في زمن تدق فيه جماعات من أهلنا طبول الحرب و تشن الغارة، مختزلة دينا عظيما في آية اجتثتها من سياقها، اسمتها «آية السيف» و زعمت أنها حاكمة على غيرها، و ناسخة ل 114 آية تأمر بالصفح و السماح و الموادعة، و ارتكبت باسمها ابشع الجرائم، جعلت العالمين الذين نزل الدين رحمة بهم ينظرون إلينا توجسا و تشككا. في مثل هذا الزمان لنحن أحوج إلى أعمال متميزة و بلغة القوم من قبيل رواية الإعلامي سعيد الجديدي «11 مارس: مدريد 1425»، لترأب الصدع و تقرب بين أمتين عظيمتين ليست لهما في الأمر ناقة و لا جمل، و تجدان أن الصدع بينهما يزداد اتساعا و الفجوة تتضخم، و أن البضعة و نيف من الكيلومترات التي تفصل بينهما على الرقعة الجغرافية تتحول في المخيال الشعبي إلى سنوات ضوئية. عموما الموقف الشعبي الإسباني يمكن تفهمه، فالعقل الجمعي عقل تعميمي بسيط يميل إلى الأحكام الإطلاقية و الحسم القاطع اتجاه منابع قلقه أو اتجاه ما يتعشم فيه أنه مصدر خطر ماحق. و هو عادة ليس بمستطاعه اهدار طاقته و موارده الثمينة في تحليل هذه المصادر و تمييزها، فيقيس الأشباه و يصدر الحكم و يتترس دون الخطر. وإذا كان الأمر طبيعيا إلى حد ما في معركة البقاء التي يخوضها بنوا الإنسان، فإن المعيب هو الإستغلال التجاري و السياسي لمشاعر الخوف هذه من طرف بعض المؤسسات الإعلامية، فعوض أن تتدخل لتفكيك الصورة القاتمة التي تنسج في المخيلة الإجتماعية الإسبانية عن الإنسان المغربي المسلم، فهي تؤكد و ترسخ هذه الأحكام و المواقف جريا وراء أعلى نسب مبيعات، مشاهدة، أ و تصفح، أو وراء أرباح سياسية في الأسواق الإنتخابية. من هنا تثمين العمل الروائي للأستاذ الجديدي: «11 مارس: مدريد 1425» ، الذي ينضاف كلبنة متينة إلى جهد مقاومة التيارات العدائية على الضفتين. الرواية ستصدر في شهر مارس القادم عن ثلاث دور للنشر في كل من المغرب، إسبانيا و المكسيك، بتزامن مع الذكرى السادسة للأحداث المروعة التي شهدتها محطة أطوتشا للقطارات بمدريد. تنطلق أحداث الرواية من حي جامع المزواق بتطوان حيث يتتبع الكاتب تفاصيلا من بؤس حياة يوسف عبر شخصيات عرفته و عايشته، و كانت شاهدة على دوامة المعاناة و الأمل التي كانت تعصف به بين المغرب و إسبانيا و لتلقي به أخيرا في أحضان التطرف. هدف الأستاذ الجديدي من تأليفهه الرواية كما يؤكد هو نفسه، توجيه رسالة إلى الإسبان مفادها أن الأحداث ليس في البساطة التي طرحتها بها وسائل الإعلام الإسبانية، بل هي أعقد، و لا تعود إلى الطبيعة العنيفة للإسلام الذي هو دين السماح و التسامح، و إنما إلى تفاعل عميق بين عوامل إجتماعية و دينية. كما يدين النظرة الإختزالية إلى المسلم كإرهابي و كأن المسلمين قطرات ماء لا تتميز عن بعضها، و هنا يجيد الكاتب في تصوير العلاقات النزاعية ليوسف بكثير من الشخصيات التي تنتمي إلى محيطه الثقافي المباشر، فهو يظهر عداءه لمنصور الذي ينتقد المسلمين، و هو بدوره ينتقد من طرف الفقيه الحاج أحمد الفقيه المناضل لأجل السلام و الذي يصف أحمد و رفاقه ب «عصابة الجهلة»، و يرد على دعواتهم لحرب الكفار بأن «الكفرة هم أنتم»، و يدافع عن منصور بالقول:»منصور مسلم صحيح الإسلام و أذكى منكم كلكم». و ما يجذر ذكره هو أن الأستاذ سعيد الجديدي لا يقف عند حدود المؤلف الروائي مكتفيا بسرد مجريات تفاعلات شخصياته بل هو يتقمص دور المحلل الإجتماعي و السياسي، فيشجب التهاون الحكومي في الشأن الديني و ينتقد غياب السهر على تشكيل التدين القويم. و في ذات الوقت ينتقد غياب وضعية قانونية واضحة للإسلام في إسبانيا. رواية قيمة و جديرة حقاً بالقراءة.