غير بعيد عن جبال الريف الشامخة, يقوم فريق من علماء الآثار المغاربة والألمان, منذ سنة1994 , بأعمال استكشاف في عدة مواقع أثرية اقتفاء لآثار حضارات ظلت حتى الآن مجهولة بالمغرب وباقي منطقة المغرب العربي. وفي هذا الإطار, تم تحديد 250 موقع تعود لفترة ماقبل التاريخ وتم إنجاز أبحاث أركيولوجية في نحو عشرة مواقع منها فقط من طرف هذا الفريق الذي يقوده الأستاذ عبد السلام مقداد عن المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث, والأستاذ جوهانز موزر عن المعهد الألماني للأركيولوجيا. ويقوم الأخيران رفقة باحثين شباب (مصطفى نامي, ولويس لورانز, وآنا ديليا رودريغيز, وفدوى النقالي) بأعمال استشكاف وتنقيب ودراسة آثار ماض تركه الأجداد دفينا في الأرض, مستعينين في ذلك بأدوات تتناسب وطبيعة كل عملية. وبالنسبة للعلماء المنخرطين في «»برنامج الريف الشرقي»», يشكل فهم المجتمعات القديمة من خلال دراسة آثار الماضي هدفا أسمى. ففي بعض المواقع التي ظلت سليمة في أغلبها, خلفت مجموعات سكانية عاشت في المرحلتين الباليوليتية والنيوليتية آثارا تكشف عن طريقة عيشها, وتقاليد الطبخ لديها, وتنظيمها الاجتماعي, وتقسيم العمل الذي اعتمده هؤلاء السكان الذين قلما تمت دراسة تاريخهم بالمغرب والمغرب العربي عموما. ومن ضمن المواد المكتشفة, الغنية والمتنوعة والنادرة أحيانا, بقايا عظام حيوانات, وصدفيات مثقبة, وأدوات حجرية. وتم مؤخرا اكتشاف خزفيات مزخرفة يدويا مما يدل على أن هؤلاء السكان عرفوا كيف يطورون طريقة عيش خاصة بهم. وفي موقع حسي أونزكا (جنوب غرب الناظور) لوحده, تم العثور على آثار لعدة حضارات بمستويات للتوطين تم تحديدها من طرف هؤلاء العلماء الشغوفين بالبحث في بالتاريخ. وأوضح الأستاذ مقداد أن «»هذه الوحدات التي تتخذ شكل طبقات هي التي تروي تاريخ الأرض وبالتالي تاريخ الأسلاف»». وتفيد الإستنتاجات الأولية التي تشي بها الآثار واللقى بأن سكانا من مختلف الأعراق استوطنوا المنطقة خلال الحقبتين الباليوليتية والنيوليتية. وأكد مقداد غداة اكتشاف أقدم قطعة خزفية بالمغرب بهذا الموقع, أن أقدم استيطان بشري بالموقع يرجع الى تسعة آلاف سنة. وأوضح أن السكان الذين أقاموا بهذا الموقع خلفوا آثارا تنتمي لمختلف مراحل الحقبة النيوليتية, مشيرا إلى أن أحدث هذه الآثار تعود الى الفترة النيوليتية الأخيرة, وهي عبارة عن قطعة خزفية مزخرفة بواسطة مشط ويرجع تاريخها الى ستة آلاف سنة. وأثار هذا الإكتشاف الفريد من نوعه فضول هؤلاء الأركيولوجيين, الذين اعتادوا الإشتغال بمنطقة الريف الشرقي, ولاسيما في ما يخص تفسير الانتقال من الفترة الباليوليتية الى الفترة النيوليتية بشمال إفريقيا, خصوصا أن هذه الاخيرة عرفت تحولات تقنية واجتماعية عميقة مرتبطة باعتماد اقتصاد إنتاجي قائم على الفلاحة وتربية الماشية بدل القطف والقنص.