شكلت أحداث 23 مارس 1965 احدى ابرز المحطات الاجتماعية والسياسية في تاريخ المغرب الحديث. والعودة اليها اليوم يجعلها موضوعا نظريا فكريا جديرا بالقراءة والمساءلة من اجل اعادة تأسيس تموقعها الموضوعي في السياق التاريخي لتطور المجتمع المغربي. ان التطور السليم للمجتمعات التي حققت انسجامها السوسيو الثقافي يجعلها من تأثير الذاكرة الى و عي التاريخ في قراءة ماضيها. و 23 مارس مؤهل للانتقال من الذاكرة الى التاريخ أو بطريقة أخرى ومع شيئ من التعسف أن يتم اعادة استيعابه بالعقل وليس بالمشاعر،خاصة ان تلك الاحداث طبعت لفترة طويلة طبيعة العلاقات داخل المنظومة السياسية وأسست لانماط جديدة للفعل السياسي. رغم ان هذه الفرضية التي يحصل حولها اجماع الملاحظين تتطلب اليوم اكثر من الامس الاعتراف بأن ما جرى في تلك الايام الرهيبة لم ينل ما يستحقه من تفعيل لادوات التحليل المستمدة من العلوم الاجتماعية والانسانية نعم لقد كانت هناك اطروحات حول الاحداث، اطرحات بالمفهوم السياسي (اي تحليلات احزاب اليسار خاصة) وبالمفهوم الاكاديمي... لكن ذلك اتسم بالندرة وغياب المتابعة...رغم ان احداث اخرى كبيرة (1981 - 1984 - 1990 جاءت لتحيين اسئلة 23 مارس النظرية والفكرية.. رغم ان 23 مارس على المستوى السياسي المحض ستساهم على دفعات في عودة الدينامية الى الخطاب السياسي في بعده الايديولوجي من اجل فهم ما جرى واساسا من اجل فتح افاق جديدة بعد فشل تجربة الوفاق الوطني الذي ظل متعثرا ومنحبسا منذ الاستقلال. اقول بأن 23مارس مازال اشكالا فكريا ونظريا سيساعد التفكير فيه في التقدم في اعادة هيكلة قوى التغيير الاجتماعي والسياسي. ولعل احد هذه الاسئلة المهمة التي ظلت في حاجة الى توسيع التفكير فيها هي حول طبيعة تلك الاحداث: هل هي انتفاضة جماهيرية عضوية؟ هل هي حركة احتجاجية مطلبية ضلت الطريق؟ هل هي ثورة شعبية مدينية غاب عنها افقها السياسي؟ هل هي تسخين اجتماعي من أجل تحريك حوار سياسي راكد. وعلى بعد حوالي 45 سنة من تلك الاحداث، يمكن القول بدون كبير مجازفة باننا امام حركة اجتماعية ستكون لها ابعاد مجتمعية. واذا كانت كل مقاربة تاريخية تستدعي مقارنات فإن مارس 65 المغربي قريب من الانتفاضات الكبرى التي طبعت سنوات الستينات في القرن الماضي. فمارس 65 قريب من ماي 68 الفرنسي على مستويين على الاقل: حضور الجانب الاجتماعي بمفهومه النقابي - الطبقي وحضور الشباب. إن مارس 65 قبل ماي 68 سيدشن لهذا الاكتساح العارم للشباب للفضاءالعمومي وسيفتح لعهد جديد سيحضر فيه السؤال النيابي بشكل ثابت ومستمر. وستكون احدى نقط التقاطع ايضا هي نوع من التأميم للسياسة التي ستنتقل من الدوائر المغلقة لتصبح خبزا يوميا للناس والشباب... كل شيء سياسة من شعارات 68 في فرنسا. انها احدى النتائج الكبرى لانتفاضة مارس 65 اعادة امتلاك السياسة والخطاب السياسي من طرف فئات اجتماعية جديدة في صلبها الشباب. وليس من الصدفة ان تحمل احدى الحركات السياسية الجديدة الساعية لمشروع بديل تسميه حركة 23 مارس وسيسم هذا التوجه الجديد المجال الثقافي بشكل خاص حيث سنلمس تأثيرات 23 مارس على مراحل يجمعها خيط رابط سيستمر من اواخر الستينات الى بداية التسعينات، خيط ناظم يربط الفعل الثقافي بالوعي السياسي. ويمكن تلخيص هذا الوعي بممارسة اتسمت في البداية بالحماس من اجل تسييس الثقافة ثم الوصول الى ضرورة تثقيف السياسة ورافعة هذا الوعي في كلتا مراحله هو العمل الجمعوي او الفعل من داخل ما يسمى اليوم بالمجتمع المدني. وان كنا اليوم نعيش ما نعيشه من انفتاح للمنظومة السياسية والاجتماعية فذلك يعود لحصول تراكم تاريخي تعود جذوره الى تأثيرات 23 مارس في تنظيم العلاقة بين الفاعلين الاجتماعيين. لقد فجر 23 مارس حماسا كبيرا لدى فئات اجتماعية جديدة فدفعت بطاقاتها لتغذية الفعل الاجتماعي والثقافي فانتشرت الجمعيات في الاحياء ودور الشباب وتأسست الاندية السينمائية على طول خريطة البلاد ممارسة ثقافية يغذيها اساس حماس سياسي واثمر ذلك بروز فعاليات ستسمح للمغرب فيما بعد ان يكسب طاقات واساليب وانماطا للانتاج الثقافة تميزه عن كثير من البلدان التي عاشت تجربة الثورات الوضيعة على يد الحزب الوحيد. انه ارث ايجابي نعيشه في السينما والفنون والابداع الثقافي عامة. انه الشق الايجابي في العملية اي ان مشروع تسييس الثقافة اثمر نتائج ملموسة على ارض الممارسة الاجتماعية في حين ان الشق الثاني في وعي ابناء 23 مارس والساعي الى تثقيف السياسة لم يصل الى مبتغاه. ذلك ان الامور لربما تطورت بسرعة وطرحت اشكالات جديدة الغت كل هم ثقافي ولخصت السياسة في عمليات حسابية ومعادلات نفعية.