن الجهات الناجحة في أوروبا هي التي انطلقت من هويتها وطبيعة خدماتها، فالجهة ينبغي أن تكون وحدة متكاملة، والمغرب مقبل على إحداث 10 أو 12 جهة وهو متأثر بالتجربة الفرنسية فعند الحديث عن جهة البيضاء والتي ستمتد إلى أسفي والتي تضم 6 مليون نسمة يصعب تصور تسييرها، كما يصعب تصور وجود 12 حكومة جهوية ذات استقلالية مالية ويبقى تسيير الجهات مطروح الجدة، فهل سيتم الأمن بالطرق للولادة أو للمنتخبين؟ علما أن مشكل النخب السياسية يطرح بحدة مما يجعل التوافق السياسي في هذا الموضوع ضرورة ملحة، فالرهان كبير لأننا كباقي الدول التي عاشت التجربة. وكان آخر متدخل في هذه الندوة هو الأخ الإدريسي عن جهة وجدة الذي طرح وضعية الجهة من الناحية الإدارية والطبيعية والبشرية والإمكانيات السياحية التي توجد بالمنطقة الشرقية المنفتحة على أوربا والعالم العربي والمطلة على الساحل الشمالي على مسافة 50 كلم والتي لها من المؤهلات ما يجعلها من أهم الجهات المدعمة للاقتصاد المحلي والوطني. وقد أغنيت هذه الندوة بنقاش مستفيض تناول فيه المتدخلون مجموعة من القضايا والإشكاليات التي ستساهم في إحداث جهات فاعلة تتمع بمالية وإدارة مستقلة تسيرها نخب ينبغي أن تكون في مستوى الحدث منبثقة من انتخابات نزيهة بعيدة عن الانزالات وشراء الضمائر، حتى يتمكن المغرب من التصدي لخصومه في إطار الجهوية الموسعة التي لا يمكن أن تتحقق إلا عبر توافقات لكل المكونات السياسية والإقليمية مع مراعاة الخصوصية والتنوع اللغوي والثقافي والجغرافي لكل جهة من الجهات المحدثة .