في شهادتها المكتوبة باللغة الفرنسية، والتي ستنشر ضمن كتاب ينجزه مراد الخطيبي، تقول مونا مارتنسن، الزوجة الأولى للسي عبد الكبير الخطيبي، وهي أستاذة جامعية بالسويد (شعبة العلوم الاجتماعية): «ذكرياتي مع عبد الكبير تعود إلى المرحلة الممتدة من 1960 إلى غاية 1972 وابتدأت هذه الذكريات أولا عندما كان عبد الكبير طالبا جامعيا بمدينة باريس، بجامعة السوربون، ثم بعد ذلك مديرا شابا لمعهد علوم الاجتماع ومسؤولا عن وحدة العلوم الاجتماعية بالمعهد الجامعي للبحث العلمي بالرباط. وقد قضينا خلال هذه المرحلة عدة إجازات بالسويد موطني الأصلي. «كان عبد الكبير شخصا حاضر البديهة واجتماعيا. أتذكر بالخصوص لطفه وليونته التي كنت أجدها أيضا في والدته ، إخوانه وأخته الوحيدة. إرث عائلي،على ما يبدو. «كان إنسانيا إلى أبعد الحدود ومدافعا حقيقيا عن المرأة. كان راويا بارعا، كثير الدعابة حيث يخلق بسهولة الأسباب للضحك والمزاح. كان يتعامل مع الآخر باحترام وتقدير، كان ملاحظا قويا ويوزع يومه بدقة متناهية بين العمل في الفترة الصباحية والكتابة في فترة مابعد الزوال مع الاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية وموسيقى الجاز. شغفه بالكتابة ابتدأ منذ صغره كما أذكر أنه حصل على جائزة أحسن قصيدة في بداية الستينات حين كان طالبا جامعيا. «لما حصل على جائزة الربيع الكبرى التي تمنحها جمعية أهل الأدب قال لي عبر الهاتف: هذه الجائزة تشجعني على الاستمرار...» من جهتها تتذكر ربيعة الخطيبي، ابنة أخ عبد الكبير الخطيبي، عمها لتقول بألم جلي: «كلما طُلب مني أن أتقدم بشهادة في حق عمي تسبقني الدموع، وأحس بحسرة ومرارة كبيرتين وأنا أتذكره، أتذكر ابتسامته التي لاتفارقه أبدا، أتذكر نصائحه الدقيقة التي يسديها لكل فرد من العائلة. «علاقتي بعمي، ابتدأت منذ صغري. فلقد ولدت عندما كان يدرس في فرنسا، كان حينذاك شابا في مقتبل العمر، الشيء الذي جعله يهتم بي أنا وإخوتي من صغرنا إلى أن كبرنا. فرح بنا جدا عند ولادتنا لأننا كنا بالنسبة إليه أول أطفال يولدون داخل الأسرة. «فأختي الأكبر مني نادية، هو الذي اختار لها اسمها الشخصي، أما أنا فكان الكل بما فيهم سي عبد الكبير متفقا على تسميتي ربيعة تذكارا لعمتي ربيعة التي توفيت في ريعان شبابها، من هنا كان الاهتمام بي أكثر نسبيا، لأنني أذكره بأخته، وشكلت بالنسبة لعمي أخته الصغيرة. من هنا جاءت علاقته معي والتي كانت في بعض الأحيان علاقة أب لابنته وفي أحيان أخرى علاقة الأخ الأكبر بأخته الصغيرة. «عندما كنت صغيرة كنت أنتظر هداياه التي كانت تفرحني جدا. فلا زلت لحد الآن أتذكرها وأسترجع فرحتي بها. وعندما نلت شهادة الباكالوريا، استشرت معه بخصوص اختياري لمتابعة دراستي الجامعية بشعبة الفلسفة، لكنه نصحني باختيار شعبة أخرى واختصر الأسباب في مشكل الوظيف بعد التخرج. وفعلا استجبت لرأيه وولجأت كلية الحقوق رغم أن توجهي لم يكن كذلك. «توفقت في الحصول على الإجازة إلا أنني اصطدمت عند تخرجي بمشكل الشغل، فلجأت إلى عمي كي يساعدني إلا أنه رفض، وقال لي أن ذلك يتعارض مع مبادئه وأضاف أنني سأعي مايعنيه مستقبلا. وبكيت كثيرا نتيجة لهذا الرد الذي اعتبرته، حينذاك وللأمانة، قاسيا جدا، إلا أنني عندما ولجت سلك المحاماة أدركت عمق ما كان يعنيه عمي. «وفي هذه المرحلة أي في المرحلة التي شرعت فيها في مزاولة مهنة المحاماة أصبحت أشكل بالنسبة لعمي مستشارته في بعض الأمور، وأبدي رأيي حولها. «كان لايحب الشخص الكسول و كان بالمقابل يحب ويشجع من يلمس فيه قدرة خاصة على العطاء والخلق والإبداع. «كيف لا أفتخر بهذا العم الذي أعطانا الكثير ورسم لنا طريقنا منذ الصغر، فكان بالنسبة لنا الأب الثاني بالإضافة إلى والدي الذي كان هو أيضا مثالا يقتدى به. «لاأستطيع أن أكمل لأنني تأثرت كثيرا وأنا أتذكر والدي وعمي اللذين فقدتهما في فترة وجيزة لاتتعدى ست سنوات.» من جهته، وبنبرة ملؤها الاحترام والمرارة، يستحضر محمد فارس، صهر عبد الكبير الخطيبي، الغائب الكبير فيقول: «شعرت بالفخر والاعتزاز لما اكتشفت أول مرة أن الخطيبي الروائي المغربي المعروف ينتمي إلى المدينة التي ازددت فيها أنا أيضا ألا وهي: مدينة الجديدة وكان ذلك عندما كنت أتابع دراستي منذ مرحلة تعليمي الثانوي، وأول مؤلفاته التي أعجبت بها أيما إعجاب هي سيرته الذاتية الرائعة: الذاكرة الموشومة. «وبعد ذلك، ومن خلال الإمكانيات البسيطة التي كانت متاحة بمدينة الجديدة، ومنها مكتبة التجمع الثقافي الفرنسي،GROUPEMENT CULTUREL FRANÇAIS وبحكم التواصل مع أساتذة متميزين كانوا يؤطرون أنشطة الجمعية حينذاك، بدأ اهتمامنا نحن رواد المكتبة بكتابات هذا الكاتب الجديدي يتزايد وأصبحنا نقتني بنهم شديد المجلات الثقافية المتخصصة عن الخطيبي الشاعر والروائي وعالم الاجتماع والفيلسوف. «ومن خلال مرحلة الدراسة الجامعية بالرباط في السبعينات أصبحت متابعا جيدا لكتابات ومحاضرات عبد الكبير الخطيبي وأعجبني تعدد مجالات اشتغاله من الادب ( الرواية, الشعر , الخط العربي و الفلسفة,إلى علم الاجتماع .. إلى الفنون الجميلة , الرسم, النحث,المسرح والسينما) إلى التواصل والتسامح بين الحضارات. «وبأمريكا الجنوبية كان التواصل معه من طرف المثقفين.. مما جعل سي عبد الكبير يفكر في جعل هذا التواصل أكثر عمقا بالسعي إلى التقريب بين الحضارات الإفريقية والأمريكية من خلال السوسيولوجيا و الانتروبولوجيا عبرشخصية استيفانو ذي الأصول الآزمورية... وكان يهتم كثيرا بهذا الموضوع وقد أخبرني بذلك شخصيا بحضور أحد أفراد العائلة ..وقد سمى هذه الظاهرة بالتقارب بين ضفتي الأطلسي. «وسي عبد الكبير كما عرفته في إطار عائلي، كان إنسانا متواضعا، ذا خلق رفيع وكان يحرص على لم شمل العائلة... كان له ارتباط خاص بإخوته وكان في مجالساته كثير الاستماع، قليل الكلام، دقيق الملاحظة، صريحا إلى أقسى الحدود ولا يجامل أبدا. رحم الله سي عبد الكبير.» أما الأستاذ عزالدين الكتاني الإدريسي، أحد أصدقاء الراحل، فقد قال في شهادة أدلى بها خلال الندوة التأبينية التي أقامتها جامعة محمد الخامس السنة الماضية حول الخطيبي: «لقد كان عبد الكبير الخطيبي بالنسبة إلي وإلى غيري ممن عرفوه وخبروه وما يزال أحد أعز الأصدقاء وأوفى الرفقاء وأطيب الجلساء وأوثق العلماء وأمتع الأدباء وأبلغ الكتاب الفصحاء وأحرص الأقلام على عمق التحليل والتحلي بالموضوعية والمسؤولية وأشدهم تمسكا بالحرية والدقة والتوثيق مما أكسبه سمعة طيبة فتحت أمامه العديد من القنوات والآفاق وميزته عن باقي الرفاق وسمت به مع مرور الزمن إلى أعلى درجات الكتاب الثقاة الوثاق. «لقد تعاملت مع أخي وزميلي وصديقي المرحوم عبد الكبير الخطيبي على مدى ثلاثة عقود ونيف دون مجاملة ولا زيف إذ كنت أرافقه في عدد من ندواته الفكرية و ومبادراته الثقافية ولقاءاته الصحفية وتحليلاته السياسية ومشاريعه المستقبلية وانشغالاته الاجتماعية ورحلاته الاستكشافية وجلساته التفاوضية وجولاته الترفيهية وتمارينه الرياضية, لقد أبدع الخطيبي فاثر ،وحلل فشرح وفسر ،وألف فنوع وأغزر وشجع الصغار والكبار على الكتابة المقبولة وعلى النشر فما قصر إنه بحق خير من يحتدى ومثال قيم يجب أن يقتدى.اجل إن عبد الكبير عالم نحرير بالغ الأثر والتأثير ومدافع كبير عن الحرية والتحرير في كافة مناحي الحياة والتعبير, «إن ما أكنه لأخي وصديقي وزميلي المرحوم الخطيبي من مودة وتقدير وما اعبر عنه من عمق في روابط الصداقة المتينة التي جمعتني به لا ولن يوفيه حقه ولن يشكل على الدوام غلا غيضا من فيضا مما قاله وسيقوله أو كتبه أو سيكتبه عنه كثيرون مما تعاملوا معه قبلي وبعدي.»