تأخدنا الإكتشافات الأركيولوجية الجديدة في بلدة أغمات بالأطلس الكبير، إلى واحدة من أهم ملفات الحضارة في صيغتها المغربية، كونها العنوان على المحاولات البكر مغربيا لميلاد «مدينة في قمة جبل».. لأنه عادة، المدن تولد في المنبسطات، في ضفاف الأودية، أو حول ميناء بحري. أما تجربة «أغمات»، فإنها تجربة نادرة. ذلك أن العبور إليها يستوجب صعود أعالي الأطلس الكبير الوعرة، وأنها كانت مدينة بدون سور أو حصن كباقي المدن المغربية، لأن جبالها الوعرة هي حصنها الأول والأخير.. أغمات، التي ينتبه إليها اليوم إركيولوجيا، هي «عاصمة» المرابطين الأولى، التي كانت مقر إقامة زعيمهم الروحي عبد الله بن ياسين، قبل أن تفتي امرأة هائلة، من حجم زوجته التي ترملت بعد وفاته، ليتزوجها القائد العسكري الأكبر للمرابطين يوسف ابن تاشفين، زينب إسحاق النفزاوية، بضرورة النزول بالعاصمة إلى مكان منفتح بيسر على الأتباع والناس، فكان أن اختير موقع عند ضفاف نهر تانسيفت بمنطقة الحوز، ولدت فيه مراكش على ذات النمط الذي كان متحققا هندسيا في تارودانت. المثير، في أغمات، تاريخيا، هو الدور الذي ظلت تلعبه المرأة فيها، منذ زينب إسحاق زوجة ابن تاشفين، حتى الرميكية زوجة المعتمد. ولعل الأهم هناك، هو جوانب النظافة العمومية فيها، بفضل وفرة ماء الثلوج الدائمة الجريان. فهي تكاد تكون أول مدينة مغربية توفرت على حمامات عمومية، بذات المرجعية التي كانت متوفرة في تجارب الرومان (خاصة في مدينة وليلي). مثلما أنها المدينة المغربية التي بها فرن وبها دار تخزين جماعية هائلة. وفي ذلك كله، للمرأة ملامح الأثر الواضحة. بل إن قصص نسائها السياسية، ما يكفي لجعلها مدينة لا يمكن أن تنسى أبدا في ذاكرة التاريخ، حتى وهي معلقة في جبل عال، هناك، بعيدا عن حسابات القادة والجيوش. إن قصة زينب إسحاق النفزاوية، وقصة الرميكية، من قصة أغمات.. وقصص النساء لا تنسى أبدا في ذاكرة الأيام، خاصة في مجتمعات ذكورية. ولعل المثير في العملية كلها، أن مكانة نساء أغمات تاريخيا، ليست سوى ترجمة لمكانة المرأة في السلوك العام للقبائل الأمازيغية، التي هي جزء فاعل في الحياة اليومية ولم تكن مقصية في «حريم» ما. وإذا كانت زينب إسحاق قد هندست لميلاد مدينة بكاملها مثل مراكش (ولعل هذا سبب السحر الدائم لهذه المدينة الجميلة والفاتنة، لأنها فكرة امرأة داهية). فإن الرميكية، ظلت شهيرة بالأثر الذي حملته معها من مجد الأندلس، وبدمعها الحار على مجد ضاع، وبقصتها الخالدة مع زوجها يوم ثارت في وجهه بسبب الإحباط الذي كان يطوح بها في مدينة صغيرة معلقة في الجبال بعيدة عن وصيفاتها وقصرها بإشبيلية بالأندلس. وقالت له قولتها الشهيرة: «لم أر معك يوما حلوا قط» (كلهن يقلن ذلك!!). فأطرق الشاعر والملك الأسير، وقال لها في همس: « ويوم العطر»، فصمتت وأجهشت بالبكاء. وقصة العطر، أن زوجها الملك حقق لها رغبة، ذات مجد راح، في أن تذهب لنبع ماء وهي حافية تمشي على العطر..