أكد جلالة الملك محمد السادس، في خطاب وجهه أمس الأحد إلى القمة الأولى بين المغرب والاتحاد الأوربي المنعقدة في غرناطة (جنوبإسبانيا ) و تلاه السيد عباس الفاسي الوزير الأول الذي يترأس الوفد المغربي إلى هذه القمة, أن المغرب عاقد العزم على توطيد تحقيق تقارب أمثل مع الاتحاد , وللسيرإلى أبعد مدى ممكن, لإرساء علاقة بناءة معه . أكد جلالة الملك , أن المغرب, الذي ما فتئ يولي علاقته مع الاتحاد الأوروبي مكانة رفيعة, ليؤكد التزامه الراسخ بتعزيز ومواصلة هذه الدينامية المثلى والواثقة والمثمرة, بالنسبة للطرفين, والتي ظلت على الدوام, تميز علاقة المملكة بأوروبا. وأوضح أن المغرب يعتبر أن المرحلة النظامية الجديدة, في علاقته بالاتحاد الأوروبي, مدعوة لأخذ شكل «شراكة متميزة»، كفيلة بالاستثمار الأمثل للمكاسب والإنجازات المحققة, خلال الفترة الأخيرة, وجديرة بتقديم إجابات ملائمة وطموحة, لما تطرحه المستجدات الاقتصادية والإنسانية والاستراتيجية, لكل من المغرب والاتحاد الأوروبي. وقال جلالته إن « بلادنا تتطلع إلى تدشين عهد جديد مع هذا الاتحاد, من خلال هذا الإطار من العلاقات, الذي من شأن بلورة وتفعيل أوفاقه التعاقدية ومقومات أجرأته أن تضفي المزيد من الزخم والبعد الاستراتيجي, على المسار المستقبلي للعلاقة القائمة بيننا.» وأبرز جلالة الملك أن قمة غرناطة تلتئم في الوقت الذي أخذت فيه العلاقة بين المغرب والاتحادالأوربي منحى تصاعديا, بفضل الوضع المتقدم, وفي ظرف أصبح مسارها يتسم بالتوجه بخطى حثيثة, وبكل طموح, نحو مستقبل أفضل, وآفاق واعدة. وأضاف أن المغرب, الذي يشاطر الاتحاد الأوروبي نفس التشخيص, لشتى التحديات المطروحة, على الصعيدين المتوسطي والإفريقي, سيستمر في النهوض بدور الفاعل المشارك, الذي ما فتئ يضطلع به, والذي يؤهله للقيام به, ليس فقط موقعه الاستراتيجي كملتقى بين القارتين, وإنما أيضا تواجده على واجهتين بحريتين, وانفتاحه الطبيعي على مختلف هذه الفضاءات. وسجل جلالة الملك ببالغ الاعتزاز, أن « شراكتنا في كافة تجلياتها وأبعادها ومجالاتها, تتطابق وما نبذله, بإيمان وعزيمة, من مجهودات جادة ودؤوبة, للمضي قدما في ترسيخ دعائم مجتمع منفتح, ديمقراطي وتضامني» وأضاف أنه « تحقيقا لهذا الهدف الأسمى, فإن المغرب, إذ يتطلع إلى ما هو أرحب من مجرد إقامة منطقة للتبادل الحر؛ ليدعو إلى الرفع من حركية تدفق الاستثمارات, وتعزيز أساليب التكامل والتجانس في المجالين الزراعي والصناعي, وإعادة انتشار الأنشطة الخدماتية, وتطبيق سياسات مشتركة في مجالات البحث من أجل التنمية, واقتصاد المعرفة» وأكد انه من الضروري أن يتطلب هذا التوجه تفعيلا سريعا وناجعا, لكافة الالتزامات المتفق عليها من قبل الطرفين. و«في هذا الصدد, يقول جلالة الملك , فإنه نظرا للأهمية التي تكتسيها الاتفاقية الزراعية الجديدة المبرمة مؤخرا, وللفرص التي تتيحها, فإن المغرب, إذ يؤكد حرصه على التعجيل بأجرأتها, وفاء بتعهداتنا المشتركة, فإنه يأسف للتأخير الحاصل في دخولها حيز التنفيذ» وأشار إلى أن إقامة فضاء مشترك بين المملكة المغربية والاتحاد الأ وروبي, في مجال اقتصاد المعرفة, لمن شأنه أن يشمل عمليا الرهانات الجديدة, الطاقية والبيئية, وذلك بتشجيع البحث العلمي, في مجال الطاقة الإيكولوجية, والطاقات النظيفة, والاقتصاد الأخضر, والبحث في مجال الأرصاد الجوية, والتنوع البيولوجي, وتحلية مياه البحر, والوقاية من الطوارئ, كالفيضانات والجفاف. وأكد جلالة الملك أن المغرب يأمل أن يستكشف مع الاتحاد الأوروبي, كافة الفرص التي ستتيحها المشاريع ذات الصبغة الجهوية, كمشروع «ديزيرتيك» وذلك لإرساء قواعد سياسة طاقية أورو- متوسطية مضبوطة, آمنة ومستدامة. وأضاف أنه يتعين انتهاج نفس المقاربة التشاورية والتضامنية, متى تعلق الأمر بالتعامل مع مسألة الحركية الإنسانية بين المغرب وأوروبا , وأنه في هذا المضمار, فإن المغرب, من منطلق مبادئه ومقوماته الدستورية والهوياتية والسوسيولوجية, ليعرب عن تقديره واهتمامه بهذا الوجه الجديد من المواطنة, الذي بدأ يتشكل بين ضفتي المتوسط, ويدعو لمد يد العون للمهاجرين, لتمكينهم من اكتساب توازن هوياتي, من شأنه أن يعزز الهوية الأ صلية للمهاجر, دون حمله على التنكر لها, أو التخلي عن أصوله, أو الانسلاخ عن جذوره. وأكد جلالة الملك أن «الغاية التي ينبغي أن ننشدها جميعا, تظل هي النهوض بأوضاع المهاجرين, لتمكينهم من الاضطلاع بدور الفاعل المنخرط في الإسهام في تعزيز المبادلات بين ضفتي المتوسط, والرافعة القوية لتجسيد تلاقح الثقافات, وتمازج وتعايش الأ جناس البشرية» وشدد جلالته على أن الاعتزاز والارتياح لما تحقق من مكاسب هامة, ورصد الآفاق الواسعة, المفتوحة أمام الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي, «لا ينبغي أن يحجب عنا ضرورة توجيه هذه الشراكة, نحو تحقيق غايات أسمى وأكثر طموحا» ومن هذا المنظور, يقول جلالة الملك , فقد بات من اللازم أن يكتسب الوضع المتقدم, الذي حددنا معالمه, في مارس2000 , كل المقومات القانونية والمؤسساتية والاتفاقية والتعاقدية, التي أصبح جديرا بها. ونعني بذلك الارتقاء به إلى مستوى شراكة متميزة. وأضاف صاحب الجلالة أنه بقدر ما سيفرزه هذا الأفق من نتائج إيجابية, على مستقبل العلاقة القائمة بين المغرب والاتحاد الأوروبي, فستكون له نفس النتائج على الصعيد الإ قليمي, من خلال الآفاق الواعدة, التي سيفتحها, باعتباره نموذجا رائدا للتقارب بين الاتحاد الأوروبي والشركاء المتوسطيين. وأكد أن هذا ما يقتضي أن يكون التقدم مشتركا, وليس أحادي الجانب, وإنما يسير على سكة متوازية. فمن جهة, فإن المغرب يتقدم نحو أوروبا, بما نقوده, بإرادة سيادية وطنية, ووفاء لا لتزاماتنا بترسيخ بناء مجتمع ديمقراطي تنموي, معتز بهويته الأصيلة, منفتح على عصره, وعلى جواره المباشر, ولا سيما الأوروبي منه, وبما نحرص عليه من إصلاحات هادفة لترسيخ الحكامة الجيدة, وأوراش هيكلية للتحديث الاقتصادي والتنمية البشرية. ومن جهة ثانية, فإننا نتطلع إلى أن تتقدم أوروبا بدورها نحو المغرب, لتكون خير شريك له, من حيث دعمها الملموس, وإسهامها القوي, في عمل مشترك وجاد, من أجل بلورة المشروع الاستراتيجي للشراكة المتميزة. وذلك وفاء لإشراقات تاريخ مشترك من تحالف حضاراتنا, والتزاما بمتطلبات عصر التكتلات, ورفعا لتحديات العولمة, وتحقيقا لآمال الأجيال الصاعدة, في العيش ضمن فضاء آمن ومزدهر ؛ فضاء مشترك يسوده ما نتقاسمه من التشبث بالمثل السامية للسلم والإخاء والديمقراطية, والتضامن والتقدم, والتصدي لنزوعات الانغلاق والإقصاء والإرهاب, ونصرة القيم المثلى لاحترام كرامة الإ نسان, وصون حرمة الأوطان, والتنمية المندمجة للبلدان, في نطاق من الطمأنينة والأمان.