«جذور بصيغة الجمع» هو عنوان المعرض التشكيلي الذي ستقيمه بقاعة سيزار من 16 أكتوبر إلى 21 نونبر، فاطمة بنت أوعقا، وهي فنانة عصامية رفعت من قدرها بالتكوين والكدح، فمن راعية غنم بسيطة تحولتْ، بفضل أعمالها التشكيلية، إلى اسم فني معروف في الأوساط الباريسية. شكلت عبر تجربتها مسارا مدهشا حمل توقيعات أكبر أروقة المعارض العالمية: نيويورك، إسبانيا، جنيف، الصين، كوالا لمبور، بوينيس أيريس، أرمينيا، برلين.. وبفضل إبداعها الذي يحظى بدينامية أصيلة، حصلت على مجموعة من الميداليات الذهبيبة والفضية ووشحت بأوسمة فخرية على صعيد فرنسا واليابان وغيرها من البلدان، وأدرج اسمها في الموسوعة العالمية للفن الحديث، وورد في الذكرى السنوية للفنون. كما اختيرت هذه السنة، لتكون من ضمن أعضاء بينال موسكو. ولدت فاطمة بنت أوعقا في قبيلة أيت سعدن بضواحي مدينة فاس. وفي أواخر الأربعينيات، وبفضل جدَّتها ولجت المدرسة، غير أن هذا المسار لم يكتمل، حيث دخلت عش الزوجية وهي في عنفوان الشباب، وشاء لها القدر أن تترمل بعد اغتيال زوجها من طرف أحد شركائه في مجال التجارة، لترحل في ما بعد نحو فرنسا لتتزوج بطبيب فرنسي. وكان لهذا الأخير الفضل في أن تعاود التعلم. وبمجهودها الخاص، حصلت على شهادة الباكالوريا، ثم الإجازة في البسيكولوجيا. انخرطت، بتحفيز من زوجها، في محترف فني للصباغة، ومن تمة ارتبطت بعالم التشكيل. ومنذ 1994، ستتوالى معارضها الفنية على الصعيد الفرنسي والدولي. أعمالها تعكس فرادة في الأسلوب، تمتح من اللاشعور ومن التجربة الحية، واقعية العناصر، أسطورية المشهد، حداثوية التكوين، واقعية بجزئياتها لكنها بنظرة كلية توحي بالتجريد، تحثك على الولوج الى عالمها الخاص، فهي تتشابه في صيغتها العامة، لكنها تختلف بعناصرها أو الجزئيات والمفردات التي تكون هيكلها العام والتي تنتمي إلى العالم من خلال التدريب المستمر لحركة اليد والبصر، مما كوّن أسلوباً يعتمد على إظهار الخفايا في الأشكال. وبهذا برزت قيم تشكيلية جديدة لها أهميتها عند هذه الفنانة المتألقة، أشكال فرحة، مأساوية، مندمجة، متراكبة، متداخلة، أومتجاورة، تترابط، تضاعف عنف التحولات، الأمل، اليأس، كمقطوعة شعرية تمزج بين المختلف والمؤتلف، على طريقة ديونيزوس أفليس، وهو «الإله» الحامي والمحافظ على الفنون الجميلة Les beaux-arts، وبالأخص التراجيديا والكوميديا المنحدرين من حفلاته التي كان يحييهاالباخانيون. توحي لوحات فاطمة بنت أوعقا بطقوس الحضرة، حيث الدواخل متحررة من الرقابة، تتحدى الذات، حيث نرى العناصر تتحول وتزدحم لتملأ المكان أو جسد اللوحة التي تتحول عناصرها إلى مفردات مكثفة تختزن بيئتها المشاهد البصرية والمفاهيم الروحية. في أساسيات عملها التشكيلي، تشتغل على المرئي واللامرئي، الشعور واللاشعور، وعلى الظاهر والباطن، وعلى الذات الداخلية التي تواجه العالم الخارجي فتضيئه ويصبح منها يتلقاها، يأخذ منها ويعطيها المخفي من الأشياء ويصبح ظاهراً والعناصر الثانوية أو الصغيرة في كل عنصر تشكيلي تكون لها حرية الحركة، فالتكوين يبرز كمعطى لمجموعة من المسلمات والإيحاءات، ولا يكشف عن نفسه بشكل مباشر، بقدر ما يشكل مفتاحاً لمشاهد ما وتضعه أو تفتح له الدرب لمتابعة سياق تشكيلي معين، ويجعله يقرر أو يتساءل حول ما إذا كان الفعل التشكيلي قد تحقق بكل قوته أم لا؟ يجد المشاهد نفسه أمام معطى بصري معروف لديه وقد ألفه في حياته اليومية. يرى في اللوحة عناصر صغيرة واقعية محمولة بالضوء أو تحمل الضوء، فتخلق لديه فسحة من الاطمئنان للدخول في سياق آخر وربما يكون هو الظل، وفي الغالب، لا يكون الظل أسود، ولا الضياء أصفر.. عالم سحري، عجائبي، وفي نفس الآن، يفصح عن مكنون الذاكرة ويغرف من الواقع، فلا يسقط في الفن الديكوري، وفي إثارته المدهشة يعود لينزع عنك تلك الطمأنينة، فتعيد طرح السؤال. الفعل التشكيلي عند فاطمة يحمل في طياته بقايا تجارب تشكيلية قديمة، وحركات متزامنة، وتباينات تذكرنا بتكعيبية تحليلية متحررة، لكن الرغبة التجريدية هنا حاضرة باستمرار كمكبوتات تنتظر أن يسمح لها بالتدفق، وأخيرا تقتحم تقنيات العمل فتولد تعبيرية تحمل معها قيما جديدة. فاطمة تجرد لأنها مهووسة بالإيقاع، إيقاع يعكس المعنى الحقيقي لأعمالها الصباغية، فلولا الإشارات التشخيصية في أعمالها التي تعبر عن ذاتها ومسارها الحياتي، وكذلك تاريخ الفن، لتمت قراءته كانعكاسات ذهنية أو تداعيات حلمية، وهو ما يعطيها حيويتها ويبرز طابعها الحكائي. هذا النوع من الفن يظل مرتبطا بالتعبير والحساسية الذاتية، ويسير في اتجاه حداثي تشكيلي، كما يرمز إليه دوسيطايل. في منحها التجريدي الوجداني، تحاول أوعقا أن تبحث عن مجال كوني تشحذه اللوحة بعيدا عما هو مسلم به في المجال التشكيلي، كالسطحية، أو الخطوط الكرافيكية واللمسات، أي تبحث عما يسمح لها بذلك بدون نقاش أو تفصيل، بوضع حركتها الفعلية بصرامة تكتفي بذاتها وتفسر ذاتها. وحسب نيتشه، ف«الفن الذي يبحث له عن مبررات، لا يعني شيئا ذا بال». تعد المعارض التي أقامتها هذه الفنانة في المغرب قليلة جدا، وبذلك فهي غير معروفة بالقدر الكافي في الأوساط التشكيلية، ويرجع الفضل في اقتراحها على رواق سيزار الذي افتتح مؤخرا بزاوية شارع محمد مامون بالقرب من الملعب الشرفي بالدارالبيضاء، إلى الناقد الفرنسي جون فرانسوا كليمون الذي تأثر بمسارها الحياتي، حيث وجد أنه يطابق مضمون لوحاتها.