إنه زجال وفنان تشكيلي، متحرر من الأشكال والأقوال والأنماط والمدارس، يكتب كما شاء وكما يحلو له، يعبر بصدق عما يراه بصره وبصيرته شعاره الواقعية والتلقائية بعيدا عن الألفاظ المنمقة والأشكال المعتادة. ارتبطت لديه الكتابة بهموم الناس والعمال بالخصوص. ينصت إلى نبض الشارع يغرف مفرداته من بيننا ويلقيها في وجوهنا فنضحك ونفاجأ ولكن ما هي إلا نبضاتنا ردت إلينا. مرآة نرى فيها وجوهنا. وعلى إثر صدور ديوانه البكر « الحيمر» كانت لنا معه هذه الجلسة. من هو بنبيكة عبد الرحيم؟ موظف بالمكتب الشريف للفوسفاط، متزوج وله ثلاثة أطفال، مولع بالفن وبالتشكيل. والزجل هو متنفسي أفرغ فيه معاناتي منذ بدأت أميز الأشياء. لماذا الزجل وليس الشعر الفصيح أو القصة أو الرواية؟ لقد كتبت الشعر الفصيح ولكني وجدت بأنه لا يصل بسرعة إلى المتلقي وخصوصا الإنسان العادي البسيط وأعني بهم الطبقة العاملة. لهذا كتبت الزجل من أجل هذه الطبقة التي أعيش معها وبينها وأعرف معاناتها حق المعرفة. وقد شاركت بأشعاري في تظاهرات وإضرابات وفي فاتح ماي. فوجدت أن الزجل يصل إلى الوجدان سرعة البرق ويفهمونه دون عناء. لماذا الانغماس في اليومي والواقعي والسياسي؟ في اعتقادي أن الكاتب يكون في عزلة تامة بعيدا عن المعاناة اليومية، والذي لا يكتب عن المعاناة والمشاكل في نظري الشخصي ليس بكاتب، فإذا كتبت عن البطالة مثلا فلي إخوان وأصدقاء وأقارب يعانون منها وتعبيري عنها يدخل في معانقة الواقع والخوض في غمار السياسة وذلك من أجل التغيير ولكل موقعه يعبر فيه ويغير. والذين يكتبون عن الحب فهو معاناة فالإنسان يأكل ويشرب يحب ويتعذب، هذه كلها أحساسات ومشاعر وتجارب إنسانية. فمشاكل الناس معاناة، والحب معاناة، والفرح معاناة، فمن كثرة الضحك الإنسان يبكي فمن أين أتى هذا البكاء؟ فهذه الدموع أتت من تأثير باطني والدموع والبكاء والفرح كلها لها علاقة بالباطن وهذا الانصهار الباطني لا نعرف عنه شيئا ما ترى سوى الدموع ومن خلالها فالإنسان يبكي من شدة الفرح أو من شدة المعاناة. ما رأيك في كتابة القصة والرواية بالدارجة؟ أمنية كبيرة يا ليتها تحققت واتخذت القصة والرواية مسار الشعر والمسرح في الكتابة بالدارجة لتصل إلى الوجدان وكذلك لازدهرت السينما. ودارجتنا فرضت نفسها ودارجة وسط المغرب لغة عربية فقط يجب تقعيدها. ألا ترى الخوف على اندثار لغة توحدنا ألا وهي العربية الفصحى؟ في رأيي اللغة العربية لا توحدنا. وكل أمة لها لغتها ولهجتها. كاللاتينية التي تفرعت عنها لغات كالفرنسية والإنجليزية والإيطالية والإسبانية ومع ذلك أوربا لها وحدة اقتصادية وسياسية وحضارية.. الآن الأمازيغية فرضت نفسها وأصبحت تدرس ونبدع بها ونؤلف الكتب والأشعار والمسرحيات والمسلسلات والأفلام ومع ذلك أبناء الأمازيغ متشبثون بالقرآن والقيم الإسلامية فما المانع أن تزدهر الدارجة ويصبح لها قاموس وقواعد وبالتالي تغني ثروتنا اللغوية وكذلك اللهجة الحسانية لاشك أنها ستأخذ نصيبها وتغني طرفا آخر من المغرب وهذا مجرد حلم. في سنوات الرصاص كانت الأشعار تؤدي بصاحبها إلى السجن واليوم بردت همة الإبداع وأصبح لا يلتفت إليه الناس في ظل الحرية والديمقراطية. فما رأيك؟ الكتابة إذا ميعت أو فقدت خلودها فإن التاريخ يرفضها وإذا توفرت على إيحاءات ورموز فإنها تحيى أبد الدهر. ولكن اليوم أرى أن هناك عراقيل تتجلى في العادات والتقاليد وهي التي تخنق الإبداع وأصبحت رقابة أخرى يفرضها الشارع والعقول المتزمتة. خرجنا من رقابة الدولة إلى رقابة فئات يكونون دولة داخل دولة بحجة حماية الأخلاق. الإبداع المغربي بصفة عامة كيف تراه؟ هناك صحوة لكن لم يسايرها المتلقي المغربي وظل يعتقد أننا في الصفوف الأخيرة وهذا ناتج عن طغيان وسائل الإعلام المشرقية التي تحدث طنينا ولا نرى طحينا. «الحيمر» عنوان الديوان فمن هو؟ هو أبي وهو عنوان الديوان وهو مرآة لمعاناتي ومعاناته ومعاناة الكثيرين في المغرب ضاع حقه في الميراث. ديوان «الحيمر» هو المولود الأول فأسميته على اسم أبي كما جرت العادة في المغرب، المولود البكر عادة يسمى على الوالد. كلمة أخيرة: أتمنى الازدهار للإبداع المغربي الذي سيأخذ مكانته التاريخية وهذا ليس صعبا على الإنسان المغربي لأنه إنسان صادق والمطلوب هو مساعدة المبدع والوقوف بجانبه والمبدع ولو طال عمره فلن يخلد بل إبداعه هو الذي سيبقى. وعار أن نترك المبدع يتخبط في الفقر والتيه ونكران الجميل ووطأة الديون.