هذه المعطيات أكدها فريق البحث الذي أنجز هذا الاكتشاف من خلال عمل مكثف وظف فيه تكنولوجيا متطورة، ويتكون الفريق من عناصر مغربية تنتمي إلى المعهد الوطني لعلوم الآثار وعناصر ألمانية من المعهد الألماني للأركولوجيا.وبحسب ما أشار إليه عبد السلام مقداد، رئيس فريق البحث المغربي، فإن هذا الاكتشاف يندرج ضمن برنامج انطلق منذ ما يقارب 20 سنة، أي من 1994 إلى الآن، حيث مكن من التعرف على العديد من المواقع الجديدة التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ وقبيل التاريخ أي المرحلة المعروفة بعصر التعدين. ويضيف الباحث المغربي في تصريح خص به«المساء» أن عدد هذه المواقع الجديدة يصل إلى 200 موقع تتوزع على مجموعة من الأقاليم الشمالية«تازة، الناضور، الحسيمة...» وخضعت لتحليلات مختبرية في كل من ألمانيا والمغرب. وأكد مقداد على أهمية هذا الاكتشاف الأخير، الذي تم بموقع حاسي ويزكا الذي يوجد بتراب إقليمتازة بجماعة صاكا على بعد05 كلم جنوب غرب مدينة الناظور، حيث أبرزت المعطيات العلمية أن هذه القطع الأثرية لصناعة الفخار يعود تاريخها إلى حوالي 9000 سنة قبل الميلاد بحسب مقداد. وبالتالي فهو أقدم من الفخار الكارديالي الذي يعود إلى 5600 سنة.قبل الميلاد، وهي الفترة المرتبطة بالحضارة الكارديالية التي كانت متواجدة لدى سكان شمال بلدان البحر الأبيض المتوسط كإسبانيا والبرتغال وإيطاليا وفرنسا، وكانوا يزخرفون الفخار بنوع من صدف الكاريدوم وهو نفس الفخار الذي تم العثور عليه في موقع كهف تحت الغار بتطوان، وبغار اكحال المتواجد بالقرب من مدينة سبتة وغيرها من المواقع يقول مقداد، مضيفا أنه وبناء على ذلك ظل الاعتقاد السائد بأن هذه الحضارة الكارديالية هي من أدخلت هذا النوع من الفخار إلى المغرب، وبالتالي فحضارة النيوريتيك التي انتقل فيها الإنسان من الصيد والقطف إلى مرحلة الصناعة وتربية الحيوانات والفلاحة لم يعرفها المغرب كتحول وتغيير سوسيو إقتصادي وتقني إلا عن طريق الخارج وعبر شبه الجزيرة الإيبيرية التي عرفت حضارة النيوريتك. وأبرز الدكتور مقداد أنه على ضوء هذا الاكتشاف الجديد تتم إعادة النظر في الأطروحات القديمة حول عصر النيوليت في المغرب التي تصطلح على مرحلة انتقال الإنسان من الصيد إلى الفلاحة والصناعة، بل تشمل إعادة النظر هاته في حقب ما قبل تاريخ المغرب العربي كله، موضحا أن الحديث الذي ظل سائدا لدى الباحثين هو أن عملية التفاعل والثأتير بين الضفتين تأتي دائما من الشمال،«لجديد والابتكار» وهو ما ساد بقوة في المرحلة الكولونيالية، وبما أن الاكتشافات كانت جد محدودة، فقد فسح المجال لتأويلات عدة تذهب إلى كون الجنوب عاش حقب ما قبل التاريخ بفعل تأثير الشمال، في هذا السياق تناول الباحث الآفاق الجديدة التي فتحها الاكتشاف الجديد بالنظر إلى العلاقة ما بين الجنوب والجنوب، حيث تختلف الزخرفة والأدوات المستعملة في هذا الفخار عن الفخار الكارديالي ويقترب من نوع آخر من الفخار ليس له تاريخ، ويرتبط بالحضارة الصحراوية. واستعرض الباحث بعض المؤشرات الدالة على ذلك في الاكتشافات الأخيرة والمتعلقة بأداة رمح بجناحين وهو نوع معروف بالمناطق الصحراوية مصنوع من الصيوان. وهو ما يعتبر عنصرا دالا على تلك العلاقة «جنوب، جنوب» وعلى حركة بشرية وتنقلات نحو منطقة الريف الشرقي، إذ تبدو سهلة من الناحية الجغرافية والجيولوجية بالمقارنة مع الأطلس الكبير. واعتبر مقداد أن حركة التنقل هاته تبدو ملحوظة من خلال الطريق الرابطة ما بين سجلماسة في اتجاه موانئ الشمال، إذ تبرز مجموعة من القصبات على طريق القوافل القادمة من الصحراء أو من تلمسان، حتى وإن كانت هذه القصبات تنتمي إلى مرحلة الإسلام، فلابد وأن يكون لها امتداد في عمق التاريخ. تجذر الإشارة الى أن هناك العديد من الأبحاث الأثرية الجارية على الصعيد الوطني، وكما أفادنا مدير معهد علوم الآثار، اكراز عمر، فإن هذه الأبحاث تشمل تافوغالت بنواحي بركان والريف الشرقي وأخرى بتطوان والعرائش بموقع الليكسوس، وبطنجة وأصيلة وبموقع تمود سيدا وبناصة، وموقع ريغا قرب سيدي سليمان، وهناك أبحاث بالأطلس المتوسط، بمنطقة الخميسات وتحريات أثرية بموغادور بجزيرة الصويرة وبجبل إيغود نواحي آسفي، وبشالة بالرباط، وبوادنون بسوس وبمنطقة الراشيدية، وبموقع أغمات بمراكش، وهناك دراسات تشمل النقوش الصخرية بالأطلس الكبير وجنوب الأطلس، إضافة إلى موقع وليلي بشكل رسمي ومجمل هذه الأبحاث متقدمة بثلاثة سنوات الى أربع عشرة سنة ولازالت مستمرة.